التصعيد في شمال سوريا.. أبعاد التوقيت ودوافع خفية

شهدت الأيام الأخيرة تصعيداً عسكرياً واسعاً في شمال سوريا، وتحديداً في ريفي حلب وإدلب، حيث اشتبك الجيش السوري مع مجموعات إرهابية مدعومة من أطراف إقليمية. هذا التصعيد أثار العديد من التساؤلات حول توقيته وأبعاده، لا سيما أنه جاء مباشرة بعد وقف إطلاق النار في لبنان، الذي أنهى مواجهة قوية بين الكيان الصهيوني وحزب الله.

ديسامبر 1, 2024 - 17:42
التصعيد في شمال سوريا.. أبعاد التوقيت ودوافع خفية
لا يمكن فصل التصعيد في شمال سوريا عن الدور التركي، الذي يظهر بوضوح في دعم وتمويل الجماعات المسلحة

شهدت الأيام الأخيرة تصعيداً عسكرياً واسعاً في شمال سوريا، وتحديداً في ريفي حلب وإدلب، حيث اشتبك الجيش السوري مع مجموعات إرهابية مدعومة من أطراف إقليمية. 
هذا التصعيد أثار العديد من التساؤلات حول توقيته وأبعاده، لا سيما أنه جاء مباشرة بعد وقف إطلاق النار في لبنان، الذي أنهى مواجهة قوية بين الكيان الصهيوني وحزب الله. 
تشير التطورات الميدانية إلى وجود خيوط تربط بين التصعيد شمال سوريا ومصالح قوى إقليمية ودولية، تسعى إلى إعادة رسم التوازنات في المنطقة.
ولا تزال الاشتباكات مستمرة بين الإرهابيين وقوات الجيش السوري، فيما تقوم جماعة "تحرير الشام" التكفيرية بإرسال المزيد من القوات والمعدات إلى خطوط المواجهة مع الجيش السوري في غرب حلب.
وتمكّن الجيش السوري من إلحاق خسائر فادحة بالتنظيمات الإرهابية التي شنت هجومًا في ريفي حلب وإدلب، حيث أوقع مئات القتلى والجرحى في صفوف المسلحين. وأكدت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية استمرار قواتها في التصدي للهجوم الكبير الذي تقوده مجموعات إرهابية تتبع ما يُعرف بـ"جبهة النصرة"، والتي اعتمدت في عملياتها على أسلحة ثقيلة ومتوسطة وطائرات مسيرة، إضافة إلى مشاركة أعداد كبيرة من المسلحين الأجانب.
وأوضحت القيادة أن القوات المسلحة السورية نجحت في تدمير عشرات الآليات والعربات المدرعة التابعة للتنظيمات الإرهابية، كما أسقطت ودمرت 17 طائرة مسيرة خلال المواجهات.
وأضافت القيادة أن قوات الجيش تعمل على تعزيز مواقعها في كافة محاور الاشتباك بالعتاد والأفراد لمنع أي خروقات جديدة وصد الهجمات الإرهابية، مشيرة إلى استعادة السيطرة على بعض النقاط التي شهدت خروقات خلال الساعات الأخيرة، مع التأكيد على مواصلة العمليات القتالية حتى دحر الإرهابيين وإجبارهم على التراجع.
وفي سياق متصل، حذرت القيادة العامة للجيش من المعلومات المضللة التي تبثها المنصات الإعلامية التابعة للتنظيمات الإرهابية، والتي تهدف إلى بث الذعر بين المواطنين، داعية إلى الاعتماد على الأخبار الصادرة عن الإعلام الوطني الرسمي فقط.
وفي تطور متصل، أفادت القناة السورية بضبط مجموعات إرهابية قامت بتصوير مشاهد في عدد من أحياء حلب بهدف الترويج لمزاعم كاذبة عن سيطرة الإرهابيين على تلك المناطق.
