الرد الحتمي لمحور المقاومة على الكيان الإسرائيلي وسياسة التروّي!

تتسارع الأحداث في الآونة الأخيرة في الشرق الأوسط وخاصة بعد عمليات الاغتيال الأخيرة لقادة المقاومة، الأمر الذي زاد من تعقيد المشهد السياسي في المنطقة. هذه الأحداث ليست مجرد مواقف لصراع تاريخي مستمر، بل هي تجسيد حقيقي للصراعات الجيوسياسية وصراع الهيمنة في المنطقة، والتي تحكمها استراتيجيات معقدة تحتمل التشابك والتداخل في أي لحظة، وقد تنفجر الأوضاع لتحدث تغيرات غير متوقعة وليست ضمن حسابات حتى الدول الكبرى نفسها. في هذا السياق أعلن قادة المقاومة في لبنان وإيران وجبهات الإسناد المتنوعة بشكل واضح عن حتمية الرد على الكيان الإسرائيلي على خلفية التمادي في إغتيال قادة المقاومة، ولكن ما يميز محور المقاومة في هذه الأثناء هو استراتيجيته الصبر والانتظار والتروي التي تتوخى الحذر والدقة في تحديد لحظة الانقضاض.

Aug 11, 2024 - 08:10
الرد الحتمي لمحور المقاومة على الكيان الإسرائيلي وسياسة التروّي!
الرد الحتمي لمحور المقاومة على الكيان الإسرائيلي وسياسة التروّي !

   تتسارع الأحداث في الآونة الأخيرة في الشرق الأوسط وخاصة بعد عمليات الاغتيال الأخيرة لقادة المقاومة، الأمر الذي زاد من تعقيد المشهد السياسي في المنطقة. هذه الأحداث ليست مجرد مواقف لصراع تاريخي مستمر، بل هي تجسيد حقيقي للصراعات الجيوسياسية وصراع الهيمنة في المنطقة، والتي تحكمها استراتيجيات معقدة تحتمل التشابك والتداخل في أي لحظة، وقد تنفجر الأوضاع لتحدث تغيرات غير متوقعة وليست ضمن حسابات حتى الدول الكبرى نفسها. في هذا السياق أعلن قادة المقاومة في لبنان وإيران وجبهات الإسناد المتنوعة بشكل واضح عن حتمية الرد على الكيان الإسرائيلي على خلفية التمادي في إغتيال قادة المقاومة، ولكن ما يميز محور المقاومة في هذه الأثناء هو استراتيجيته الصبر والانتظار والتروي التي تتوخى الحذر والدقة في تحديد لحظة الانقضاض.

    مظاهر الرد الحتمي

أولاً، تجسدت ملامح الرد الحتمي في تصريحات قادة المقاومة، الذين أوضحوا ف بيانات مختلفة ومتكررة على لسان قادتها أنه لن يتم السكوت على الاعتداءات، وأن الرد سيكون حتمياً وذو طابع نوعي. هذه التصريحات ليست مجرد شعارات بل تعكس رؤية استراتيجية تتطلع إلى استنزاف العدو في سياق المواجهة. من المتوقع أن يتمثل الرد في ضربات موجعة ضد الأهداف الاستراتيجية والعسكرية الإسرائيلية، والتي يمكن أن تشمل مواقعها العسكرية أو قدراتها التقنية والتكنولوجية.

ثانيا، أظهرت المقاومة استعدادها العسكري من خلال إجراء تدريبات مستمرة ورفع جاهزيتها على مختلف الأصعدة وجهزت المقاومة نفسها بالأسلحة المناسبة والمخططات المدروسة لضمان أن تكون الضربة موجعة في الوقت المناسب. كما يعكس التكثيف اللوجستي والضربات الاستباقية لإرباك العدو استعداداً لمرحلة الرد القادمة.

    سياسة التروّي

تعتبر سياسة التروي والانتظار من المفاهيم الأساسية التي يعتمدها محور المقاومة لتحقيق أكبر فائدة من الضربة القادمة. كما إن الانتظار لا يعني الخمول أو الاعتكاف عن الرد بل هو استراتيجية مدروسة تهدف إلى اختيار الوقت والمكان الأمثلين لتحقيق أهداف الردع المطلوبة والتي ستلقن العدو درساً قاسياً كما أعلن السيد حسن نصرالله في خطابه : " أولاً في جبهات المقاومة الثلاث، التصميم والقرار والعزم موجود، ثانياً أؤكد لكم أيضاً أن القدرة أيضاً موجودة، ثالثاً وكما ذكرت لكم خلال التشييع أنه يجب التصرف برويّة وبأنات وبتأني وأيضاً بشجاعة وليس بانفعال، وأؤكد مرة أخرة أن ردنا آتٍ انشاءلله، وحدنا أو مع المحور وربما نرد معاً أو كل طرف يرد حسب حساباته و ظروفه التي يراها مناسبة للرد."[1]

