بعد السودان، القنبلة الموقوتة تحت اقدام من؟
منذ عام 2019 وسقوط البشير ، لطالما أثير التساؤل حول ما إذا كانت مشكلة السودان مشكلة داخلية أم خارجية، وبالطبع كل الأدلة تظهر أنها خارجية تماما، والعقول المخططة تديرها من مكان آخر.
كل جهود "الحرية والتغيير" تم تحديدها بشكل أساسي على مستوى الترفيه الداخلي وسير المدنيين في ممرات مظلمة بلا هدف ومربكة. نصبوا حمدوك رئيسل للوزراء وعزلوه بسهولة، وعدوا بتغيير الدستور وأكدوا على مشاركة جميع الفئات في الحكومة ولكن لم يتم جني اي ثمار من كل هذه الشعارات البراقة والمنمقة لصالح أهل السودان ، وأخيراً أقاموا مؤخرا ورشة إصلاحية لم يجف حبرها بعد حتى انطلق النزاع بين البرهان وحميدتي ، وخلف منذ الأمس ما لا يقل عن 25 قتيلا وعدة مئات من الجرحى .
رغم أن كل من البرهان وحميدتي بدآ حكمهما بدعم من السعودية والإمارات، وابعدا شبح العقوبات الأمريكية عن السودان واخبرا من خلال التطبيع مع الكيان الاسرائيلي توصلا الى نتيجة مفادها استمراري حكمهما، لكن كلاهما وبناء على الظروف الاخيرة وقرب إيران من السعودية وتعميق علاقات إيران مع الإمارات شعرا بانه تم خداعهما انطلاقا من سوء تحليلهما للاوضاع وتركهما مغلقان بين الأرض والسماء، في مثل هذه الظروف بلغ الشعور بالتخلي عنهما ذروته، عندما وجدوا إسرائيل هشة بشكل عام سواء في الداخل وتتعرض للهجوم من خارج حدودها ، وكذلك رأوا بان اتفاق ابراهام مع العرب، لم يكن سوى طفل خديج مصيره المحتوم هو الموت و...
في ظل الانكشاف التدريجي لأبعاد "هندسة القوة الجديدة" ، يبدو أن كلا من برهان وحميدتي على دراية بالتغييرات القادمة ، ويحاول كلاهما ضمان استمراريتهما قبل أي شيء آخر ، وهو دوام لم يعد بيد اي من "إسرائيل" أو أمريكا أو بريطانيا.
من المعروف تقليديا أن حميدتي هو اقرب الى روسيا، في حين ان الاشهر هو ان البرهان مطيع ومنقاد لأمريكا والغرب، وفي ظل الظروف الحالية، انتهز كلاهما الوقت للتنافس مع بعضهما البعض لإثبات ولائهما للمحور الشرقي. رغم أن قوات الدعم السريع والتي يبلغ قزامها حوالي 100.000 فرد ولا تملك اي طائرات ومدافع ودبابات ومعدات حربية أساسية، هي تحت امرة البرهان، لكن يبدو الأمر كما لو أن حميدتي يعقد الامل على دعم المحور الشرقي. النتيجة التي توصل اليها حميدتي هي أن البرهان وبسبب ماضيه الغربي لا فرصة لديه للفوز بدعم المحور الشرقي ولذلك فانه انقلب عليه واطلق شرارة هذا التمرد.
رغم أنه يبدو أن أياً من الطرفين لن يتنازل عن الصراع ويعرض حياته وبقاءه للخطر في هذا القمار، لكن المهم في هذه الأثناء هو أنه في ظل هذا التطور الكبير ، فقدت "إسرائيل" قاعدتها الثانية (بعد الخليج الفارسي والتقرب من البحرين والإمارات) في محيط باب المندب والبحر الأحمر .. اي السودان . المصالحة بين السعودية والإمارات مع اليمنيين هي اقرب مما تتوقع وأبرز مؤشر عليها هو اطلاق سراح شقيق عبد ربه منصور هادي الرئيس اليمني الفار .
في غضون ذلك ، لم يبق سوى بلد واحد آخر في شمال إفريقيا، ويبدو أنه إذا استمرت التطورات وفق مسارها الحالي، فليس من المستبعد أن يقطع هذا البلد ايضا علاقاته مع الكيان الاسرائيلي. في مثل هذا الحالة، ستحتفل جميع المناطق الثلاث اي الخليج الفارسي والبحر الأحمر وشمال إفريقيا بوقت طلاق "إسرائيل" والله العالم .
المصدر: العالم