قلق فرنسا من تزايد النفوذ الروسي بعد انقلاب النيجر
كان يوم الأربعاء 26 يوليو ، عندما أعلنت فيه وسائل الإعلام عن وقوع انقلاب في دولة النيجر الأفريقية، حيث أطاح جيش البلاد بالحكومة الموجودة والتابعة لفرنسا، وكان رئيس الحرس الرئاسي في النيجر على رأس ذلك الإنقلاب حيث نصب نفسه رئيساً للبلاد. لكن بسبب أهمية موقع النيجر الاستراتيجي في غرب إفريقيا جعل قضية الانقلاب مهمة للقوى الكبرى، وأصبحت النيجر عمليا ساحة صراعٍ لهذه القوى كأكبر دولة في منطقة غرب إفريقيا، يبلغ عدد سكان النيجر حوالي 25 مليون نسمة مع أغلبية مسلمة. وعلى الرغم من وجود العديد من الموارد الطبيعية، وخاصة اليورانيوم والألماس والذهب والفحم، وبسبب السياسات الاستعمارية خاصة من قبل رجال الدولة الفرنسيين، إلا أن هذا البلد يعتبر من أفقر دول القارة والعالم، بحيث يعيش حوالي نصفهم تحت خط الفقر.[1]
لطالما كانت البلدان الضعيفة عبر التاريخ ساحة منافسة للقوى العظمى، وفي هذا السياق تم تسجيل تاريخ مرير ومؤسف للغاية لتدخلات القوى العظمى وخاصة فرنسا، في الذاكرة الجماعية لشعوب القارة السوداء. دولة النيجر في غرب إفريقيا ليست استثناء. كانت هذه الدولة غير الساحلية مستعمرة فرنسية خلال القرن 19 ، وعلى الرغم من إعلان الاستقلال في عام 1958 ، كانت باريس تتدخل دائما في الشؤون الداخلية للبلاد، وقد وقعت النيجر تحت سيطرة الهيمنة الفرنسية بشكل كامل. مع نمو المشاعر المعادية لفرنسا في القارة الأفريقية وطرد البلاد من مالي ، أصبحت النيجر مركزا استراتيجيا جديدا لفرنسا في غرب إفريقيا. من ناحية أخرى يتم إنتاج 70 في المائة من الكهرباء في فرنسا بواسطة محطات توليد الطاقة التي تستخدم اليورانيوم المستورد من النيجر كوقود لها، وتوفر فرنسا 35 في المائة من احتياجاتها من اليورانيوم من النيجر، التي تعد رابع أكبر منتج لهذه المادة الاستراتيجية في العالم. موضوعٌ آخر يجعل النيجر مهما لفرنسا هو نشر قواعد عسكرية بالإضافة إلى تواجد 1500 جندي فرنسي على أراضي النيجر. كما تستضيف النيجر القاعدة الرئيسية لحلف شمال الأطلسي في منطقة الساحل الأفريقي. والآن تم اختراق تلك الهيمنة الفرنسية في البلاد من قبل هذا الانقلاب العسكري الذي أنهى الحكومة التابعة لفرنسا.[2]
الانقلاب الأخير في النيجر هو الانقلاب السابع في غرب إفريقيا في السنوات الثلاث الماضية والخامس منذ استقلال البلاد عن فرنسا عام 1960 ، وهو حدث مهم يعكس سنوات من الإحباط على المستويات العسكرية بسبب هزيمتها أمام المتطرفين. كما كان الضباط غير راضين عن جهود بازوم لإصلاح الجيش. ولا شك في أن تزايد انعدام الأمن ساهم في هشاشة حكومة محمد بازوم. على الرغم من زيادة القوات الأجنبية، وخاصة من الولايات المتحدة وفرنسا، وإنشاء قواعد عسكرية في النيجر ، فشلت حكومة بازوم في قمع الهجمات الإرهابية في البلاد. وتنشط هناك العديد من الجماعات الإرهابية مثل القاعدة والمتمردين المرتبطين بداعش وكذلك بوكو حرام. وقد أسفرت الهجمات التي شنتها هذه الجماعات الإرهابية على مدى العقد الماضي عن مقتل وتشريد آلاف الأشخاص. وقد دفع هذا الوضع المتردي العديد من النيجيريين إلى اليأس من الحكومة المنتخبة في البلاد وحلفائها الغربيين لقمع الجماعات الإرهابية. عامل آخر وراء ذلك الانقلاب في