استراتيجية فرنسا في لبنان بعد تولي جوزيف عون الرئاسة
يُعتبر نفوذ فرنسا في منطقة غرب آسيا وخاصة لبنان نفوذًا تاريخيًا وحيويًا وحتى أساسياً . يعيش حوالي 23 ألف مواطن فرنسي في لبنان، ويقيم أكثر من 300 ألف لبناني في فرنسا. تأسست الروابط التاريخية والثقافية القوية بين البلدين في أوائل عام 1860 ميلادي عندما أرسل نابليون الثالث 6000 جندي لإنقاذ المسيحيين الموارنة من حكم العثمانيين إلى هذه المنطقة.

يُعتبر نفوذ فرنسا في منطقة غرب آسيا وخاصة لبنان نفوذًا تاريخيًا وحيويًا وحتى أساسياً . يعيش حوالي 23 ألف مواطن فرنسي في لبنان، ويقيم أكثر من 300 ألف لبناني في فرنسا. تأسست الروابط التاريخية والثقافية القوية بين البلدين في أوائل عام 1860 ميلادي عندما أرسل نابليون الثالث 6000 جندي لإنقاذ المسيحيين الموارنة من حكم العثمانيين إلى هذه المنطقة. ووفقًا لمعاهدة سايكس-بيكو عام 1916 ميلادي التي شكلت الشرق الأوسط خضعت أراضي لبنان وسورية التي كانت في ذلك الوقت جزءًا من الإمبراطورية العثمانية للوصاية الفرنسية. وتم تأسيس دولة لبنان في عام 1920 ميلادي وظلت تحت الحماية الفرنسية حتى عام 1943.
كان لتعاون البلدين في تلك الفترة تأثير كبير على الثقافة والاقتصاد والسياسة في لبنان. كانت هذه العلاقات قوية بشكل خاص خلال فترة رئاسة جاك شيراك صديق رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان في ذلك الوقت، وخلال العقود الأخيرة، شهد البلدان علاقات ثابتة إلا أن انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020 أدى إلى بداية انخفاض النفوذ الفرنسي في لبنان، ووصل هذا الانخفاض إلى ذروته في السنوات الأخيرة. تشير التقارير إلى أن المجتمع اللبناني بعد الأزمة الاقتصادية في عام 2019 وانفجار مرفأ بيروت توصل إلى نتيجة مفادها أن فرنسا لم تجد وسيلة لدعم هذا البلد مما أدى إلى شعورهم بالإحباط، وأحد رموز هذه الإحباط هو الانخفاض الملحوظ في استخدام اللغة الفرنسية في لبنان.(1)
إن بداية الحرب الأخيرة في غزة وتوسع نطاق النزاع إلى لبنان أدى إلى عجز فرنسا عن الحفاظ على نفوذها في لبنان بشكل أكبر، حيث لم يتم اتخاذ مواقف واضحة تدفع اللبنانيين للاعتقاد بأن فرنسا تدعم السلام والاستقرار في هذه المنطقة. كانت سياسة هذا البلد تجاه المنطقة تشبه إلى حد كبير مسابقة سحب الحبل حيث يوجد على جانب من هذه المسابقة أفراد يقدمون أنفسهم كداعمون صارمون لإسرائيل وينتمون إلى مجموعة المحافظين الفرنسيين، وعلى الجانب الآخر أولئك الذين يشعرون بقلق أكبر تجاه القضية الفلسطينية. وقد وجد رئيس فرنسا نفسه بين هذين الجانبين، حيث أخذت المواقف المتناقضة لماكرون أبعادًا جديدة بعد بدء هجمات إسرائيل الجديدة في لبنان باعتبارها مستعمرة سابقة لفرنسا. من هذا المنظور، تمثل الهجمات الإسرائيلية على لبنان نوعًا من الفشل لماكرون الذي كان يحاول تقليل التوترات في غرب آسيا.(2)
لقد وصلت قضية فشل فرنسا في الحفاظ على نفوذها في لبنان إلى درجة أنها لم تتمكن من وضع أحد أبرز رموزها في منصب رئاسة الجمهورية في هذا البلد. ومع ذلك كانت أهمية لبنان بالنسبة فرنسا كبيرة لدرجة أن ماكرون قرر السفر شخصيًا إلى بيروت لكي يبقى له دور في التطورات اللبنانية الجديدة. خاصة وأن هذه الزيارة تُعتبر الأولى لرئيس فرنسا منذ عام 2020، ومنذ انفجار مرفأ بيروت وبداية الأزمة في لبنان. وفي هذا السياق أكّد مكتب الرئاسة الفرنسية قبل سفر ماكرون في بيان له أن هدف الزيارة هو "الالتزام الثابت لفرنسا بدعم لبنان وحمايته ووحدته".
وبناءً على بيان مكتب الرئاسة الفرنسية فإن هذه الزيارة ستكون أيضًا فرصة للعمل على تنفيذ وقف إطلاق النار بشكل كامل والتأكيد على إلتزام باريس بهذا الأمر في إطار قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان (اليونيفيل) وآلية الرقابة على تنفيذ الاتفاق.(3)
جان نوئل باردو وزير الخارجية الفرنسي الذي رافق ماكرون إلى بيروت كان قد زعم سابقًا في البرلمان الفرنسي أن "خلال الأشهر الثلاثة الماضية ساعدنا لبنان على الانتقال من تصاعد التوترات نحو التعافي وفتح صفحة جديدة من الأمل".(4)
ورغم ما تم نشره من بيانات وتصريحات وزير الخارجية الفرنسي يبدو من الظاهر أن ماكرون يسعى خلال زيارته إلى لبنان لتحقيق هدف إقامة السلام واستقرار البلاد. لكن عند التفكير في تصريحات الرئيس الفرنسي خلال لقائه مع عون يتضح أن استراتيجية فرنسا لا تزال تشمل التدخل في الشؤون الداخلية للبنان والحفاظ على مصالح الكيان الصهيوني. في الواقع يسعى ماكرون إلى إقصاء حزب الله من المعادلات اللبنانية حتى لا يصبح الكيان الصهيوني في معرض الخطر على الجبهة الشمالية.
وفي هذا الإطار خاطب إيمانويل ماكرون رئيس لبنان الجديد قائلًا: "سنقوم بدعم هدفكم في الحفاظ على السيادة وحماية لبنان من التدخلات والانتهاكات". وأكد أيضًا على ضرورة تعزيز دور قوات حفظ السلام "اليونيفيل" في جنوب لبنان، معلنًا أن الجيش الإسرائيلي يجب أن ينسحب من جنوب لبنان وأن تُحصر الأسلحة بيد الجيش اللبناني فقط.(5)
1. https://parsi.euronews.com/2024/10/05
2. https://www.mashreghnews.ir/news/1654872
3. https://www.rfi.fr/fa/20250115
4. https://defapress.ir/fa/news/720160/
5. https://www.mashreghnews.ir/news/1680849