فك شيفرة الحقبة الابراهيمية
بدأت بوادر الحقبة الابراهيمية مع قرار نشوء نظام العالم الجديد بتصريح للرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب إبان تفكك الاتحاد السوفياتي، ثم توالت الأبحاث والقراءات وقد تمّ نسب الفكرة الأولية الى شيخ مصري مسجون في أميركا متهم بالإرهاب على أنه صاحب فكرة الأمة الابراهيمية، طبعاً لا يمكن أن تكون المعلومة صحيحة، وانّ أول من بدأ العمل والتحضير لها هو ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، وذلك بعد أن تبنّت المشروع جامعة هارفرد عام 2000 لتنظيم حملة داخل الإدارة الأميركية للعمل على الفوضى الخلاقة والربيع العربي والشرق الأوسط الكبير والجديد عن طريق الحرب أولاً على افاغنستان ثم العراق ثم لبنان، والحجة كانت أحداث 11 أيلول عام 2001. وكانت أهمّ أهدافها فكرة غزو العراق والسيطرة على التاريخ والجغرافيا والنفط والغاز لفكرهم انّ تلك الدول عاجزة عن إدارة مخزون الطاقة ويجب إلهاؤها، وتحتاج الى من يدير تلك الحقول والمصادر.
تسارعت مفاعيل تلك الفكرة بعد وصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى سدة الرئاسة عام 2000، وبوادر بدء نمو الاقتصاد الصيني بظهوره للعلن، كانتا المؤشر الأقوى للإسراع بفكرة الحقبة الابراهيمة لاستغلال الحالة الإسلامية (إسلام وفق أفكارهم الصهيونية) لتكون ضدّ روسيا وضدّ الصين وضربهم ببعض نظراً لوجود رؤية عند مراكز الدرسات في أميركا على أهمية ذلك حتى لا تضطر أميركا للمواجهة المباشرة معهما بعد سنوات، ولكنها صدمت بمحور المقاومة (حلف إيران من أجل القضية الفلسطينية وتحرير كامل أرض فلسطين) والذي أفشل مخطاطاتها وأبطأها حيث غرقت أميركا بحروب استنزاف لتنفيذ تلك المخططات لترى نفسها أمام عمالقة جدد مثل الصين وروسيا وإيران، مما جعل تلك المخططات بحكم الوهمية التي لا يمكن تنفيذها حالياً، وقد سبّب ذلك بتراجع أميركا عالمياً الى ان وصلت لربما لحالة قبول تقاسم القطبية العالمية مع باقي الدول، وانْ لم يتمّ ذلك فإنها ستضطر للذهاب الى حرب الكبرى لتكون خسارتها حتمية.
بدأ المخطط بتدمير المعالم الأثرية مــن قــبل الحركات الإرهابية ابتداء من افاغنستان، ومن ثــم غــزو العــراق وتغيــير معالم التاريخ فيها وسرقة الألواح والآثار ليتمّ محوهــا وتغــيير معالم وقراءة التاريخ لتتمّ كتابة تاريخ جديد مضلل للأجيال القادمة لتعيش حالة من اللاحقيقة، وذلك وفق ما يسمّونه الحقبة الابراهيمية.
رسّخ الرئيس الأميركي باراك أوباما فكرة التفكيك وتآكل الدول تمهيداً لحكم العشائر والقبائل مع قيام هيلاري كلينتون بابتداع إدارة جديدة للتحكم بالسياسة والدين عام 2011 حيث كان عام تحريك الحركات الإرهابية المنسوبة الى الإسلام ضدّ الأنطمة ومساواتها مع القرون الوسطى الأوروبية لفصل الكنسية عن الحكم، وابتداع الحركات العلمانية أولاً من قبل اللوثرية لتتلاقى لاحقاً مع الحركات الصهيو ماسونية. ومقالة «لا يتوجب عليك ان تكون يهودياً لتكون صهيونياً، وصولاً إلى صفقة القرن والتطبيع مع الرئيس دونالد ترامب.
عام 2001 ابتدع جورج دبليو بوش تكريس فكرة المسيحية الصهيونية لدمج الديانة البروتستانتية مع اليهودية بشكل رسمي، ومن ثم فكرة دمج الإسلام معها لتكون فكرة الصهيو مسيحية إسلامية، وبدأت الاعتداءات الأميركية بالغزو والاحتلالات لمنطقتنا.