النيجر وهو العدد الكبير من القوات والقواعد العسكرية الأجنبية في البلاد ، مما تسبب في استياء القوات العسكرية في النيجر. ويعتقد الجيش النيجري أن وجود قوات أجنبية في البلد يقوض من قوته ويعرض أمن الشعب للخطر. ومن خلال إدانة الانقلاب في النيجر من قبل فرنسا وأمريكا غدى ذلك إلى نفور المتمردين منهم وتقريبهم من روسيا. و من الممكن أن يحصل القادة الجدد في النيجر على مساعدة من مجموعة فاغنر لمحاربة الجماعات المتمردة وهذا سيزيد من نفوذ روسيا في النيجر ، وهذه القضية ستزعج الغرب وبشكل خاص الولايات المتحدة.[3]
كما كتبت صحيفة وول ستريت جورنال، يعمل حاليا ما لا يقل عن ألف مرتزق روسي في مالي وألف ومائتي مرتزق في ليبيا وألف مرتزق في جمهورية إفريقيا الوسطى. كما قام الكرملين بفتح وتوسيع مشاريعه الاقتصادية والسياسية في بوركينا فاسو والجزائر والسودان وموزمبيق وزيمبابوي وإريتريا. في مثل هذه الحالة إذا ظل الغرب سلبيا في مواقفه مع دول القارة الإفريقية فسيكون الكرملين قادرا بسهولة على أخذ القارة السوداء منه.[4]
بعد إعلان جماعة فاغنر المتشددة أنها دخلت النيجر، وأيضاً طُردَت فرنسا مؤخرا خلال الانقلاب العسكري من قبل الجيش، حذرت مجلة تايم الأمريكية من أنه إذا تأخر الغرب فإن القارة الأفريقية ستسقط في يد الروس. في السنوات الأخيرة أدت القوى الكبرى مثل روسيا والصين، بجهودها الدبلوماسية والاقتصادية في إفريقيا إلى تطورات جديدة في القارة. وقد حلت هذه القوى محل نفوذ المستعمرين القدامى مثل بريطانيا وفرنسا. انخفض نفوذ التأثير الفرنسي في دول غرب إفريقيا الناطقة بالفرنسية بشكل كبير ، و وفقا للمؤشرات كانت فرنسا القوة الأجنبية المهيمنة في تسع دول من أصل 16 دولة في المنطقة حتى عام 1980 لكنها اليوم تمتلك نفوذ في ثلاث دول فقط. في السنوات الأخيرة توافدت الأسلحة الروسية إلى إفريقيا، حيث زودت 40 في المائة من الأسلحة المستوردة للدول الأفريقية منذ عام 2018. وفي الوقت نفسه أصبحت مجموعة فاغنر العسكرية الروسية متورطة بعمق في المصالح الأمنية لدول مثل جمهورية إفريقيا الوسطى والسودان، ولم تقدم المجموعة التدريب العسكري فحسب بل وفرت أيضا الأمن للذهب ومناجم أخرى مقابل حصة من أرباحها. تجارة روسيا الإجمالية مع إفريقيا أكبر بكثير من تجارة الصين، وروسيا لها تأثير كبير على القارة. ولا يقتصر هذا التأثير على الأسلحة فحسب بل يشمل أيضا القطاع الزراعي الهام. حيث تعتمد إفريقيا بشدة على واردات الغذاء، مما يضع روسيا في وضع فريد لا تستطيع الصين أو دول أخرى الوصول إليه.[5]
في نفس الوقت الذي حدث فيه الانقلاب، أخبر الرئيس الروسي القادة الأفارقة في اجتماع في سانت بطرسبرغ في أواخر يوليو أن القارة السوداء أصبحت مركزا جديدا للقوة في المنطقة. وتشير الدلائل إلى أنه إذا قام بوتين بتوجيه القرار الجيوسياسي بشكل صحيح نحو هذه القارة، فإن فرضية زيادة وجود الروس في القارة الأفريقية ستتحقق.
الآن يغير الانقلاب العسكري في النيجر خريطة التأثير الجيوسياسي لأفريقيا، ومن المرجح أن يؤثر تعرض النيجر للنفوذ الروسي على العلاقات بين دول شمال إفريقيا الأخرى مع فرنسا وبقية دول أوروبا، مما يزيد من نفوذ روسيا في القارة السوداء.
[1] afp.com
[2] time.com
[3] khabaronline.ir
[4] wsj.com
[5]time.com