إندونيسيا الدولة الرائدة في الطاقة النووية في جنوب شرق آسيا

لقد حظيت الطاقة المتجددة والطاقة النووية في السنوات الأخيرة باستقبال واسع في مختلف دول العالم حيث استثمرت العديد من البلدان بشكل كبير في هذا القطاع. في المستقبل وبعد انتهاء مخزون الوقود الأحفوري ستكون فقط الطاقة المتجددة والطاقة النووية هي القادرة على تلبية احتياجات الدول. وتُعد إندونيسيا الواقعة في جنوب شرق آسيا من الدول التي وضعت خططًا مختلفة منذ فترة طويلة للاستفادة من هذا النوع من الطاقة. ومؤخرًا دخلت إندونيسيا رسميًا نادي الدول النووية حيث بدأت تشغيل أول محطة نووية لها (1).

ونظرًا لامتلاك إندونيسيا لمناجم من اليورانيوم والبلوتونيوم فإنها ستتمكن بسهولة من تأمين الوقود لمحطاتها النووية. وقد عملت إندونيسيا على خطط دراسات لإنشاء محطة نووية منذ عشر سنوات. تتنوع أسباب بناء أول محطة نووية في إندونيسيا في هذه المرحلة الزمنية وسنستعرضها في ما يلي:

تعتبر الوضعية غير المستقرة في جنوب شرق آسيا من العوامل المهمة حيث تعاني الدول في هذه المنطقة من توترات دائمة بين الكوريتين الشمالية والجنوبية(2). وقد يكون من أسباب سعي إندونيسيا نحو التسلح النووي هو رغبتها في تعزيز قدراتها العسكرية مما يمكنها في المستقبل من تطوير صناعة عسكرية نووية رغم أن هذا الأمر قد يبدو بعيد المنال في الوقت الراهن. ولا ترغب الصين واليابان بتوسيع الصناعة النووية العسكرية في جنوب شرق آسيا مما يعيق إندونيسيا عن تجسيد رؤية عسكرية لصناعتها النووية، ويضطرها للاستثمار في هذه الصناعة فقط لتلبية احتياجات الطاقة السلمية لها.

توفر الموارد الطبيعية والمعادن سببًا آخر لجذب إندونيسيا لصناعة الطاقة النووية حيث تتمتع البلاد بإمكانية الوصول السهل إلى المواد الأولية اللازمة لتخصيب اليورانيوم. إن وجود مناجم البلوتونيوم واليورانيوم في إندونيسيا يسهل عليها تأمين الوقود لمحطاتها النووية (3) مما يمكّنها من تصميم العديد من المحطات النووية بالشكل الأمثل.

نظرًا لجغرافية إندونيسيا كدولة تشبه الجزيرة تعتبر أمن هذه المحطات من الأمور الهامة، حيث أن إنشاء محطات في مناطق معرضة للزلازل يمكن أن يهدد الأمن في منطقة جنوب شرق آسيا. من هذه الناحية قد تُعبر الدول المجاورة لإندونيسيا عن مخاوفها إزاء إنشاء محطات نووية في هذا البلد وقد تُمارس ضغوطًا عليها لعدم توسيع مشروعها النووي.

 الاستقلال والطاقة النووية: لقد أصبح امتلاك الطاقة النووية ومحطات الطاقة المرتبطة بها، في السنوات الأخيرة أحد معايير استقلال الدول حول العالم وذلك لأن الدول الكبرى لا تُظهر رغبةً بتوسيع التكنولوجيا النووية وصناعة المحطات في الدول الأخرى. و تُعتبر إيران من الأمثلة البارزة على هذه المسألة حيث تسعى إندونيسيا نظرًا لتاريخها الذي يفخر بمبادرة حركة عدم الانحياز (4) إلى أن تكون رائدة في مجال الطاقة النووية في منطقة جنوب شرق آسيا، معززةً بذلك دعوى استقلالها. إن حركة عدم الانحياز التي تُعزى بدايتها إلى رئيس وزراء إندونيسيا الراحل كانت واحدة من أهم الحركات العالمية خلال فترة الحرب الباردة وقد انضمت إيران إليها أيضًا.

بشكل عام يمكن القول إن توجه إندونيسيا نحو الطاقة النووية قد يثير اهتمام جيرانها. يمكن أن تكون هذه الصناعة بداية لنزاعات بين دول جنوب شرق آسيا حيث ستحفز الدول المجاورة لإندونيسيا ببدء المنافسة في هذه الصناعة حساسية الدول الكبرى. وقد تنتقل المنافسة النووية من شبه الجزيرة الكورية إلى منطقة جنوب شرق آسيا أيضًا.

كواحدة من الدول المستقلة في العالم يمكن أن تلعب إندونيسيا دورًا بارزًا كقوة ناشئة في النظام الدولي الجديد، مما يُمكّنها من الوجود بشكل قوي في النظام متعدد الأقطاب المستقبلي. ونظرًا للبنية التحتية الاقتصادية المناسبة في البلاد يمكن للمعسكر الشرقي أن يُحقق فوائد كثيرة من التقارب مع إندونيسيا وعندما تشتد التوترات في شبه الجزيرة الكورية قد تنجح في إحكام نفوذها على منطقة جنوب شرق آسيا من خلال إندونيسيا.

أميرعلي يگانه

1.https://iranpress.com/indonesia-s-nuclear-journey--the-construction-of-its-first-nuclear-power-plant   
2.https://thediplomat.com/2024/07/south-korea-in-the-maelstrom-east-asias-geopolitical-upheaval-brings-danger/ 
3.https://news.mongabay.com/2023/07/nuclear-pioneers-press-ahead-with-plans-for-indonesia-island-frontier/ 
4.https://nam.go.ug/history