هل يمنع الاقتصاد الشكوك حول العلاقات الأوروبية الأمريكية ؟

كانت العلاقة بين أوروبا وأميركا بعد الحرب العالمية الثانية علاقة استراتيجية ومنسجمة بالكامل، وتجلت ذروتها في تشكيل حلف شمال الأطلسي أو الناتو. لكن هل يمكن لهذه العلاقات أن تستمر دون مشاكل؟ هذا هو السؤال الذي أثير بين المحللين الأوروبيين والأميركيين بعد تولي السيد ترامب منصبه في عام 2016.

ديسامبر 7, 2023 - 14:37
هل يمنع الاقتصاد الشكوك حول العلاقات الأوروبية الأمريكية ؟
هل يمنع الاقتصاد الشكوك حول العلاقات الأوروبية الأمريكية ؟

كانت العلاقة بين أوروبا وأميركا بعد الحرب العالمية الثانية علاقة استراتيجية ومنسجمة بالكامل، وتجلت ذروتها في تشكيل حلف شمال الأطلسي أو الناتو. لكن هل يمكن لهذه العلاقات أن تستمر دون مشاكل؟ هذا هو السؤال الذي أثير بين المحللين الأوروبيين والأميركيين بعد تولي السيد ترامب منصبه في عام 2016.

بداية الشك

أصبحت العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة باردة ومليئة بالتحديات في عهد ترامب، الذي وصف الاتحاد الأوروبي بأنه "عدو" و"أسوأ من الصين، لكنه أصغر حجما" وانتقد قادتها مثل السيدة ميركل، وفي المقابل كانت تربطه علاقات جيدة مع أناسٍ مثل الرئيس المجري فيكتور أوربان. وشجع على انفصال الدول عن كتلة الاتحاد الأوروبي واستخدم كل جهوده لإضعاف الاتحاد الأوروبي. وبالإضافة إلى ذلك، رفض الرئيس الأميركي السابق إعادة الانخراط في اتفاقية شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي التي تخلى عنها باراك أوباما، بل وذهب إلى حد فرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألمنيوم لصالح حلفائه الأوروبيين. [1]والواقع أن تصرفاته وأدائه أثرت بشكل مباشر على الأعمال التجارية في أوروبا وزرعت بذور الشك في مستقبل العلاقات عبر الأطلسي بين الساسة الأوروبيين.

بايدن والأمل في تحسن العلاقات؟

 مع فوز جو بايدن في انتخابات 2020، تنفست أوروبا الصعداء وأملت بتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، خاصة وأن السيد بايدن ذكر أوروبا باعتبارها أهم شريك له في دفع خطط الولايات المتحدة على المستوى العالمي. ولكن يتعين على المرء أن يتقبل حقيقة مفادها أن أداء ترامب كان له أيضا عواقب على بايدن باعتباره خليفته. ومثل ترامب، أعلن بايدن أن أمريكا هي أولويته الأولى، ورغم أنه أوقف الحرب التجارية مع أوروبا وألغى قانون التعريفة الجمركية بحلول عام 2024، إلا أنه بدأ التفاوض مع الجانب الأوروبي.[2] فهو يحاول كسب المزيد من النقاط، وهذا ما جعل أوروبا تدرك جيداً أنها إذا لم تخلق توازناً في علاقاتها مع القوى العظمى، فإنها ستكون الخاسر الأكبر في هذه المنافسة الجيوسياسية.

إلى جانب ذلك، فإن العامل الذي ساعد على التقريب بين هاتين القوتين هو قضية الصين وأولويتها بالنسبة للجانبين. كما كان للحرب في أوكرانيا تأثير كبير على هذه العلاقة الوثيقة.

ومن خلال فهم أهمية التعاون في المرحلة الحالية لتقسيم العمل في إدارة النظام الدولي، تمكنت حكومة بايدن من تحسين ثقة الجانب الأوروبي إلى حد ما وبهذه الطريقة سيتقاسمون تكاليف السيطرة على قدرة الصين أو حتى دعم أوكرانيا. وأيضاً على عكس ترامب قامت ادارة بايدن بتسهيل بعض التعاون الاقتصادي والعسكري الذي يشكل اهتماماً مشتركاً لكلا الجانبين. وبهذه الطريقة، تمكن من الحصول على الموارد اللازمة للنمو الداخلي للاقتصاد وكذلك نمو التجارة الخارجية.

المستقبل؟

في الواقع، واستناداً إلى حاجة استراتيجية، تحاول الولايات المتحدة وأوروبا أن تكونا أقرب إلى بعضهما البعض وتحاولان إعطاء الأولوية للقضايا الاقتصادية على القضايا السياسية. وفي هذا الشأن، تركز الاتفاقيات وجداول الأعمال بين الجانبين على مختلف المستويات على الاقتصاد والتكنولوجيا المتقدمة للغاية وسلسلة توريد المواد والبضائع وقضايا من هذا النوع. وتحاول هاتان القوتان حاليًا التقليل من أهمية المشاكل الرئيسية والاستراتيجية في مجال الجغرافيا السياسية وتعميق العلاقات بينهما من خلال التأكيد على أهمية الجغرافيا الاقتصادية[3].

ويبدو أن هذا النهج لاقى الحظ والقبول من الجانبين. إنه حل قصير المدى ومؤقت يمكنه حاليًا منع توسع التوترات بين الطرفين. لكن فيما يتعلق بهذه الاتفاقيات التجارية والاقتصادية، لم يتم التوصل بعد إلى اتفاقات هامة في بعض القضايا المهمة، وقد تم تأجيل النقاش و التفاهم حولها إلى اجتماعات أخرى. ولكن يبدو أنه مع اقتراب أيام الانتخابات في الولايات المتحدة وتركيز زعماء البلاد بشكل أكبر على القضايا الداخلية، فإن الحكومة الأمريكية الجديدة ستتولى مهامها. إلى جانب ذلك، يجب على أوروبا أن تستعد للوجود المحتمل لشخص مثل ترامب الذي يمكنه بسهولة تدمير كل الجهود التي بذلت خلال السنوات الأربع الماضية.

ولذلك، فإن تحرك بنية النظام الدولي نحو التعددية القطبية يمكن أن يشكل تحديا إلى حد ما بالنسبة لأوروبا، خاصة إذا لم تتمكن من تعزيز نفسها في المجالات التي تعتمد على الولايات المتحدة. وتعلم أوروبا جيداً أنه لكي تظل لاعباً مهماً ورئيسياً، يجب أن تمتلك الأدوات اللازمة تحت تصرفها، وأن الاعتماد على الولايات المتحدة وحدها لن يكون كافياً بالنسبة لها ولن يجلب لها الأمن والأستقرار الدائمين.

امین مهدوی

 

 [1] eeas.europa.eu

[2] intereconomics.eu

[3] ceps.eu