إمدادات الطاقة والضعف الجيوسياسي في ألمانيا
بعد بداية الحرب في أوكرانيا، أخرت ألمانيا شراء الغاز من روسيا وحاولت الضغط عليها من خلال عقوبات الاتحاد الاوروبي. ولكن نظراً لاعتماد ألمانيا بنسبة تزيد على 50% على واردات الغاز الروسي، فإن ألمانيا تواجه تحدياً خطيراً [1]. ورغم أن ألمانيا تمكنت من إيجاد مصادر بديلة عن الغاز الروسي وتلبية احتياجاتها من الطاقة، إلا أنه يبدو أن هذه ليست القضية برمتها، ولا تزال هذه الدولة تواجه التحديات الكبيرة.
بعد بداية الحرب في أوكرانيا، أخرت ألمانيا شراء الغاز من روسيا وحاولت الضغط عليها من خلال عقوبات الاتحاد الاوروبي. ولكن نظراً لاعتماد ألمانيا بنسبة تزيد على 50% على واردات الغاز الروسي، فإن ألمانيا تواجه تحدياً خطيراً [1]. ورغم أن ألمانيا تمكنت من إيجاد مصادر بديلة عن الغاز الروسي وتلبية احتياجاتها من الطاقة، إلا أنه يبدو أن هذه ليست القضية برمتها، ولا تزال هذه الدولة تواجه التحديات الكبيرة.
الازدواجية في المعايير
من وجهة نظر ألمانيا، فإن مواكبة العقوبات ضد روسيا كان في إطار دعم أوكرانيا وحقوق الإنسان. لقد صرحت هذه الدولة مرارًا وتكرارًا أن أحد الأسباب الرئيسية لقطع العلاقات مع روسيا وعدم التعاون معها هو محاصرة روسيا وعدم تأمينها الموارد المالية للحرب[2]. فذهبت هذه الدولة إلى دول أخرى بدلاً من روسيا. تمكنت النرويج حاليًا من إظهار نفسها كشريك مستقر وموثوق لأوروبا وألمانيا. وإلى جانب النرويج، استوردت ألمانيا أيضًا الغاز من قطر والولايات المتحدة. والأمر المهم بالنسبة لقطر هو أن هذا البلد يواجه أيضًا العديد من القضايا فيما يتعلق بمراعاة قضايا حقوق الإنسان، خاصة فيما يتعلق بوفاة آلاف العمال أثناء بناء الملاعب في الأيام التي سبقت كأس العالم 2022.
في الواقع، إن الانتقادات التي تواجهها الحكومة الألمانية هي أنه بناءً على معايير حقوق الإنسان التي تم الإعلان عنها، يجب على هذه الدولة أيضًا تأجيل شراء الغاز السائل من قطر. إلا أن الحكومة الألمانية اتخذت نظرة واقعية للمسألة من أجل توفير احتياجات البلاد ومنع الركود الاقتصادي، ووقعت اتفاقية طويلة الأجل لشراء الغاز مع قطر.
من حيث المبدأ، يبدو أن معايير حقوق الإنسان تنجح عندما تتوافق مع مصالح الدول الغربية، ولكن إذا لم تتفق مع مصالحها فإن هذه الحكومات لن تأخذها على محمل الجد.
تجربة تعدد الموارد
في مجال إمدادات الطاقة تعتبر ألمانيا من الدول الرائدة في إنهاء استخدام الطاقة النووية والطاقة الأحفورية وخاصة الفحم. وتحاول البلاد إنهاء اعتمادها على الوقود النووي والأحفوري في برنامج طويل الأجل بدأته في أواخر العقد الماضي. وكانت ألمانيا قد حددت بنيتها الاقتصادية بالإعتماد أكثر من 50% على الغاز الروسي، وفي الواقع فإن الميزة الكبيرة للغاز الرخيص ومنخفض التكلفة أعطت هذه الدولة الفرصة لتصبح واحدة من رواد إنهاء استخدام الوقود النووي. ولكن مع بداية الحرب في أوكرانيا، كان لا بد من تغيير جميع الخطط الألمانية. والواقع أن ألمانيا بعد أن أدركت أنها لابد وأن تعمل على تنويع إمداداتها من الطاقة، ذهبت للتعاون مع العديد من البلدان. وتعد الولايات المتحدة وقطر والنرويج أهم شركاء توريد الغاز المسال لهذا البلد في الوقت الحالي.
وبالإضافة إلى أن ألمانيا تواجه تحدياً خطيراً في مجال الإعتماد على إمدادات الغاز، فإن الأمر الذي أثار قلق الخبراء في مجال الطاقة والسياسة الخارجية في هذا البلد هو خطط الحكومة لبناء محطات توليد الكهرباء بوقود الغاز المسال. إنهم يعتقدون أن هذا جنون ومثير للسخرية إلى حد كبير لأن الدولة التي تواجه الكثير من التحديات والتكاليف في إمدادات الغاز يجب أن تركز على مجالات الطاقة الأخرى بدلاً من الاستثمار في هذا المجال[3] والحكومة ترى أنها تستطيع تغطية ضعفها إلى حد كبير بالطاقة المتجددة والاستثمار في هذا المجال. وتشير خطط الحكومة في هذا المجال إلى توفير جزء كبير من موارد الطاقة من خلال الطاقات المتجددة، وهو ما يجب الوصول إليه بحلول عام 2050 والقضاء على الاعتماد على الغاز المسال.
المستقبل
إدراكًا لأهمية عدم الاعتماد على مورد واحد، تبحث ألمانيا عن حل أوروبي ومتعدد الأطراف. وتوصلت هذه الدولة إلى اتفاق مع بلجيكا وجمهورية التشيك لتوريد جزء من موارد الغاز وأشركت العديد من الشركات الأوروبية في هذه المشاريع. ومن الواضح أن مسألة توفير أمن الطاقة مع مجموعة واسعة من الشركاء أصبح أفضل وأكثر أمناً، حيث تسعى الحكومة الألمانية إلى تعويض هذه القضية من خلال نتائج تجارب الماضي. لكن في الواقع لا بد من دفع تكاليف باهظة لهذا الأمر، يجب أن يتحمل الشعب جزءاً كبيراً منها. على سبيل المثال، يتطلب هدف ألمانيا لعام 2028 لتخزين الغاز السائل خفض الاستهلاك بنسبة 20% على كافة المستويات. تعني هذه المسألة أنه إذا انخفضت درجة الحرارة بضع درجات في الشتاء، فإن هذا البلد سيواجه تحديًا، وهو التحدي الذي ربما يكون له الأثر الأكبر على شعب هذا البلد.
لذلك، ترى الحكومة الألمانية، ومن خلال نهج واقعي، أنها يجب أن تنظر أيضًا إلى موردي الطاقة الآخرين، حيث يمكن لدول مثل إيران أن تكون واحدة من الخيارات الأرخص والأكثر اقتصادية للحكومة الألمانية، إذا تصرفت ألمانيا بشكل مستقل وبطريقة منطقية. بالنظر إلى مسألة إمدادات الطاقة، فإنها يمكن أن تحقق العديد من المكاسب المحتملة وسيتم بحث هذه القضية ومتابعتها مع مرور الزمن وكيفية أداء حكومة السيد شولدز.
[1] aljazeera.com
[2] euronews.com
[3] thegeopolitics.com