اختلافات داخل الكيان الإسرائيلي بعد اتفاق وقف اطلاق النار

بعد 15 شهرًا من النزاع والإقتتال المتواصل في غزة اضطرت حكومة إسرائيل أخيرًا إلى التراجع والموافقة على إعلان وقف إطلاق النار دون تحقيق أي من الأهداف الأولية المحددة والمعلنة لها.

ينايِر 23, 2025 - 00:12
اختلافات داخل الكيان الإسرائيلي بعد اتفاق وقف اطلاق النار
اختلافات داخل الكيان الإسرائيلي بعد اتفاق وقف اطلاق النار

بعد 15 شهرًا من النزاع والإقتتال المتواصل في غزة اضطرت حكومة إسرائيل أخيرًا إلى التراجع والموافقة على إعلان وقف إطلاق النار دون تحقيق أي من الأهداف الأولية المحددة والمعلنة لها. وقد واجه هذا الاتفاق لوقف إطلاق النار مقاومة شديدة من شركاء الائتلاف اليميني المتطرف بقيادة نتنياهو الذي يعتمد عليه رئيس وزراء إسرائيل للبقاء في السلطة. 

إن العواقب السياسية لهذا القرار داخل نظام إسرائيل معقدة للغاية وغير قابلة للتنبؤ. أدى الخروج الأحادي لبن غفير وزير الأمن الوطني الإسرائيلي من الحكومة واستقالة وزيرين آخرين من حزبه "قوة يهود"، بعد هذه الهدنة إلى زلزال كبير في البنية السياسية الإسرائيلية. 

وانتُقد هذا الوزير المتطرف الذي يشتهر بمواقفه المتشددة تجاه سكان غزة وبممارسة الضغط على الفلسطينيين باعتباره أحد المعارضين الرئيسيين لوقف إطلاق النار. وكان بن غفير قد عارض بشدة جميع المقترحات المتعلقة بوقف إطلاق النار سابقًا، حيث يعتقد أن أي نوع من الهدنة أو الاتفاق المؤقت مع حماس لن يؤدي إلا إلى تعزيز هذه الجماعة وإعادة بناء قدرتها العسكرية. وهو يعتقد أن الأمن الإسرائيلي لن يتحقق إلا من خلال تدمير حماس بالكامل وإنهاء تهديداتها. 

في الظروف الراهنة يواجه بنيامين نتنياهو والائتلاف الحاكم في إسرائيل تحديات داخلية شديدة. لا يزال الائتلاف الذي يمتلك 62 مقعدًا من أصل 120 في الكنيست (برلمان إسرائيل)، يحتفظ بالأغلبية حتى بدون حزب "قوة يهود"، لكن المشكلة الرئيسية لنتنياهو تكمن في مكان آخر: حزب "الصهيونية الدينية" بقيادة بتسلئيل سموتريتش الذي يمتلك 7 مقاعد. في حال قرر سموتريتش الخروج من الائتلاف ستصبح حالة الحكومة غير مستقرة بشكل شديد ولن يتمكن نتنياهو من الحفاظ على حكومته دون أغلبية. 

على عكس بن غفير أعلن سموتريتش أنه لا يعتزم الخروج من الائتلاف لكن الواقع هو أن الاستطلاعات تظهر أنه قد يواجه انخفاضًا في شعبيته في الانتخابات المقبلة. إحدى الأسباب وراء ذلك هو دعم حزب "الصهيونية الدينية" لمسودة قانون إعفاء الحريديم (اليهود الأرثوذكس) من الخدمة العسكرية مما أدى إلى حالة من الاستياء في مختلف مناطق الأراضي المحتلة. قد يؤدي هذا القانون إلى تقليل الدعم العام لسموتريتش وبالتالي قد يواجه حزبه هزيمة في الانتخابات المقبلة.

اسموتريتش على الرغم من دعمه للمرحلة الأولى من وقف إطلاق النار يؤمن بشدة أنه بعد الإفراج عن أسرى الفلسطينيين يجب على نظام إسرائيل أن يشن هجومًا جديدًا على غزة ليحقق السيطرة الكاملة على المنطقة. هذه المقاربة التي تسعى إلى تلبية المطالب الأمنية لنظام إسرائيل من منظور جناح متطرف تختلف بشكل كبير عن آراء بعض المجموعات السياسية الأخرى داخل نظام إسرائيل وقد تؤدي إلى تفجر أزمات جديدة.

وفي الوقت نفسه لا يبدو أن أحزاب المعارضة للحكومة الائتلافية التي دعمت وقف إطلاق النار لديها أي رغبة في الانضمام إلى حزب الليكود في حال انهيار ائتلاف نتنياهو ومن المحتمل أن تستعد لإجراء انتخابات مبكرة. 

نتنياهو الذي يتمتع حاليًا بحصانة من الملاحقة القضائية بسبب منصبه السياسي من المحتمل أن يواجه تحديات قضائية جديدة بعد انتهاء الحرب. سيتعين عليه مواجهة التهم المتعلقة بالفساد الإداري والمالي التي وُجهت إليه في الماضي. في هذه الأثناء خرج كل من سموتريتش وبن غفير اللذين قدما دعمًا لنتنياهو ضد الملاحقات القضائية في السابق من الائتلاف أو هددوا بالخروج لأسباب مختلفة.

هذا الموضوع يُظهر بوضوح أن التحديات السياسية والأمنية في إسرائيل ليست محصورة فقط بالقضايا العسكرية والحربية بل إن نظام إسرائيل يواجه أزمات على المستوى الداخلي وصنع السياسات مما قد يشكل تهديدًا لاستقرار حكومة نتنياهو.

في النهاية، يجب أن يُقال إن التطورات الأخيرة في إسرائيل ليست مجرد نتيجة للحرب الطويلة مع حماس، بل تعكس مشاكل سياسية أعمق قد تؤدي في المستقبل إلى أزمات أكبر. في ظل الاستياء والانقسامات الداخلية يبدو أن حكومة إسرائيل تسير على طريق صعب. حتى لو بدت حكومة إسرائيل وكأنها توصلت إلى وقف إطلاق نار فإن تحدياتها الداخلية يمكن أن تعقد العملية السياسية وتؤثر سلبًا على مستقبل الأراضي المحتلة.

محمد صالح قرباني