من جهة أخرى، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن القضاء على أكثر من 200 إرهابي خلال الساعات الماضية في إطار العمليات المشتركة مع الجيش السوري. وصرّح النقيب أول أوليغ إغناسيوك، نائب رئيس مركز التنسيق الروسي في قاعدة حميميم، بأن الغارات الجوية الروسية استهدفت مواقع الإرهابيين، بما في ذلك مراكز القيادة والمستودعات ومواقع المدفعية، بالإضافة إلى القوى البشرية والمعدات التابعة لهم.
وأكد إغناسيوك أن العمليات العسكرية ضد الجماعات المسلحة غير الشرعية ما زالت مستمرة. 
وأعلنت الجماعات المسلحة في شمال غربي سوريا عن إطلاق عملية عسكرية جديدة ضد مواقع الجيش السوري في ريف حلب الغربي، تحت عنوان "ردع العدوان". بدأت هذه العملية فجر الأربعاء على محاور رئيسية في ريف حلب الغربي، شملت مناطق عينجارة وقبتان الجبل وامتدت نحو أورم الكبرى. 
هذا التصعيد يمثل خرقًا واضحًا لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في عام 2020، حيث تخضع هذه المنطقة لاتفاقية "خفض التصعيد" التي أُبرمت في أستانا، وتشمل مناطق في إدلب وريف حلب وأجزاء من حماة واللاذقية.
وتسعى الجماعات المسلحة من خلال هذه العملية إلى استغلال التطورات الإقليمية الأخيرة، خصوصا تلك المرتبطة بمعركة "طوفان الأقصى"، لتحقيق مكاسب جغرافية جديدة وتعزيز مواقعها العسكرية. يأتي ذلك في ظل مخاوف هذه الجماعات من تداعيات سياسية قد تنجم عن خطوات محتملة لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، ما قد يؤدي إلى تغييرات في موازين القوى على الأرض.
ووفقًا لمصادر سورية معارضة، تشارك في هذه العملية العسكرية عدة تنظيمات مسلحة، من بينها "هيئة تحرير الشام"، و"أحرار الشام"، وعدد من الفصائل التابعة للجبهة الوطنية للتحرير، مثل "حركة نور الدين الزنكي"، و"الجبهة الشامية"، و"جيش العزة"، إلى جانب تشكيلات عسكرية أخرى مثل "القوة المشتركة" و"حركة التحرير والبناء". 
كسر سنوات الهدوء وإعادة إشعال الجبهة
وكسرت الأحداث في ريفي حلب الغربي وإدلب حالة الهدوء النسبي التي استمرت أكثر من أربع سنوات. هذه التطورات تعيد تسليط الضوء على التبعية الإقليمية والمرجعيات الفكرية لهذه الجماعات، التي تعتمد على عقيدة تكفيرية متطرفة. طموحات هذه الجماعات تتجه نحو إقامة كيان مسلح يخدم أهدافًا خارجية، أبرزها الضغط على سوريا باعتبارها جزءًا من محور المقاومة. 
اللافت في هذا التصعيد هو اللغة المستخدمة في بيانات الجماعات المسلحة، حيث اعتمدت مصطلحات توحي بخطاب دول وليس مجرد تنظيمات. مصطلح "عملية عسكرية ردعية" الذي ورد في بيانهم يشبه المصطلحات المستخدمة من قبل الكيان الصهيوني، مما يشير إلى أبعاد سياسية واستراتيجية أوسع لهذا التحرك. هذا التداخل في اللغة والمفاهيم يعكس مدى التشابك بين هذه الجماعات وداعميها الإقليميين، خصوصًا في ظل ما يبدو أنه تنسيق بين تركيا وأطراف دولية أخرى لتحقيق أهداف مشتركة في المنطقة.