لماذا العراق؟
بدأت الأبحاث بالمبادرة الابراهيمية، المسار الابراهيمي، السلام الابراهيمي (التطبيع)، الديانة الابراهيمية عبر توحيد الكتاب المقدس بعض من التوراة والإنجيل والقرآن من خلال الصهيونية واللوثرية والصوفية غير التي نعرفها، ثم الأمة الابراهيمية، لتكون جميعها تحت مسمّى الحقبة الابراهيمية. يُعتبر العراق ومدينة أور أو بابل في العراق هي بداية مسار نبي الله ابراهيم (عليه السلام) عبر خط متعرّج الى أطراف إيران، جنوب تركيا، سورية، فلسطين ومصر، والذي سُمّي بعد ذلك في مؤتمر بازل الصهيوني بـ «أرض إسرائيل من الفرات الى النيل»، أيّ مسار نبي الله ابراهيم، ولحماية طريق الحجّ تلك يجب محو التاريخ العراقي أولا وإزالة الحدود وتكون تحت حكم المدن المفدرلة ضمن دول واهنة وبحماية العشائر تحت مسمّى الولايات المتحدة الابراهيمية مركزها القدس. مع جمع الديانات الثلاث تكون اليهودية هي القاسم المشترك لأنها الوحيدة التي تعترف بها الديانتين الأخريين.
عند ضرب البرجين في أميركا كانت الاتهامات موجهة من قبل الكثير أنه لربما أميركا من فعلت ذلك، أو انّ الإرهابيين هم من قاموا بذلك (وجلهم يحملون الجنسية السعودية) وكان المحتفلون يهوداً على أسطح الأبنية إشارة الى اتهامهم، وكأنها مؤشرات لبدء مرحلة جديدة قد تشاركت بها كلّ الأطراف.
كانت محاولة الربيع العربي بكلّ مسمّياته تصبو الى تمرير فكّ الدين عن الدول الإسلامية كما تمّ سابقاً مع أوروبا، وذلك عبر إظهار الإسلام، من خلال القاعدة وداعش والنصرة وغيرهم، على أنه إرهابي ليبتعد المسلمون عنه كما فعل المسيحيون في القرون السابقة. يعني تفكيك الملسمين والمسيحيين ليكونوا بحالة اللادينية وبإسم الإنسانية الكاذبة والحرية المزيّفة معها لتزداد قوة حركة الصهيوماسونية، بالمناسبة هذه الحركة هي من ابتدع صراع المتناقضات لصالحهم حيث انّ الصهيونية عقائدية والماسونية إلحادية ولكنهما يخدمان نفس الهدف ألا وهو «إسرائيل» وهي بدورها تخدم المسيحية الصهيونية.
فتح صفحات من الحرية والإنسانية وتغيير القيم لتضليل الشباب الصاعد بعد دمجه بالأمة الابراهيمية ليقول بأنه حرّ وله ان يفعل ما يريد حتى تغيير جنسه او ان يكون شاذاً.
