الحلم الأوروبي بأسلوب أوربان!
لسيد أوربان، رئيس وزراء المجر، الذي تتولى بلاده رئاسة الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، بدأ نشاطه بشعار "أوروبا الكبرى مرة أخرى". وفي هذا السياق، بدأ السيد أوربان جولة مهمة شملت أوكرانيا وروسيا وانتهت في الولايات المتحدة الأمريكية.
السيد أوربان، رئيس وزراء المجر، الذي تتولى بلاده رئاسة الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي، بدأ نشاطه بشعار "أوروبا الكبرى مرة أخرى". وفي هذا السياق، بدأ السيد أوربان جولة مهمة شملت أوكرانيا وروسيا وانتهت في الولايات المتحدة الأمريكية.
طموح أوربان؟
أطلق السيد أوربان جولته كرئيس دوري للاتحاد الأوروبي بأسلوب مختلف. لقد ركز على القضية المهمة المتعلقة بأوكرانيا، ويسعى ليكون وسيطًا مهمًا ويزيد من مكانة بلده المجر. هذا التوجه أثار حساسية لدى دول أوروبية أخرى، حيث أنه بمجرد حديثه مع السيد بوتين في روسيا، أبدى الأعضاء الآخرون في الاتحاد الأوروبي أن مواقف أوربان ليست هي الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي، بل اعتبروا حتى زيارته إلى روسيا غير مقبولة. حتى أن السيد زيلينسكي رئيس جمهورية أوكرانيا، أعرب عن موقفه قائلاً إن أوربان لا يمكن أن يكون وسيطًا لأن أوروبا ليست دولة واحدة، وأن مواقفه لا تمثل آراء جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي.[1]
على الرغم من أن أوروبا والولايات المتحدة لم تستقبل هذا التحرك من قبل أوربان بشكل جيد، إلا أنه تمسك بموقفه وأكمل زيارته لروسيا معتبراً أنها زيارة قيمة في إطار العلاقة الثنائية للبلدين أو كممثل من قبل الاتحاد الأوروبي لكل من روسيا والمجر، إذ تسعى المجر لتلعب دورًا مستقلًا في هيكل النظام الدولي، وهذه الأنشطة تعزز من مصداقيتها. بالإضافة إلى ذلك، لدى المجر علاقات اقتصادية وثيقة مع روسيا، وهي متفقة مع النهج الروسي بشأن حرب أوكرانيا. هذه العوامل جعلت أوروبا تشكك في مصداقية المجر وقلقة دائمًا من عرقلة هذه الدولة في اتخاذ القرارات لمساعدة أوكرانيا، وهو أمر حدث مرارًا. في الواقع زيارة روسيا ربما تكون أكثر من كونها خطة للسلام، فقد تكون لقاءً ثنائيًا يحقق مصالح البلدين، مما يقرب المجر وروسيا أكثر من بعضهما البعض.
في إطار زيارة السيد أوربان الدورية، يتوجه أيضاً إلى الصين. ولاقت هذه الزيارة أيضًا انتقادات من الأوروبيين وقلقًا من الأمريكيين. خلال هذه الزيارة رحب السيد أوربان بمبادرة السلام المكونة من 6 نقاط التي طرحتها الصين وبرازيل، واعتبرها حلاً مناسبًا. وأشار رئيس وزراء المجر إلى أن الصين تعد قوة رئيسية ومهمة في النظام الدولي، حيث وصفت علاقته مع الرئيس شي بـ"الدافئة".[2]
كانت هذه الزيارة ذات أهمية كبيرة للطرفين؛ حيث تحتاج المجر إلى الاستثمار الصيني في اقتصادها، ومن المتوقع أن يخلق هذا الاستثمار حوالي 25,000 وظيفة في البلاد. من جانبه، يمكن للصين من خلال المجر تجاوز بعض التشريعات التجارية الأوروبية والاحتفاظ بالوصول إلى السوق الأوروبية. يمثل هذا الأمر أهمية خاصة للصين، لأنها بحاجة إلى الاستثمار في مجالات التكنولوجيا وجذب العملات الأجنبية للتغلب على الأزمة الاقتصادية، والمجر تعتبر وجهة مثالية لتحقيق ذلك.
بالتالي، اتخذ السيد أوربان هذه القرارات الطموحة، عازمًا على تحقيق مصالح بلاده دون النظر إلى اعتراضات أوروبا والولايات المتحدة. وعلى الرغم من ذهابه إلى الصين تحت ذريعة مبادرة السلام بين روسيا وأوكرانيا، وسعيه لأداء دور بارز في هذا السياق، إلا أنه حينما لم يلق قبولًا كبيرًا، دفع نحو إجراء مفاوضات ثنائية مع زعماء روسيا والصين لتحقيق الأهداف المرجوة من الاتفاقيات الثنائية.
بعد زيارته للصين، انتقل إلى واشنطن للمشاركة في اجتماع قادة الناتو، حيث واجه معارضة من قبل زعماء الناتو الذين كانوا يركزون على دعم أوكرانيا وتعزيز وضعها. في الواقع، بعثت هذه الخطوة من الناتو برسالة واضحة إلى روسيا مفادها أن الناتو سيواصل دعمه لأوكرانيا، وأنه يتعين على الصين والمجر أيضًا أخذ هذا بعين الاعتبار؛ فمسار السلام لا يمر حصريًا من الشرق بل يتطلب النظر في مصالح الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.[3]
نتيجة لذلك، لم تكن الطموحات الأولى للسيد أوربان في إطار رئاسة الاتحاد الأوروبي ناجحة بشكل كبير، وتمكن فقط من اتخاذ خطوات تتماشى مع مصالح بلاده. ويبدو أنه سيتعين عليه الانتظار أكثر لتحقيق دور أكبر وأهم في النظام الدولي، وأن يعمل على بناء علاقات أفضل مع القوى الغربية الكبرى، عسى أن يتمكن من تحقيق ما يصبو إليه.
[1] aljazeera.com
[2] reuters.com
[3] washingtonpost.com