التوقيت اللافت للتصعيد في سوريا يثير الشكوك حول دوافعه، خاصة أنه أعقب مباشرة انتهاء المواجهة في لبنان، التي أظهرت ضعف إسرائيل في مواجهة المقاومة. يبدو أن إسرائيل تحاول، عبر أدوات غير مباشرة، مثل الجماعات المسلحة في سوريا، نقل المعركة إلى الساحة السورية، في محاولة لعرقلة تعزيز محور المقاومة. تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي أطلقها بالتزامن مع بدء التصعيد، وتركزت على سوريا والرئيس بشار الأسد، تؤكد وجود ارتباط بين الأحداث الميدانية وأهداف إسرائيل الاستراتيجية.
لا يمكن فصل التصعيد في شمال سوريا عن الدور التركي، الذي يظهر بوضوح في دعم وتمويل الجماعات المسلحة. تسعى أنقرة إلى تثبيت وجودها العسكري في مناطق الشمال السوري تحت غطاء "خفض التصعيد"، مستغلة الوضع الأمني الهش لتحقيق مكاسب استراتيجية طويلة الأمد. 
العمليات العسكرية التي تقودها الجماعات الإرهابية تشير إلى تنسيق عالي المستوى مع تركيا، التي تقدم دعماً لوجستياً واستخباراتياً لهذه التنظيمات، ما يؤكد أن تحركاتها لا تأتي بمعزل عن أجندة سياسية تهدف إلى فرض أمر واقع جديد. تركيا، التي تحتفظ بقوات في الأراضي السورية، تعمل على استغلال الظروف الإقليمية لصالحها، لكنها تواجه تحديات متزايدة مع تنامي التنسيق السوري الروسي لمواجهة هذه التهديدات.
على الجانب الآخر، يُظهر الجيش السوري بالتعاون مع القوات الروسية قدرة على التصدي لهذا التصعيد المتزايد. العمليات الجوية الروسية، التي استهدفت مراكز قيادة ومستودعات أسلحة للجماعات المسلحة، تمثل رسالة واضحة بأن موسكو لن تسمح بتغيير التوازنات لصالح الأطراف الداعمة للإرهاب. 
الجيش السوري، الذي تكبد خسائر أولية نتيجة للهجمات، تمكن من استعادة السيطرة على المواقع المهددة، مما يعكس استعداده العالي وقدرته على احتواء الأزمات الميدانية. هذه التطورات تسلط الضوء على استمرار الدور الروسي كضامن للاستقرار في سوريا، في مواجهة المخاطر الإقليمية.
إن استقرار سوريا يشكل حجر الزاوية في استراتيجية محور المقاومة، الذي يعتمد على دمشق كخط إمداد لوجستي رئيسي. تدرك إسرائيل أن تعزيز قدرات حزب الله مرتبط بشكل مباشر باستقرار الوضع السوري. 
التوتر في شمال سوريا ليس مجرد معركة عسكرية، بل هو جزء من صراع أكبر بين قوى إقليمية تسعى إلى تحجيم دور محور المقاومة، ومنع تعزيز قدراته الهجومية والدفاعية في مواجهة التهديدات الإسرائيلية.
الكيان الصهيوني من جهته يستخدم هذا التصعيد كأداة ضغط لتقويض قدرات المقاومة، لكنه يخاطر بإطالة أمد الصراع، مما قد يؤدي إلى استنزاف حلفائه الإقليميين. أما روسيا، فتحاول استخدام الأزمة كوسيلة لتعزيز نفوذها في المنطقة، عبر تقوية علاقتها مع دمشق وإحباط التحركات التركية والإسرائيلية.
وفي الختام يمكن القول إن تصعيد الجبهة في سوريا بعد بدء وقف إطلاق النار في لبنان، وما قد يتبعه من احتمال استعادة حزب الله قدراته اللوجستية والتسليحية عبر الأراضي السورية، يرتبط بالكيان الصهيوني. فتل أبيب تدرك أن استقرار الأوضاع في سوريا سيؤدي إلى تعزيز القدرات الدفاعية والهجومية لحزب الله.

مجد عيسى

المصادر:
1-https://2cm.es/MQkO
2-https://2cm.es/PemM
3-https://2cm.es/PemQ
4-https://2cm.es/MQkV