أزمة الجريمة والمجتمع في أميركا.. احصاءات خطيرة
رغم أن السلاح الفردي أصبح خطرًا داهمًا على حياة الأمريكيين بشكل عام، كونه يحصد آلاف الضحايا سنويًا، لكنه لم يدفعهم الى التوحد لاستئصال هذه الظاهرة التي باتت تهدد أمن المجتمع الأمريكي. بل المفاجئ، أن الظاهرة تحولت إلى مادة انقسام بينهم، إذ إن هناك هوّة واسعة وتباعدًا كبيرًا حول نظرة المواطنين البيض والسود للأسلحة النارية، والأكثر أهمية، هو أن السود واللاتينيين كانوا الأكثر عرضة لضرر تلك الأسلحة مقارنة بالبيض، كما ستبين استطلاعات الرأي لاحقًا.
وعليه، بالنسبة للعديد من الأمريكيين البيض، تعتبر الأسلحة النارية هواية أو أداة أو رمزًا سياسيًا. بمعنى أدق، إنها أداة شائعة للدفاع عن النفس في المناطق الريفية، وقد تعبّر عن التطرف أو الفردانية (مذهب فلسفي ينطلق من أن الدفاع عن مصالح الفرد مسألة جذرية يجب أن تتحقق فوق اعتبارات الدولة والجماعات فيها) المناهضة للحكومة، والمثير أن هذه الفئة مطمئنة أن عنف السلاح لن يطالها.
بالمقابل، يرى الكثير من الأمريكيين من أصول سوداء واسبانية، أن الأسلحة عدا عن كونها تشكل تهديدًا مميتًا للمجتمع، فإن استخدامها يتسبب بمعاناة لهم مع أسرهم، وبالتالي يؤدي وجودها الى تفاقم واستمرار القلق عندهم.
ماذا تقول استطلاعات الرأي؟
أظهر استطلاع أجرته KFF (مؤسسة الملك فيصل في الولايات المتحدة) أن 42 بالمائة من الأمريكيين السود قد تعرضوا شخصيًا للتهديد بمسدس، أو أنهم رأوا شخصًا مصابًا بطلق ناري من مسدس، أو قُتِل أحد أفراد أسرتهم بمسدس، بما يشمل حوادث الانتحار. كما قال ما يقرب من 60 بالمائة من الأمريكيين السود، إنهم أو أحد أفراد أسرتهم قد مروا بواحد من هذه الأشياء،. في حين بلغ هذا الرقم عند الأمريكيين من أصل إسباني 54 بالمائة، أي أن أكثر من نصفهم قد جربوا شخصيًا الأسلحة بهذه الطرق، أو أن أحد أفراد عائلاتهم تعرض لذلك.
على المقلب الآخر، أفاد أقل من نصف الأمريكيين البيض أن أفراد عائلاتهم قريبون جدًا من العنف باستخدام الأسلحة النارية، وأن حوالي ربع البيض فقط قد تعرضوا شخصيًا لمثل هذه التهديدات أو العنف.
إضافة الى ذلك، وجد البحث أن الأمريكيين السود والأسبان كانوا أكثر قلقًا بشأن عنف السلاح من البيض، إذ عبّر أكثر من 30 بالمائة من السود واللاتينيين، عن قلقهم من أن يكون أحد أفراد أسرتهم ضحية للعنف المسلح يوميًا أو بشكل شبه يومي، مقارنة بـ 10 بالمائة من البيض الذين أوضح أكثر من نصفهم أن العنف باستخدام الأسلحة النارية كان مصدر قلق كبير أو تهديدًا مستمرًا في مجتمعاتهم.
ليس هذا فحسب، صرح ثلث الأمريكيين السود تمامًا أنهم شعروا "بعدم الأمان" من عنف السلاح، أو أنهم غير آمنين على الإطلاق. أما عند البيض، فكان الرقم 1 من كل 10 فقط.
ما هي نسبة جرائم القتل الناجمة عن استخدام الأسلحة بحق الأطفال في أمريكا؟
يشير تحليل بيانات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) بواسطة مركز بيو للأبحاث، الى أن معدل الوفيات بالأسلحة النارية بين الأطفال السود هو خمسة أضعاف الأطفال البيض.
ومع أن معظم حالات الوفاة بالأسلحة النارية في الولايات المتحدة هي حالات انتحار، إلا أن اللافت للانتباه أن غالبية حالات الوفاة بالأسلحة النارية بين الأطفال سببها جرائم قتل. وهنا أيضًا يظهر الانقسام العرقي بوضوح كبير. وفي هذا السياق كتب جون جرامليش من مركز "بيو": "في عام 2021 ، تعود الغالبية العظمى من الوفيات (84 بالمائة) الناجمة عن استخدام الأسلحة النارية التي تعرض لها أطفال ومراهقون سود، الى جرائم قتل، في حين أن النسبة الناتجة من حالات الانتحار، بلغت 9 بالمائة فقط. على النقيض من ذلك، كانت غالبية الوفيات (66 بالمائة) التي وقعت نتيجة استخدام الأسلحة النارية بين الأطفال والمراهقين البيض، سببها حالات انتحار، فيما لم تتخطَّ النسبة الناجمة عن جرائم القتل (24 بالمائة).
ما تجدر معرفته هنا أنه لعدة سنوات، كانت البنادق هي السبب الرئيسي لوفيات الأطفال، إذ ان معظم الوفيات التي حدثت في عام 2021 - وهو العام الذي قدّر فيه مركز "بيو" أن نسبة ضحايا الأسلحة النارية بين الأطفال قد قفزت 50 بالمائة مقارنة بالعامين السابقين - كانت بين أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عامًا. وهي نسبة غير متناسبة من المراهقين السود.
ماذا عن الأسباب السياسية؟
صحيح أن البيانات المأخوذة من المسح الاجتماعي العام توضح أن الجمهوريين في المناطق الريفية، هم أكثر اقتنائا للأسلحة من الديمقراطيين الريفيين - الذين يمتلكون أسلحة بمعدلات تعادل الجمهوريين في المناطق الحضرية - غير أنه غالبًا ما يستخدم عنف السلاح في المدن، حيث يؤثر بشكل خاص على السود، كعقاب ضد الديمقراطيين.
في المحصلة، في البلدان الاخرى، يبلغ معدل وفيات الأسلحة النارية كل عام 0.3 لكل 100 ألف طفل، اما في الولايات المتحدة، فقد ارتفع الى أكثر من 18 مرة، وهذا مرده الى القوانين الفيدرالية التي تشرع الأسلحة النارية بما يتناسب ويتناغم مع مصالح شركات ولوبي السلاح، بغض النظر عن أرواح الأمريكيين الذين تحولت مدارسهم وحدائقهم وأسواقهم الى حقول رماية، تمامًا كما فعل قادتهم مع العديد من الدول، عندما جعلوا مدنها رمادًا منثورًا بسبب أسلحتهم الفتاكة.
د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي