الجنود الإسرائيليون يفرون من الخدمة الإحتياطية!

بعد عودة نتنياهو إلى السلطة بدأت ظاهرة عصيان جنود الاحتياط  في الجيش الإسرائيلي في ظل الصراعات الداخلية وخاصة مع بداية التوترات السياسية بشأن خطة "الإصلاح القضائي" المثيرة للجدل في الأراضي المحتلة.

مايو 20, 2025 - 04:39
 25
الجنود الإسرائيليون يفرون من الخدمة الإحتياطية!
الجنود الإسرائيليون يفرون من الخدمة الإحتياطية!

بعد عودة نتنياهو إلى السلطة بدأت ظاهرة عصيان جنود الاحتياط  في الجيش الإسرائيلي في ظل الصراعات الداخلية وخاصة مع بداية التوترات السياسية بشأن خطة "الإصلاح القضائي" المثيرة للجدل في الأراضي المحتلة.

ولذلك قبل بدء الحرب في عام 2023 وفي خضم الصراعات حول الإصلاحات القضائية أعلن 200 طيار من قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي أنهم لن يحضروا التدريب العسكري الأسبوعي، لأن مشروع قانون الإصلاح القضائي في نظرهم هو بمثابة انقلاب في السلطة القضائية من قبل حكومة نتنياهو. وبعد هذه القضية وصلت موجة من العصيان والإضرابات احتجاجاً على حكومة نتنياهو إلى القوات العسكرية للنظام الصهيوني.(1)

ولكن مع اندلاع حرب غزة اتخذت هذه القضية طابعاً أكثر خطورة لدرجة أن الخبراء والمسؤولين في هذا النظام أشاروا إليها مراراً وتكراراً باعتبارها أزمة خطيرة.

لقد خلفت حرب غزة التي بدأت في السابع من أكتوبر 2023 آثاراً عميقة على الجيش الإسرائيلي وحالة جنوده. وقد صاحب هذا الصراع الطويل ضغوط نفسية واجتماعية واستراتيجية على النظام الصهيوني، وخاصة جيشه وأدى إلى زيادة حالات الهروب وعدم الرضا والمشاكل النفسية والتمرد وانخفاض الروح المعنوية بين القوات العسكرية الصهيونية.

إن النظام الصهيوني الذي لم يحقق أي إنجازات في الحرب الدائرة منذ عامين في غزة، خلافاً لأهدافه المعلنة أصبح الآن أكثر من أي وقت مضى متورطاً في نزاعات داخلية وخاصة داخل بنيته العسكرية. وبحسب المعارضة لحكومة نتنياهو فإن الحرب الحالية لم تحقق أي فائدة للنظام وفشلت في تحقيق أهدافه بل إنها لم تسفر إلا عن هزائم متتالية وعزلة دولية وخسائر اقتصادية ومشاكل اجتماعية. ولكن في هذه الأثناء فإن نتنياهو نفسه وحاشيته هم الذين يسعون من أجل مصالحهم الشخصية وتجنب الانهيار السياسي إلى استمرار الحرب وإدامة هذا الوضع.

ولذلك فإن تجدد واستمرار معركة غزة بعد انتهاك النظام لوقف إطلاق النار يقابل بمعارضة وردود أفعال واسعة من قبل المستوطنين ومعارضي حكومة نتنياهو. وعلى وجه الخصوص كانت هناك احتجاجات ومعارضة جدية ضد العودة إلى الحرب داخل البنية العسكرية والأمنية للنظام، مما أدى إلى أزمة خطيرة بالنسبة للمسؤولين والقادة في النظام الصهيوني.

