تداعيات الحرب الأوكرانية على أوروبا
ما زالت الدول الأوروبية تتعرّض لمزيد من الضغوط، بسبب مواقفها السياسية والعسكرية بشأن الحرب الساخنة في أوكرانيا، مع تساوقها بحالة من الخوف من تغيير العديد من الدول موقفها بشكل مفاجئ، أو تدريجي. لقد شكّلت مشكلة نقص استيراد الغاز، وارتفاع أسعاره سبباً للاحتجاجات العارمة في أكثر من بلد.
إن حجم الأزمات المتلاحقة في الدول الغربية قد رسمت ملامحها عميقاً من خلال الاضطرابات التي عمّت معظم العواصم والمدن الأوروبية، فكانت بعض التحركات الشعبية تطالب بالإطاحة بالحكومات على خلفية غلاء الأسعار، وفقدان معظم المواد الأساسية، واضطراب الأسواق وحجم الفواتير التي يدفعها الأوروبيون.
في الفترة الأخيرة شهدت كبرى المدن الأوروبية تظاهرات واحتجاجات تنديداً بسياسات حكومات بلادهم التي تدعم الحرب، وتأجج نارها، وتزيد من اشتعالها، معبّرين عن معارضتهم لسياسات الاتحاد الأوروبي، وحلف (الناتو) التي تطيل أمد الحرب على حساب معيشتهم اليومية. فقد اجتاحت المظاهرات العارمة مدن التشيك والنمسا التي طالبت بإسقاط العقوبات المفروضة على روسيا، وإبرام عقود توريد جديدة للغاز. كما شهدت شوارع إيطاليا وألمانيا وغيرهما موجات من الغضب العارمة أحرق المتظاهرون خلالها فواتير الغاز والكهرباء، مؤكدين أن حكومات بلدانهم لا تستطيع أن تحميهم من لهيب الأسعار والظروف المعيشية الصعبة.
وفي بريطانيا ارتفعت معدلات التضخم بشكل كبير، بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعيات الحرب في أوكرانيا، مع وجود تحديات كبيرة متأصلة تواجهها الحكومة البريطانية، حيث لم يستطع رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك وضع حدّ للتضخم، أو وضع دراسة نقدية لمعالجة التضخم الذي سجل مستويات هى الأعلى منذ أربعين عاماً، وهو ما يشكل تهديداً غير مسبوق للاقتصاد البريطاني.
لقد أكّدت العديد من التقارير والدراسات التي نشرها البنك الدولي اقتراب الاقتصاد العالمي بشكل خطير من وضع الركود الاقتصادي بشكلٍ غير مسبوق، ويتوقع البنك نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2.7% هذا العام، متراجعاً عن نسبة 3% التي توقعها في شهر حزيران الماضي، ويعزو تقرير البنك الدولي التراجع إلى عدة عوامل، منها الحرب في أوكرانيا، وتأثير جائحة كوفيد 19.
كما أكّدت السجلات الرسمية للمؤسسة الدولية التي تبحث في مستويات النمو في الدول المتقدمة أن الولايات المتحدة الأمريكية ستسجل نمواً ضعيفاً (0,3%) مع انعدام النمو في القارة الأوروبية قبل أي حالة انتعاش ضعيفة في عام 2024 .
وقد أكّد كبار المسؤولين الماليين هذه التوقعات، مبدين قلقهم الشديد من خطر استمرار التباطؤ في النمو، حيث تؤكد كل تقديراتهم أن النمو العالمي بين عامي 2023 و2026 سيكون أقل من 2%، إن هذا النمو هو الأضعف في خمس سنوات منذ العام 1960.
يقول أيهان كوسي، مدير المجموعة البحثية في البنك الدولي، إن هذا النمو هو الأضعف خلال العقود الثلاثة الماضية باستثناء أزمة عام 2008 التي عرفت بأزمة الرهن العقاري، وما تركته جائحة كورونا عام 2020 من سلبيات. كل تلك الأزمات العالمية أدت إلى خروج الشعب الأوروبي إلى الشوارع، والقيام بالاضرابات، والتظاهرات التي اجتاحت المدن الأوروبية بشكلٍ غير مسبوق، احتجاجاً على صعوبة الحياة المعيشية، وارتفاع الأسعار وازدياد التضخم والمطالبة بإصلاح نظام التقاعد، ورفع الأجور.
المصدر: البعث