بعد فشل معظم الأفكار الوهمية المتعلقة بالحقبة الابراهيمية، حيث الى الآن ثبت فشل تلك الدراسات في المعاهد الاستراتيجية الأميركية وعدم جدواها في المدى المنظور والتي تمّ إفشالها وإبطاؤها من قبل حلف المقاومة المتمثلة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية والعراق وسورية ولبنان وفلسطين واليمن، ومع تناغم أفكار ولي تاعهد السعودي محمد بن سلمان مع دراسات معهد البحوث والتطوير الأميركي (راند المرتبط بوكالة الاستخبارات المركزية «سي أي آي») حول موضوع فكرة 2030 وهو دمج المجتمع الشرق أوسطي مع مدينة نيوم، هل وافق راند انّ من المفترض ان يكون العام 2027 هو عام تفكيك الدول وتعزيز المنظمات غير الحكومية (NGOs) وتراجع القومية والرجوع لحكم القبائل والعشائر؟ إضافة الى قوله بتربيته من قبل مربية يهودية وخلق عدو غير «إسرائيل»، أي إيران والفرس، وحربه على اليمن واستمراره آنذاك بالانخراط بالربيع العربي المزعوم ضدّ الدول العربية، ومن ثم يكون التطبيع للوصول الى 2030 ايّ الحقبة الابراهيمية التي تنادي بدمج الحدود والتي تناغمت مع إعلان ابن سلمان بأنه يريد ان تصبح منطقتنا كما الاتحاد الأوروبي عام 2030، ولربما كانت تصوّراته نابعة عن حسن نية ولكن أميركا أفسدتها! وللوصول الى تصوّره كان عليه بالتوازي ان يقوم بالتفرّد بالحكم والانفتاح وتعديل المناهج الدراسية وصولاً للتطبيع والقبول بصفقة القرن، ولكن ذلك التحالف مع أميركا بفرض مساعيهم عن طريق الحروب فشلت والآن يحاولون عن طريق الاندماج الأمني والاقتصادي عبر الإسراع بالاتفاقات مع من كان عدو الأمس وبسرعة مشبوهة. ولكن هل يمكن أن يكون «الأمير الشاب» قد تنبّه للمؤامرة ويريد تصحيح مساره؟! أم أنه دخل تلك الحروب ضدّ جيرانه لتثبيت حكمه والآن يريد الخروج منها لتثبيت ملكه؟ إنْ كان محمد بن سلمان قد فهم الحقبة الابراهيمية وانقلب عليها ولا يريد ان يكون جزءاً منها أو عضواً فيها، وقد علم أنّ حربه على اليمن كانت عبثية وضارّة بالسعودية قبل اليمن، عندها يجب حمايته من قبل الحلفاء الجدد.
لقد كان أول من بدأ باحتواء الحقبة الابراهيمية في دول الخليج هي الإمارات العربية عبر الانفتاح وسياسة تحسين النسل ومنح الجنسيات وتغيير المفاهيم التي كانت البداية ومخطط لها، وأول من قام ببناء البيت الابراهيمي لتغيير فكرة انّ الكعبة والأقصى هما أول البيوت التي بناها سيدنا ابراهيم، لتشتيت الأفكار ليكون هناك عدة أمكنة تسمّى بالبيت الابراهيمي، ومن ثم الانفتاح على الصهاينة بشكل كبير وكأنهم أصدقاء حميمون منذ زمن بعيد، هل ستكون الإمارات التالية بتغيير المنهج ورفض التطبيع.
لقد نجح مخطط الصهيوماسونية بالحركة الصهيونية عام 1896 ولكنه ينحسر الآن بفضل محور المقاومة فعلاً دون رياء، ولكنهم يعتقدون انّ ما هو وهم بالنسبة للحقبة الابراهيمية سينجح كما الحركة الصهيونية.
نحن نحلّل ونعطي الإشارات لأصحاب الرأي والقرار، حيث انّ المخططات تكون كما يتمّ في عملية الرياضيات التي يهيّئ العدو لنا المعطى والنتيجة ولكن المعادلة هي بأيدينا لنغيّر النتائج وفق إرادتنا.
لربما نحتاج بالإضافة الى مراكز الدراسات العلمية والاستراتيجية والعسكرية والأمنية والإعلامية و… أن نقوم بتعزيز مراكز أبحاث الدراسات التاريخية ومتابعتها من الآن وللماضي، لأنّ من لا يعتبر من التاريخ يجب عليه البدء من الصفر بحيث يكون من الركب الأخير من الدنيا. ان ترمي أبعد من الهدف يعني أنك لم تبلغه، وبالتالي هل نحن نعيش حالة من حروب الاحتواء بين الدول.
ان الحقبة الابراهيمية ستبقى وهماً طالما نقارعها ونبطئها حتى إفشالها، والوقت لصالحنا إن شاء الله، فمعظم تاريخ حقبات حكم ممالك «إسرائيل»، وفق كتبهم، انتهت بتآكل وإنهاء نفسها بنفسها بانقساماتها، ونحن نراها أمامنا، والحقبة الابراهيمية ستزول معها قبل ولادتها، فنحن لا نحتاج مع إرادة محور المقاومة سوى الصبر، فالنصر آتٍ لا محالة بإذن الله.
علي عباس حمية