أاحد أبرز أبعاد سياسة التروّي بالرد هو التقدير الجيد للأوضاع الإقليمية والدولية وحساب أبعاد ونتائج الرد بالدرجة الثانية. كما يتطلب توجيه الضربة ليس فقط القدرة على التنفيذ بل أيضًا تحليل الوضع الجيوسياسي على الأرض وفهم ردود الفعل المحتملة من الأطراف الأخرى، فعلى سبيل المثال لابد أن يتم أخذ التحركات الأمريكية والتغيير في موازين القوى في المنطقة أو دخول لاعب جديد بعين الاعتبار. بالإضافة إلى ذلك تعتمد سياسة الانتظار على استنزاف العدو وإبقاءه في حالة من التوتر المستمر وعدم تعريف العدو بموعد الضربة يخلق حالة من عدم اليقين ويهدد استقراره الداخلي. وكلما زاد الضغط النفسي والسياسي على إسرائيل زاد احتمال اتخاذ قرارات خاطئة مما يفتح المجال لتوجيه ضربات أكثر فعالية.

تاريخ الصراع و رد المقاومة!

يظهر تاريخ الصراع بين حزب الله وإسرائيل أمثلةً واضحًة على حتمية الرد في مواجهة الاعتداءات. فمنذ نشأة الحزب في أوائل الثمانينات واحتلال جنوب لبنان كان رد الفعل على الهجمات الإسرائيلية جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية المقاومة. وأحد أبرز الأمثلة على ذلك هو الحرب اللبنانية عام 1982، حيث واجه حزب الله الغزو الإسرائيلي بعمليات مقاومة قوية ومستمرة، كما إن مقاومة العدو لم تضعف الحزب بل زادت من شعبيته وقوته.

في عام 2006 تأججت حدة الصراع مجددًا خلال حرب تموز بعد عملية أسر جنديين إسرائيليين وشنت إسرائيل هجمات موسعة على لبنان حيث كان رد حزب الله مميزًا وضارباً و استخدم أسلحة متطورة وصواريخ بعيدة المدى مما أدى إلى تدمير عدد كبير من الأهداف الإسرائيلية وأظهرت هذه الحرب أن حزب الله لا يقف مكتوف الأيدي أمام الاعتداءات المباشرة بل يسعى للرد بشكل متوازن.

ومؤخراً بعد عملية طوفان الأقصى التي برز حزب الله فيها كطرف أساسي في الرد على ممارسات العدو الإسرائيلي، أخذ حزب الله على عاتقه تفعيل جبهة الشمال الإسرائيلي كأحد خيارات المقاومة في فتح أكثر من جبهة على حدود إسرائيل، كما فعّلَ اليمن دوره المقاوم في حظر التجارة الدولية لصالح الكيان الصهيوني باستهدافه جميع البواخر والسفن المحملة بالبضائع والمتجهة نحو تل أبيب رداً على جرائم الحرب التي ارتكبها بحق الشعب الأعزل في غزة ودعماً لفصائل المقاومة في فلسطين.  

باختصار تاريخ حزب الله مع إسرائيل يظهر بوضوح حتمية الرد والتي تتأصل في عقيدته الاستراتيجية. هذه السلوكيات تؤكد أن أي اعتداء ضد الحزب لن يمر دون عقاب مما يجعل الصراع بينهما مستمرًا ومعقدًا. ويمكننا أن نستشف من التجارب السابقة أن كافة المحاولات الإسرائيلية لتوجيه ضربات وقائية وقعت في فخ مفاجآت المقاومة، فعلى سبيل المثال في حرب 2006 عندما اختارت المقاومة أن تكون في حالة استعداد تام جاءت الحرب لتؤكد قدرتها على إدارة الصراع بشكل فعال وهذه الانتصارات التاريخية تعزز من اعتقاد القادة في أن الرد سيكون مدروسًا ومفاجئًا.

    خلاصة القول

في خضم هذا المشهد المعقد والمتشابك من التحولات السياسية والعمليات العسكرية يتضح جليًا أن محور المقاومة لا يسعى فقط إلى الرد على الاعتداءات الإسرائيلية بل يرسم استراتيجية متكاملة ترتكز على الصبر والدراسة. إن مظاهر الرد الحتمي التي تتجلى في الاستعداد العسكري والتهديدات المتواصلة تعكس استعدادًا لا يتعلق فقط بالجانب العسكري بل يشمل أيضًا الجانب النفسي والسياسي. إن استراتيجية التروّي التي يعتمدها محور المقاومة تعكس بصيرة وحنكة وتجعل من أي قرار بالرد على الاعتداءات بمثابة عملية محسوبة تأتي في الزمان والمكان الأنسب وبالتالي فإن الزمان الفعلي للرد سيظل مفاجئًا لكنه سيكون كذلك مدروسًا بدقة ليتماشى مع الأوقات التي تضمن أكبر أثر على الكيان الإسرائيلي.

د. حسام السلامة


[1] https://www.youtube.com/watch?v=Yj69GsNVlkg