أزمة اللاجئين والانقسام السياسي في ألمانيا
مع اقتراب ألمانيا من انتخابات حاسمة تتصدر البلاد نقاشًا سياسيًا حادًا حول إصلاح قوانين اللجوء. فريدريش مرتس زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) وأحد المرشحين الرئيسيين لمنصب المستشار الألماني، يسعى إلى إقرار مشروع قانون لإصلاح قوانين اللجوء الذي أثار جدلاً واسعًا عبر الطيف السياسي.
مع اقتراب ألمانيا من انتخابات حاسمة تتصدر البلاد نقاشًا سياسيًا حادًا حول إصلاح قوانين اللجوء. فريدريش مرتس زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) وأحد المرشحين الرئيسيين لمنصب المستشار الألماني، يسعى إلى إقرار مشروع قانون لإصلاح قوانين اللجوء الذي أثار جدلاً واسعًا عبر الطيف السياسي. يتضمن هذا الاقتراح تشديد السياسات المتعلقة باللجوء وزيادة عمليات ترحيل المهاجرين وتقييد الهجرة غير القانونية مما يعتبره الكثيرون محاولة لجذب أصوات الناخبين المحافظين واليمينيين.
ومع ذلك، فإن الجانب الأكثر جدلًا في هذا المخطط هو احتمال دعم CDU لحزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) اليميني المتطرف من أجل إقرار القانون في البرلمان. مثل هذا الإجراء قد يحمل عواقب عميقة على الساحة السياسية في ألمانيا، ويفاقم الانقسامات الاجتماعية مما قد يؤدي إلى اضطرابات داخلية وحتى في عموم أوروبا.(1)
تعاون CDU المحتمل مع AfD من أجل إصلاح قانون اللجوء يعد انحرافًا كبيرًا عن الإجماع السياسي الذي تم تحقيقه بعد الحرب العالمية. تقليديًا ابتعدت الأحزاب الكبرى عن الأحزاب اليمينية المتطرفة. هذا التعاون قد يُشرعن المواقف السياسية لأحزاب اليمين المتطرف ويضعف المؤسسات الديمقراطية ويُنشئ سوابق خطيرة للتعاون السياسي في المستقبل، ويُمحى الحدود بين المواقف المحافظة والمتطرفة.
لطالما سعت ألمانيا لتحقيق توازن بين التزاماتها الإنسانية والمخاوف العامة بشأن الهجرة. أزمة اللاجئين في عام 2015، التي شهدت دخول أكثر من مليون لاجئ إلى البلاد، أثارت نقاشات واسعة حول سياسات الهجرة. رغم أن العديد من الناس استقبلوا النهج المفتوح لألمانيا، اعتبره آخرون عبئًا لا يمكن تحمله على الخدمات العامة والتضامن الاجتماعي. ومنذ ذلك الحين أصبحت الهجرة واحدة من القضايا المثيرة للجدل ويعمل CDU على استعادة موقعه المفقود في مواجهة اليمين بتبني نهج أكثر صرامة تجاه اللجوء.
تشمل الاقتراحات الإصلاحية لميرتس تسريع عمليات الترحيل، وزيادة الأمن على الحدود وتشديد المعايير المتعلقة بقبول اللاجئين. رغم أن هذه التدابير قد تبدو جذابة للأطراف المحافظة من المجتمع، إلا أنها أدت إلى ردود فعل قوية من الأحزاب التقدمية ومنظمات حقوق الإنسان بل وحتى بعض المعتدلين داخل CDU، حيث يخشون أن تؤدي هذه السياسات إلى إضعاف التزامات ألمانيا الإنسانية بعد الحرب.(2)
ومع ذلك يبدو أن استراتيجية مرتس تفضل المكاسب السياسية القصيرة الأجل على الاستقرار الطويل الأجل. من بين الأهداف المحتملة لهذه الاستراتيجية جذب الناخبين المحافظين ومعالجة مخاوف الهجرة وتعزيز المعارضة للحكومة الحالية والاستعداد للانتخابات المقبلة. ومع ذلك فإن هذا النهج يحمل مخاطر كبيرة بما في ذلك تقليل اهتمام الناخبين المعتدلين وإلحاق الضرر بالمكانة الدولية وإحداث انقسامات داخلية في الحزب وتعريض المبادئ الديمقراطية للخطر. تشمل العواقب المحتملة للمجتمع الألماني زيادة التمييز ضد الأقليات، وتعزيز انعدام الثقة في المؤسسات السياسية وزيادة القلق والاضطرابات الاجتماعية وإلحاق الضرر بالعلاقات الاجتماعية.
بالإضافة إلى ذلك يمكن أن تزعزع الاضطرابات السياسية المحتملة الناجمة عن توجه CDU نحو التعاون مع AfD مكانة ألمانيا كدعامة لوحدة أوروبا. يحذر المراقبون المتخصصون من أن هذه المناورة السياسية قد تؤدي إلى احتجاجات وتظاهرات عامة وحركات مضادة ونشاطات اجتماعية وانتقادات دولية وعدم استقرار اقتصادي.
علاوة على ذلك فإن تأثيرات هذا المشروع الإصلاحي لن تقتصر فقط على ألمانيا. في حين تعاني أوروبا من تحديات الهجرة، يمكن لدول أخرى أن تعتبر خطوات ألمانيا نموذجًا يُحتذى به، كما إن التوجه نحو سياسات اللجوء الأكثر صرامة في برلين قد يشجع الأحزاب اليمينية المتطرفة في جميع أنحاء القارة، بدءًا من الجبهة الوطنية في فرنسا وصولاً إلى الأخوان في إيطاليا، على اتخاذ تدابير مماثلة. هذه العملية قد تؤدي إلى إضعاف التزام الاتحاد الأوروبي بحقوق الإنسان ودعم اللاجئين.
الآن تقف ألمانيا عند مفترق طرق، إذا واصل مرتس دفع مشروع قانون إصلاح اللجوء بدعم من AfD، قد يكون ذلك نقطة تحول خطيرة في سياسة ألمانيا و نقطة يصبح فيها اليمين المتطرف شرعيًا، وتتعميق فيها الانقسامات الاجتماعية والسياسية. ورغم أن السياسات الأكثر صرامة فيما يتعلق بالهجرة قد تبدو جذابة لبعض الناخبين إلا أن العواقب الطويلة الأمد لمثل هذا الاتجاه يمكن أن تكون مدمرة. يجب على الألمان أن يتفحصوا بعناية مخاطر الاستقطاب والاضطرابات الاجتماعية مقابل المنافع السياسية القصيرة الأجل لسياسة لجوء صارمة. ستشكل الانتخابات المقبلة اختبارًا مهمًا لاستقامة الديمقراطية في هذا البلد. يجب على CDU وألمانيا بشكل عام أن يقررا ما إذا كانت الانتصارات في صراع قانوني تستحق الثمن الباهظ المتمثل في عدم الاستقرار السياسي والانقسام الاجتماعي. في جميع الأحوال يبدو أن النقاشات المتعلقة باللجوء ستشكل مستقبل السياسة في ألمانيا والمشهد الأوسع لأوروبا في السنوات القادمة.
1. euronews
2. DW