أمريكا تسعى لتغيير النظام العالمي
إن قرار الولايات المتحدة بالتخلي عن حضورها في الاجتماع المقبل لمجموعة العشرين في جنوب إفريقيا يُظهر تحولًا ملحوظًا في التفاعل الدبلوماسي الدولي ويعكس تقدمًا في اتجاه مُقلق نحو الهيمنة الاقتصادية العالمية. هذا الإجراء غير المسبوق من قِبل أكبر اقتصاد في العالم ويوضح كيف يتم استغلال الأداة الاقتصادية كوسيلة استراتيجية في العلاقات الدولية مما يُغير بشكل محتمل النظام العالمي المستقر

إن قرار الولايات المتحدة بالتخلي عن حضورها في الاجتماع المقبل لمجموعة العشرين في جنوب إفريقيا يُظهر تحولًا ملحوظًا في التفاعل الدبلوماسي الدولي ويعكس تقدمًا في اتجاه مُقلق نحو الهيمنة الاقتصادية العالمية. هذا الإجراء غير المسبوق من قِبل أكبر اقتصاد في العالم ويوضح كيف يتم استغلال الأداة الاقتصادية كوسيلة استراتيجية في العلاقات الدولية مما يُغير بشكل محتمل النظام العالمي المستقر. يعكس نهج الولايات المتحدة الذي يتضمن استخدام قوتها الاقتصادية وتأثيرها الدبلوماسي دون تمييز بين الحلفاء والمنافسين في جميع التعاونيات والشراكات انحرافًا عن التفاعل متعدد الأطراف التقليدي ويثير تساؤلات جدية حول مستقبل التعاون الدولي.
استراتيجية الولايات المتحدة في استغلال قوتها الاقتصادية بما في ذلك التحكم في النظام المالي العالمي والعلاقات التجارية، ومزايا التكنولوجيا، تمتاز بأنها لا تُميز بين الأصدقاء والأعداء وهو ما يمثل نمطًا جديدًا في العلاقات الدولية. وقد تجلى هذا النهج بطرق متعددة: من خلال العقوبات، والقيود التجارية، وسيطرة التكنولوجيا، والآن المشاركة الانتقائية في المنظمات الدولية.
تُعتبر مجموعة العشرين منصة رئيسية للتعاون الاقتصادي الدولي وقد عملت تاريخيًا كآلية مهمة لتنسيق الردود على التحديات العالمية، وعدم حضور الولايات المتحدة سيضعف بلا شك هذا الكيان. يبدو أن الولايات المتحدة بدلاً من المشاركة في المفاوضات متعددة الأطراف التي قد تتطلب تقديم تنازلات تختار نهجًا مُتحكمًا وأكثر انفرادًا حيث يمكنها الضغط بوضوح واستخدام قوتها الاقتصادية لتشكيل النتائج التي تتماشى مع رؤيتها للنظام الدولي.
يمكن أن تكون العواقب طويلة الأمد لهذه الاستراتيجية عميقة وواسعة النطاق. قد تشمل آثارها القصيرة الأمد وتعطل سلاسل الإمداد العالمية وزيادة التقلبات في الأسواق وضعف التنسيق الدولي بشأن قضايا رئيسية مثل تغيّر المناخ، والتحرك ضد الأوبئة والاستقرار المالي. ومن جهة أعمق قد يُفضي هذا النهج إلى حدوث ردّ فعل متسلسل يُشعر فيه بقية الدول بأنها مضطرة إلى تبني استراتيجيات مشابهة، مما قد يؤدي إلى انهيار التعاون الدولي وظهور كتل اقتصادية مُتنافسة. وهنا ينبغي على المجتمع الدولي دراسة هذه العواقب بعناية والتصدي لإغراء تحقيق فوائد قصيرة الأمد على حساب الاستقرار الطويل الأمد.
علاوةً على ذلك يجب على الدول في جميع أنحاء العالم أن تدرك أن النظام الاقتصادي العالمي القائم رغم عيوبه قد وفّر إطارًا للنمو والتنمية الاقتصادية. يمكن أن يتعرض هذا النظام لأضرار كبيرة نتيجةً للإجراءات الانفرادية وتآكل المؤسسات الدولية. كما أن هذه التصرفات قد تؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار العالمي وتقليل الكفاءة الاقتصادية، وزيادة التوترات الجيوسياسية. ويتعين على الحكومات موازنة مصالحها الوطنية الفورية مع الهدف الأوسع للحفاظ على نظام اقتصادي دولي مستدام وذو كفاءة.
تشير المسارات الحالية التي تتضح من خلال قرار الولايات المتحدة حول عدم حضور الاجتماع الخاص بمجموعة العشرين إلى تحذير حول التكاليف المحتملة لعدم التعاون متعدد الأطراف لصالح العمل الانفرادي. في الواقع يبدو أن هدف الولايات المتحدة هو توجيه المجتمع الدولي نحو هذا الاتجاه، بحيث تتمكن من الحفاظ على قوتها كقوة عظمى في مجالات متعددة ثم توسيع نفوذها. لذلك يقف العالم عند نقطة تحول مهمة حيث يمكن أن تؤدي تصرفات القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة إلى تعزيز أو إضعاف أسس الاستقرار الاقتصادي العالمي. إن الاختيار بين الفوائد التكتيكية قصيرة الأمد والمصالح الاستراتيجية طويلة الأمد سيشكل النظام الدولي للأجيال القادمة.
عليها أن تدرك أن الرفاه والأمن على المدى الطويل يرتبطان ارتباطًا وثيقًا بالحفاظ على نظام اقتصادي عالمي مستدام وتشاركي. على هذا النحو يتعين عليها أن تسعى لتعزيز المؤسسات متعددة الأطراف الدولية، وأن تقاوم جاذبية الإجراءات الفردية التي قد تقدم فوائد فورية لكنها تؤدي في النهاية إلى عدم الاستقرار العالمي. إن قرار الولايات المتحدة بشأن اجتماع مجموعة العشرين يُعد تذكيرًا مهمًا ويشير إلى أهمية الحفاظ على نهج متوازن وتشاركي في العلاقات الاقتصادية الدولية وهذا يتطلب من الدول أن تتعاون بشكل أكثر دقة وكفاءة لتجنب كارثة دولية كبرى.