عواقب حرب غزة على الحكومة البريطانية

بعد مرور أكثر من شهر على الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، يبدو أنه مع تطور واستمرار هذه الحرب أصبحت تأثيراتها واضحة على مختلف الدول، بما فيها الدول الأوروبية.

نوفمبر 21, 2023 - 14:16
عواقب حرب غزة على الحكومة البريطانية
عواقب حرب غزة على الحكومة البريطانية

بعد مرور أكثر من شهر على الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، يبدو أنه مع تطور واستمرار هذه الحرب أصبحت تأثيراتها واضحة على مختلف الدول، بما فيها الدول الأوروبية. وفي هذه الظروف يبدو أن بريطانيا هي الدولة الأولى التي ظهرت فيها آثار وعواقب هذه الحرب. وهي مسألة يمكن أن تكون بمثابة إنذار لبقية الدول الأوروبية.

يعود الدعم البريطاني الواسع النطاق والذي لا جدال فيه تقريبًا لإسرائيل إلى ما قبل عام 1948. ويمكن القول أنه منذ وعد بلفور، عملت الحكومة البريطانية دائمًا كداعم مهم لإسرائيل. ومن أجل زيادة مستوى التعاون والدعم لإسرائيل، وقعت الحكومة البريطانية عقدًا طويل الأمد مع الجانب الإسرائيلي. وتعتبر خارطة الطريق هذه، التي يشار إليها بـ"الوثيقة الحية" القابلة للتغيير والتطور، تعزيزا لـ"الشراكة الاستراتيجية" التي تشكلت عند توقيع مذكرة التفاهم بين حكومتي الجانبين في نوفمبر 2021.[1]

وأدت المنفعة الاقتصادية لاستثمار إسرائيل في بريطانيا إلى تعميق العلاقات بين الطرفين، وبالإضافة إلى ذلك تقدم بريطانيا المساعدة العسكرية واللوجستية لإسرائيل. ومن الأمثلة على ذلك وجود حاملة طائرات تابعة للبحرية الملكية في البحر الأبيض المتوسط، والتي يتم نشرها لدعم العمليات العسكرية الإسرائيلية في هذه المنطقة.

ومن ناحية أخرى، ومع تزايد جرائم إسرائيل في غزة، تتزايد الاعتداءات والضغوطات ضدهم، وتزداد كراهية شعوب العالم لهم كل يوم. هذا الضغط والوعي الشعبي، على الرغم من التلاعب الإعلامي الذي يمارسه الإسرائيليون، أدى إلى مشاكل بالنسبة للحكومات الداعمة لهم. والحقيقة أن الدعم الشامل لعمليات القتل والإبادة الجماعية هذه قد يكون مكلفاً للغاية بالنسبة لأوروبا.

ومن نتائج هذه الأوضاع الحالية أنها خلقت ثنائية قطبية في المجتمعات الأوروبية، وخاصة بريطانيا، وهو ما أكدته جيداً مسيرة دعم غزة والشعب الفلسطيني في لندن قبل أيام. كما أن الموقف المثير للجدل لوزيرة الداخلية البريطاني السابقة بشأن الحرب بين إسرائيل وحماس، أحدث زلزالا في حكومة رئيس الوزراء البريطاني المحافظ ريشي سوناك، وأدى في النهاية إلى تغييرات مهمة في حكومة ريشي سوناك. وطلب مكتب رئيس الوزراء البريطاني، وتحت ضغط إعلامي وأحزاب مؤيدة للفلسطينيين، من السيدة برافرمان (وزيرة البلاد السابقة) تخفيف لهجة هذا المقال؛ لكنها لم تقبل. وقد اتُهمت السيدة برافرمان بإثارة التوتر من خلال كتابة هذا المقال. وفي مقال نشر في صحيفة التايمز، اتهمت برافرمان شرطة لندن باتباع نهج "المعايير المزدوجة" واتخاذ موقف أكثر صرامة في التعامل مع المظاهرات اليمينية. وعقب نشر هذا المقال طالب حزب العمال وكذلك الحزب الديمقراطي الليبرالي البريطاني وبعض ممثلي حزب المحافظين بإقالة سويلا برافرمان.

وقالت وزيرة الداخلية في حكومة الظل العمالية، إيفيت كوبر، إن تصرفات برافرمان كانت "غير مسؤولة على الإطلاق" و"أججت التوترات" وجعلت عمل الشرطة "أكثر صعوبة". وقال برافرمان في بيان بعد إقالتها: "سيكون لدي المزيد لأقوله في الوقت المناسب". وقالت إن توليها منصب وزير الداخلية كان "أعظم شرف في حياتها". وتمثل إقالة السيدة برافرمان بداية تعديل وزاري كبير في حكومة رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك. تم الإعلان عن تعيين جيمس كليفرلي وزيراً جديداً للداخلية في المملكة المتحدة. وكان يشغل حتى الأيام القليلة الماضية منصب وزير الخارجية البريطاني[2].

وبالإضافة إلى هذه الحادثة، لا بد من الإشارة أيضاً إلى قضية المهاجرين المهمة في بريطانيا. إن استيعاب مجتمعات المهاجرين في البنية الاجتماعية البريطانية لا يعني فقدان هويتهم وأصالتهم. وفي الواقع، فإن حدوث أحداث مثل عملية طوفان الأقصى يمكن أن يؤدي إلى تفعيل الفجوات العرقية والهوية في المجتمع. ويمثل ذلك تشكل قطبية ثنائية وخلافًا واسع النطاق في المجتمع البريطاني، مما قد يكون له عواقب وخيمة على هذا البلد. خاصة وأن الحكومة البريطانية تجنبت المواقف الحذرة وأعطت إسرائيل حق مشروع في الهجوم، وهو ما يعني تجاهل حقوق الإنسان وحقوق الأطفال وغض الطرف عن جرائم الحرب.

وقد أدى هذا التوجه الحكومي إلى تباعد الناس وإيجاد الطوائف العرقية في بريطانيا، فإما يصمتون عن حرب غزة أو لديهم مواقف مختلفة عن بعضهم إلى حدٍ ما[3]. قد لا تكون هذه القضية مهمة جدًا في البداية، ولكن من خلال التعمق فيها، يمكنك الوصول إلى آثارها طويلة المدى في احتمال تقليل المشاركة المدنية وزيادة العنف وتزايد العنصرية في بريطانيا. إن الحكومة البريطانية، بغض النظر عن البنية الاجتماعية للمجتمع ورغبات شعبها، قد تجد نفسها في مستنقع سيكون الخروج منه صعبا للغاية، وكلما طالت هذه الحرب ولم يتم إصلاح مواقف الحكومة سيزداد الوضع صعوبةً على الدولة.

 امین مهدوی

 

[1] inews.co.uk

[2] irdiplomacy.ir

[3] theguardian.com