دولة الإضرابات، مراجعة لسياسة الهجرة الفرنسية في أعقاب الاحتجاجات الأخيرة

دولة الإضرابات، مراجعة لسياسة الهجرة الفرنسية في أعقاب الاحتجاجات الأخيرة

يوليو 9, 2023 - 12:28
دولة الإضرابات، مراجعة لسياسة الهجرة الفرنسية في أعقاب الاحتجاجات الأخيرة
دولة الإضرابات، مراجعة لسياسة الهجرة الفرنسية في أعقاب الاحتجاجات الأخيرة

كشفت الأحداث في فرنسا حول قتل الشرطة لمراهقٍ جزائري مغربي الأصل وأعمال الشغب التي أعقبت ذلك، توترات عميقة بين قوات الأمن والجماعات ذات البشرة السوداء والسكان العرب في أفقر المناطق الشعبية في البلاد. وسلطت هذه القضية الضوء على اتهامات بالعنف المنهجي والعنصرية ضد الشرطة الفرنسية.

بدأت أعمال الشغب بعد أن أطلق ضابط شرطة النار على شاب يبلغ من العمر 17 عاما وقتله في إحدى ضواحي باريس. مثل قضية جورج فلويد، أثار فيديو الحادث الذي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي احتجاجات واسعة النطاق.

بعد الحادث و وفقًا لمجلة فورين بوليسي انتشر العنف بسرعة كبيرة من نانتير إلى الضواحي الفقيرة الأخرى في جميع أنحاء البلاد ثم إلى المراكز الشعبية، نصب المتظاهرون الحواجز وأشعلوا النار في السيارات والمباني العامة ونهبوا المتاجر. هذا هو أخطر اضطراب تشهده فرنسا منذ عام 2005. في ذلك العام قام شبان معظمهم من الأقليات العرقية بأعمال شغب وأثاروا الفوضى في الأحياء الفرنسية الفقيرة لمدة ثلاثة أسابيع بعد وفاة مراهقين صدفةً خلال مطاردة مع الشرطة.

وقال سيباستيان روش خبير الشرطة في جامعة ساينس بو في غرونوبل : "الشرطة الفرنسية غارقة في مشاكل التمييز العنصري والوحشي والتي لم تعترف الحكومات السابقة والحالية بأي منها".

هذه مشكلة كبيرة أخرى لإيمانويل ماكرون الذي كان يسعى إلى إعادة تمكين رصيده السياسي في الداخل والخارج بعد أشهر من الإضرابات المعوقة للإصلاحات التي تخص سن التقاعد، وهو الآن مجبر على تأجيل رحلته المخطط لها إلى ألمانيا للتعامل مع المشكلة الحالية.[1]

في بلد تكون فيه الإحصاءات والبيانات الرسمية مقيدًة بالعرق، على عكس الولايات المتحدة، وغالبًا ما يتم انتقاده باسم مبدأ المساواة بين المواطنين، يتردد المسؤولون في الاعتراف بإمكانية وجود مشكلة العنصرية المنهجية عند البوليس. أكد وزير الداخلية جيرالد داروين مرارًا أنه على الرغم من سوء رجال الشرطة، إلا أن معظم قوات الشرطة ليست عنصرية وأن قوات الأمن هي أفضل مثال على الاختلاط العنصري في البلاد. وقال ميشيل فيفيوركا مدير الأبحاث في كلية باريس للدراسات المتقدمة: "إن النظرة الفرنسية للمجتمع التي تتجاهل أهمية شعور الناس بالانتماء إلى مجموعات عرقية أو دينية أو ثقافية تجعل من الصعب قول الحقيقة. في أعقاب إطلاق النار على نانتير، حاول التلفزيون الفرنسي معالجة السؤال الواضح مباشرة عما إذا كان الحادث سينتهي بشكل مختلف إذا كان السائق أبيض. وقالت فيفيوركا :"بالنسبة للشباب الغاضب في الأحياء الفقيرة، فإن الشعور بالظلم والتمييز والعنصرية حقيقي للغاية".

إن غضبهم يتجاوز الطريقة التي تعاملهم بها الشرطة. سكان هذه الأحياء لديهم فرصة أقل بكثير للنجاح في المدرسة وسوق العمل من المجتمع العادي لأن الأحزاب السياسية تميل إلى النظر إلى هذه الأحياء الضعيفة على أنها "فجوات سياسية" ولا تهتم بها كثيرا.[2]

كما كتبت مجلة الأوبزرفر في تحليل لها عن الاحتجاجات في فرنسا وقضاياها : "سارع السياسيون اليمينيون واليساريون وعلماء الاجتماع والمحللون والمنظرون بطرق مختلفة إلى التنديد و تبرير الغضب والعنف الذي اندلع في العديد من المدن الفرنسية بعد إطلاق الشرطة النار مباشرة باتجاه ناهل مرزوك الشاب ذو 17 عاماً. منذ عام 2020 كان هناك 21 حادث إطلاق نار مميت للشرطة عند نقاط التفتيش. وكان معظم الضحايا في الأصل من السود أو العرب أو كانوا مهاجرين من جيل سابق. وأثارت وفاة الشاب البالغ من العمر 17 عاما أسئلة مزعجة حول إصرار فرنسا العميق على المساواة العرقية.

في الحقيقة، هذا لم يكن حادثاً منفصلاً ولكنه يعكس مشاكل واسعة في الشرطة الفرنسية والعلاقات العرقية والمجتمعية يجب الكشف عنها للجميع. أثار موت مرزوك بمعناه الأوسع تساؤلات مزعجة حول إصرار المتشددين الفرنسيين على المساواة العرقية والعلمانية والهوية المتطابقة.

من ناحية أخرى، يصف قادة الشرطة مثيري الشغب المراهقين بأنهم "المخلوقات الخبيثة" و "الحشود البرية"، مما يعكس الانقسام الخطير والواسع الانتشار الذي نشأ بين الطبقات الغنية والمحرومة في فرنسا. الفقر و عقارات الضواحي الشبيهة بالأحياء اليهودية والبطالة ومحدودية فرص الحياة هي مشاكل تواجه الشباب في العديد من البلدان المتقدمة، ولا سيما بريطانيا وفرنسا. عندما تتم إضافة العنصرية الممنهجة والمزمنة وغير المدروسة في نظام العدالة والأنظمة الحكومية الأخرى والمجتمع ككل إلى هذا المزيج المتغير، فليس من المستغرب حدوث انفجارات خارج السيطرة. وما يحدث في فرنسا هو تحذير للجميع. [3]

كما حللت صحيفة نيويورك تايمز الأحداث في فرنسا وكتبت أنه في السنوات الأخيرة، أظهرت الدراسات مدى انتشار التمييز العنصري في فرنسا، وخاصة بين الشرطة. في عام 2017 وجدت دراسة أجرتها منظمة الدفاع عن الحريات المدنية الفرنسية أن "الشباب الذين يُعتقَد أنهم من السود أو العرب" كانوا عرضة للتحقيق من قبل الشرطة ب 20 مرة أكثر من غيرهم.[4]

هذه العوامل والظروف مجتمعةً جعلت فرنسا دائمًا حاملاً لإحتجاجات وإضرابات واسعة النطاق ، وهي احتجاجات تهدأ بعد فترة، ولكن لأن العوامل التي تسببت فيها لا تزال قائمة، فإن كل احتجاج يصبح أكثر حدة من الذي قبله.

محمدصالح قربانی


[1] www.usnews.com

[2] foreignpolicy.com

[3] observer.com

[4] www.nytimes.com