الوعد الصادق والجغرافيا السياسية الجديدة للمنطقة؟

بعد العملية الدقيقة التي ردت فيها الجمهورية الإسلامية الإيرانية على إسرائيل، تتجه منطقة الشرق الأوسط نحو تغييرات واسعة النطاق. يمكن لهذه التطورات أن يكون لها تأثيرات عميقة مباشرة على الجغرافيا السياسية للمنطقة، في الواقع يبدو أن الشرق الأوسط بدأ يتشكل من جديد بعد 7 أكتوبر.

مايو 16, 2024 - 15:14
الوعد الصادق والجغرافيا السياسية الجديدة للمنطقة؟
الوعد الصادق والجغرافيا السياسية الجديدة للمنطقة؟

بعد العملية الدقيقة التي ردت فيها الجمهورية الإسلامية الإيرانية على إسرائيل، تتجه منطقة الشرق الأوسط نحو تغييرات واسعة النطاق. يمكن لهذه التطورات أن يكون لها تأثيرات عميقة مباشرة على الجغرافيا السياسية للمنطقة، في الواقع يبدو أن الشرق الأوسط بدأ يتشكل من جديد بعد 7 أكتوبر.

فرصة فريدة

وكان الموقف الذي اتخذته إيران بمثابة خطوة كبيرة في إعادة تعريف قوة الردع في المنطقة، وهو الأمر الذي ربما لم يتوقعه إلا قليلون. تمكنت إيران من إعادة التوازن إلى المنطقة ومنع اندلاع حرب واسعة النطاق.

في الواقع، من خلال عرض قوتها العسكرية وقوتها الصاروخية، كشفت إيران عن قدرتها على المنافسة والقتال ضد أعدائها، وهي الآن في وضع يمكنها من الحصول على تنازلات مناسبة وقيمة من الغرب وحتى الصين. ويبدو أن الولايات المتحدة تسعى إلى إقامة نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط، حيث تتناقض تصرفات إسرائيل الأخيرة المتمثلة في تصعيد الهجمات على غزة مع هذا النظام. ومن ناحية أخرى، تسعى إسرائيل إلى زيادة تكاليف خطط السلام المطروحة في المنطقة من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من النقاط[1].

إضافة إلى ذلك، يبدو أن إيران تسعى إلى أن يكون لها حضور أكثر نشاطاً كعنصر توازن في المنطقة وتعريفها كأحد الروابط الرئيسية للأمن الإقليمي. وفي هذا الصدد، تمتلك إيران الأدوات اللازمة والوكلاء الأقوياء تحت تصرفها، وهو الأساس لتكون لها اليد العليا في مجال النفوذ الإقليمي والجيوسياسي. والآن يمكن تقديم إيران كإحدى الدول الضامنة للسلام في المنطقة. وهذا الإجراء يمكن أن يخلق توازنا في أمن المنطقة ويتحرك نحو السلام المستدام في المنطقة. إن وجود إيران إلى جانب المملكة العربية السعودية وإسرائيل سيوفر لإيران فرصة فريدة لرفع مكانتها في العلاقات الدولية وتصبح قوة عابرة للإقليم.

بالإضافة إلى ذلك، سيكون لدى إيران إمكانية الحصول على تنازلات اقتصادية قيمة من بكين. وقد تكون هذه التنازلات مقابل قبول خطة الأمن الإقليمي مهمة للغاية بالنسبة لإيران. ومن خلال العمل الوثيق مع الصين كقوة عظمى، والتي يمكن أن تكون أحد الضامنين للأمن الإقليمي، ستتمكن إيران من إعادة تحديد موقفها تجاه الصين وفي الوقت نفسه تكون الأساس لزيادة الوجود الأمني ​​الصيني في المنطقة.إن السير في هذا الاتجاه الذي يعني وجود قوتين عظميين في منطقة الشرق الأوسط، هو موضوع ستستفيد منه الصين ويمكن أن تستخدمه كورقة لعب قيمة في المفاوضات مع الولايات المتحدة.

كما أنه من خلال خلق التوازن الذي سينتج من تواجد بكين في المنطقة، تستطيع إيران منع تشكيل نظام غربي كلي في المنطقة وأن تكسب نقاط وتنازلات لصالحها من الولايات المتحدة في هذه المعادلة، ومن خلال توفير الضمانات الأمنية والضمانات المتبادلة مع الولايات المتحدة سيحد هذا بشكل كبير من تكاليف هذا البلد في الشرق الأوسط. إلى جانب ذلك فإن وجود إيران في الإطار الرئيسي للنظام الإقليمي يمكن أن يكون بمثابة أداة ضغط وتحكم تجاه إسرائيل. وفي الواقع مع وجود إيران تستطيع الولايات المتحدة التحكم في تصرفات إسرائيل إلى حد ما. ويمكننا في هذا الصدد الرجوع إلى تقرير وكالة الأنباء CNN الذي أظهر وصف القدرات العسكرية الإيرانية في عملية "الوعد الحق". وهذه رسالة واضحة لإسرائيل لكي تدرك أن هناك أداة كبيرة مسيطرة ومكلفة وتتحكم في المنطقة اسمها إيران، وإذا لم تنضم إسرائيل إلى خطة الدفاع الإقليمية التي تدرسها أمريكا، فسوف تضطر إلى دفع تكاليف باهظة. وفي الواقع تكمن أهمية هذا التقرير في أن القناة الإخبارية غطت القضية لأنها تدعم رئيس الولايات المتحدة وهي إلى حد ما منصة إعلامية للحكومة الأمريكية. تم بث هذا التقرير الذي أظهر القدرات الدفاعية والصاروخية الإيرانية، في وقت كانت فيه شركة تصنيع ناكوك الإسرائيلية تتعاون وتنسق مع شركائها، وكان هذا التقرير الإخباري أكثر من مجرد تقرير بسيط، وقد تم إرسال رسالته بشكل جيد إلى تل أبيب.

لكن إسرائيل، التي تعلم أنها ستضطر عاجلاً أم آجلاً إلى الاستسلام لمطالب الولايات المتحدة، تسعى للحصول على أقصى قدر ممكن من التنازلات من تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية إلى التوريد طويل الأمد للمعدات العسكرية، وبالطبع تدمير القوة العسكرية لحركة حماس، فضلاً عن الحد من إثارة قضية الإبادة الجماعية في المحافل القضائية الدولية وهي من بين الأمور الأخرى التي تطالب بها إسرائيل.

لذلك، يبدو أن القوة الجيوسياسية للمنطقة أصبحت أكثر وضوحًا بعد 7 أكتوبر مع عملية الوعد صادق، وأمام إيران الفرصة لتضع نفسها كأحد العوامل الرئيسية للسلام في المنطقة إلى جانب الولايات المتحدة والصين وذلك بامتلاكها اليد العليا في معادلة الردع الإقليمي وتحقيق الاستقرار للصين حتى تتمكن من الاستفادة من منافعها الأمنية والاقتصادية المختلفة وتحديد البنية الجديدة للمنطقة وضمان مصالحها. والواقع أن إيران تمكنت مرة أخرى من تلعب دور اللاعب الرئيسي في مع ادلة السلام الإقليمية، حيث تحتاج إليها كل من الولايات المتحدة والصين.

امین مهدوی


[1] reuters.com