ومن بين القضايا التي تواجه النظام الصهيوني في هذه الحرب هي فرار قوات الاحتياط من الخدمة العسكرية. الصهاينة غير راغبين في دخول ساحة المعركة في غزة، والتي أصبحت أكثر حدة مع مرور الوقت. يُشار إلى أن الفرار من الخدمة في الجيش الإسرائيلي كان موجوداً منذ بداية حرب غزة. في بداية الحرب أصدر الجيش الإسرائيلي بلاغاً يعلن فيه أنه سيشدد العقوبات على المتهربين من الخدمة العسكرية، في ضوء حرب "السيوف الحديدية". وأشار البيان إلى أنه اعتبارا من الأول من ديسمبر أي بعد نحو شهرين من بدء الحرب في الجنوب سيتم تشديد العقوبات والجزاءات على الجنود الهاربين الذين لا يلتحقون بوحداتهم. (2)

وبالإضافة إلى الفرار فإن البعد الآخر للأزمة الداخلية في الجيش الإسرائيلي هو عصيان قوات الاحتياط ورفضها العودة إلى حرب غزة. إن استمرار الحرب وتحولها إلى حرب استنزاف دون أفق واضح أدى إلى عدم وجود دافع لدى العديد من جنود الاحتياط في الجيش للخدمة والاستدعاء مرة أخرى للحرب، وهم يحاولون تجنب العودة إلى الحرب تحت ذرائع مختلفة. 

وذكرت صحيفة هآرتس العبرية في هذا الشأن: "يحذر الجيش الإسرائيلي من أزمة تلوح في الأفق في قوات الاحتياط، وسط خطط لتصعيد القتال في قطاع غزة والتي تتضمن تعبئة عشرات الآلاف من جنود الاحتياط". بعد قرار إسرائيل خرق اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى والعودة إلى القتال لاحظ الجيش انخفاضاً في حماس جنود الاحتياط. علاوة على ذلك في الأيام الأخيرة اتصل العديد من جنود الاحتياط بقادتهم وأوضحوا لهم أنهم لا ينوون تقديم أنفسهم إذا تم استدعاؤهم لجولة أخرى من الاعتقال. ويعتقد الجيش الإسرائيلي أن نطاق هذه الظاهرة أوسع بكثير مما يدركه عامة الناس ويرجع ذلك جزئيا إلى أن العديد من جنود الاحتياط لا يعلنون علناً عن نيتهم عدم الإبلاغ وينتظرون حتى يتم إخطارهم بقرار تنفيذي. (3)

وأكد ضابط احتياطي أجرت صحيفة هآرتس مقابلة معه أيضا على الاستنزاف الحاصل في القوات والقادة الذين قضوا مئات الأيام في الاحتياط خلال العام الماضي. وبحسب قوله فإن جنود الاحتياط يواجهون صعوبات في الانتشار في المزيد من المواقع والبرامج، ليس لأسباب سياسية فحسب بل وأيضاً بسبب التعب والإرهاق. ويشير إلى أن الاستنزاف يخلق توترات كبيرة داخل الوحدات بل ويتسبب في صراعات لم تكن معروفة في بداية الحرب. وقال "يفضل كثير من الناس شراء تذاكر طيران رخيصة إلى وجهة محددة فقط لكي يقولوا إنهم لا يستطيعون القدوم لأسباب السفر والحجز". وبحسب قوله فإن قيادة الجيش الإسرائيلي لا تفهم العبء الثقيل الذي يتحمله جنود الاحتياط، وإذا تجاهلت هذه القضية بالفعل فإن الناس ببساطة لن يكونوا راغبين في الخدمة في الجيش وأداء واجباتهم. (4)

وفي حالات أخرى تتجلى هذه المسألة على شكل تمرد وعصيان مباشر كما حدث في الأسابيع الأخيرة عندما هددت قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي في مجموعات ومن خلال رسائل عديدة مسؤولي النظام الإسرائيلي بالاستقالة والعصيان للأوامر، وهي المسألة التي قوبلت برد فعل غاضب من رئيس وزراء النظام. في الأيام الأخيرة، زعم بنيامين نتنياهو في تصريح حاد بشأن موجة الاحتجاجات الواسعة داخل جيش النظام ضد استمرار الحرب في قطاع غزة أن الرسائل المنشورة بتوقيعات الضباط والجنود المحتجين لم يكتبوها هم، بل كانت أكاذيب كتبتها مؤسسات ممولة من الخارج. وهدد أيضا: "أي شخص يشجع على عدم أداء الخدمة العسكرية سيتم فصله من الجيش على الفور". وتابع نتنياهو مستخدما لغة قاسية واصفا المتظاهرين بـ"الأعشاب الضارة" وقال: "هؤلاء الناس يحاولون إضعاف إسرائيل وجيشها وبذلك فإنهم يشجعون عدونا على ضربنا".

ولكن الفرار ومخالفة الأوامر لم تكن النتيجة الوحيدة لحرب غزة على الجيش الإسرائيلي. وبالإضافة إلى الخسائر المادية والجسدية، يعاني الجيش الإسرائيلي الآن أيضا من مشاكل نفسية وعاطفية. وفي هذا الصدد ووفقاً لبحث أجرته جامعة تل أبيب، فإن واحداً من كل ثمانية جنود إسرائيليين شاركوا في العمليات العسكرية في غزة غير قادر على العودة إلى الخدمة بسبب الاضطرابات النفسية الناجمة عن اضطراب ما بعد الصدمة. (5)

وتظهر الدراسة أن نحو 12 في المائة من جنود الاحتياط الذين خدموا في غزة عانوا من أعراض شديدة لاضطراب ما بعد الصدمة  PTSD. ولم يؤثر هذا الوضع على قدراتهم العسكرية فحسب، بل أصبح يشكل تحدياً خطيراً لبنية الجيش الإسرائيلي خاصة مع استمرار الحرب وتصاعد التوترات في المنطقة.

لقد أدى ارتفاع معدلات الفرار والسخط والمشاكل النفسية والتمرد في الجيش الإسرائيلي إلى تحول التوازن العسكري لصالح جماعات المقاومة، وخاصة حماس والجهاد الإسلامي. تمكنت جماعات المقاومة من ممارسة ضغط مستمر على الجيش الإسرائيلي باستخدام تكتيكات الحرب غير المتكافئة، مثل الهجمات الصاروخية والعمليات الحربية.

وبشكل عام لا بد من القول إن تزايد حالات الفرار وعدم الرضا والمشاكل النفسية والتمرد في الجيش الإسرائيلي، إلى جانب الضغوط النفسية الناجمة عن الحرب الطويلة الأمد أدت إلى تراجع الروح المعنوية وكفاءة القوات العسكرية. ولم تؤدي هذه العوامل إلى إضعاف التماسك الداخلي للجيش فحسب، بل أدت أيضاً إلى تغيير التوازن العسكري إلى حد ما لصالح جماعات المقاومة، وأبرزت الضعف الاستراتيجي للنظام الصهيوني في حرب غزة المستمرة. وقد خلق هذا الوضع إلى جانب الضغوط الدولية والاقتصادية، تحديات خطيرة للنظام الصهيوني وزاد من تقييد قدرته على تحقيق أهدافه العسكرية والسياسية إلى درجة أن الخبراء والمحللين الناطقين باللغة العبرية يرون في ظل هذه الظروف أن نتيجة الحرب ليست سوى هزائم أكثر ثقلاً.

الياس مهدوي

1-https://www.israelhayom.co.il/news/politics/article/13763544
2-https://www.ynet.co.il/news/article/hjmr2hi4t
3-https://www.haaretz.co.il/news/politics/2025-03-27/ty-article/00000195-d3a7-ddde-a19f-d3af9b420000
4-https://www.haaretz.co.il/news/politics/2025-03-27/ty-article/00000195-d3a7-ddde-a19f-d3af9b420000
5-https://www.haaretz.com/israel-news/2025-05-08/ty-article/.premium/study-one-in-8-israeli-soldiers-who-fought-in-gaza-is-mentally-unfit-to-return-for-duty/00000196-af8c-dbb0-af9f-af9e13c60000
(https://www.ynet.co.il/news/article/yokra14297332#google_vignette )
(https://www.tasnimnews.com/fa/news/1403/08/03/3185393)