سويسرا إلى التطرف أم الإعتدال ؟
انتهت نتائج الانتخابات البرلمانية في الاتحاد الفيدرالي السويسري بمشاركة شعبية بلغت 47 بالمئة، وتمكن حزب الشعب اليميني من الفوز بأغلبية الأصوات تحت قيادة ماركو كيزا.
انتهت نتائج الانتخابات البرلمانية في الاتحاد الفيدرالي السويسري بمشاركة شعبية بلغت 47 بالمئة، وتمكن حزب الشعب اليميني من الفوز بأغلبية الأصوات تحت قيادة ماركو كيزا. وتمكن هذا الحزب من أن يصبح الحزب الأول في البلاد بحصوله على 62 مقعدا بنسبة 28 بالمئة من الأصوات وبنسبة تزيد قليلا عن ثلاثة بالمئة مقارنة بالفترة السابقة. وبعد ذلك، جاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي في المركز الثاني بـ 41 مقعدا، وجاء الحزب الليبرالي الراديكالي في المركز الثالث بـ 29 مقعدا، وأخيرا جاء حزب الوسط في المركز الرابع بـ 28 مقعدا [1]. تكمن أهمية هذه الأحزاب الأربعة في اختيار حكومة سويسرا المستقبلية. في سويسرا وفقا للتقليد منذ الخمسينيات والمعروف بالصيغة السحرية، تقوم الأحزاب الثلاثة الأولى بتعيين وزيرين لكل منهما، ويعين الحزب الرابع وزيرا واحدا من حكومة هذا البلد المكونة من سبعة أعضاء.
بنية الهيكلية الديمقراطية في سويسرا تجعل المجلس التشريعي هو أهم ركيزة في هذا البلد، الذي يتكون من برلمانين أحدهما للشعب والآخر لمجلس الشيوخ، الأول لديه 200 مقعد والثاني لديه 46 مقعدا[2].
وفي هذه الانتخابات، سيتم تحديد تخصيص 9 كانتونات لمجلس الشيوخ في الجولة الثانية لأنه لا يمكن لأي نائب الحصول على أكثر من 50% من الأصوات. [3] ومع ذلك، فقد فاز الراديكاليون اليمينيون حتى الآن بأكبر عدد من الأصوات ويتمتعون بالأغلبية في كلا المجلسين. وبالنظر إلى أنه في سويسرا، من أجل تمرير قانون، يجب أن تتم الموافقة عليه من قبل كلا البرلمانين، فمن المرجح ألا يكون أمام اليمينيين طريق صعب للوفاء بوعودهم.
وكانت هذه الانتخابات ونتائجها بمثابة نوع من الثورة للشعب السويسري، الذي كانت أهم تحدياته خلال هذه الفترة هي تحسين سبل العيش و حل مشكلة المهاجرين. ومن المثير للاهتمام أن المناخ والبيئة لم يحظيا بشعبية كبيرة خلال هذه الفترة، ويعد عدم تصويت مناصري حزب الخضر في هذه الانتخابات تأكيدًا جيدًا على حقيقة عدم قدرتهم على التعبير عن أهمية القضايا البيئية لمجتمعهم، و ونتيجة لذلك فشلوا في هذه الإنتخابات. وتزداد أهمية هذه القضية عندما تمكن حزب يمين الوسط من هزيمة حزب الخضر، وأصبحت أجواء البرلمان تميل أكثر نحو اليمين المتطرف، وهو ما يمكن أن يجلب مشاكل لمستقبل سويسرا، مثل التحديات الإنسانية والعنصرية والصراعات العرقية وحالات أخرى مشابه يمكن أن تظهر أكثر في ظل وجود حزب اليمين المتطرف و طريقة نهجه في العمل.
كيف حافظ حزب الشعب على شعبيته؟
كان لهذا الحزب أجندة محددة في السنوات القليلة الماضية، الخيار الأول يتعلق بالهجرة الجماعية إلى البلاد، وهو ما يشير إليه بـ "جنون الاستيقاظ"، والآخر هو الوصول بعدد السكان إلى 10 ملايين نسمة لعام 2050 (حاليا يبلغ عدد سكان سويسرا 8.8 مليون نسمة. لقد أطلقوا حملة إعلامية احترافية وواسعة النطاق جعلوا فيها تحديات وجود المهاجرين كبيرة جدًا واستطاعوا خلق الخوف لدى الناس، حتى أن بعض أعضاء برلمان هذا البلد اعترفوا أيضًا بأن الأوضاع الأمنية في البلاد لم تعد كما كانت من قبل، ورغم أن هذه الإجراءات لاقت معارضة من بعض المجموعات الداعمة لحقوق المهاجرين، إلا أنها قامت بدورها وحصل حزب الشعب على أصوات أكثر من الفترة السابقة، وبنفس النهج كما هو الحال دائما، وهو تعزيز كراهية الأجانب!
يضاف إلى ذلك أن الدعاية الواسعة للشعب للحضور والتصويت لحزب الشعب من خلال شعار آخر لهذه الحملة وهو "زوال الثقافة"، تمكنت أيضاً من جذب جزء من الطبقات الرمادية إلى صناديق التصويت، وهكذا يكون الحزب قد أحسن استخدام الأدوات المتاحة له، واستطاع أن يطرح أفكاره كقضية مهمة للبلاد، وفي بلد تذوب أنهاره الجليدية الطبيعية، أصبحت مسألة الأمن والهجرة هي الأولوية الرئيسية، وهذا يدل على أن شعب هذا البلد أصبح أكثر تحفظا. وفي الحقيقة أن حزب الشعب لديه فهم للجسد الاجتماعي، وكان سعي هذا الحزب في توجيه الرأي العام نحو أهدافه المنشودة هو الذي استطاع أن يحقق ذلك الهدف.
في هذه الانتخابات، أصبحت القضية المهمة هي فوز اليمين المتطرف، وهي القضية التي ظهرت بوضوح أكثر فأكثر في أوروبا وتنتشر كل يوم، وفي بلد مثل سويسرا، التي على الرغم من البطالة التي تقل عن 2٪ وارتفاع دخل الفرد، تمكنت من أن يكون لها تأثير عميق، وهذه القضية لا يمكن أن تنال استحسان جماهير الاتحاد الأوروبي، رغم أن سويسرا ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي، إلا أن لديها تعاونا كبيراً معه، وحزب الشعب يعتبر حزباً معارضاً خطيراً على التعاون الشامل مع الاتحاد الأوروبي.
ويبدو أن النهج الذي ستتبعه سويسرا خلال السنوات الأربع المقبلة سيكون صارماً تجاه المهاجرين. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون التركيز على إعطاء الأولوية الاقتصادية لسويسرا ومن ثم الشركاء الآخرين، كما أن اللهجة الصارمة للحكومة تجاه طالبي اللجوء غير الشرعيين أكثر خطورة، مما قد يؤدي إلى تحديات في مجال حقوق الإنسان في هذا البلد وربما تحديات مع جيرانها. وقد تؤدي هذه التحديات على المدى الطويل إلى ابتعاد دول الجوار عن هذا البلد، الأمر الذي يمكن أن يسبب في النهاية مشكلة كبيرة لسويسرا.
[1] france24.com
[2] swissinfo.ch
[3] ch.ch