محكمة العدل الدولية واختبار الغرب
تسعى دولة جنوب أفريقيا تحدي النظام الدولي الموجود من خلال ممارسة اسلوب ذكي ومعرفة كبيرة ببنية هذا النظام.
تسعى دولة جنوب أفريقيا تحدي النظام الدولي الموجود من خلال ممارسة اسلوب ذكي ومعرفة كبيرة ببنية هذا النظام. ومن خلال تقديم شكوى ضد إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية، حاولت هذه الدولة تحدي إسرائيل ومؤيديها في إطار القانون الذي يعترف به النظام الدولي. ويبدو أن جنوب أفريقيا والدول الداعمة لها قد حققت النصر في الخطوة الأولى، وأكدت المحكمة اختصاصها بالنظر في هذه القضية.
محكمة العدل الدولية
تعتبر محكمة العدل الدولية في لاهاي أهم مؤسسة قضائية دولية معروفة وتعمل كأحد الركائز الأساسية للأمم المتحدة. ولن يكون من الممكن للمحكمة أن تنظر في مطالبات الحكومات إلا إذا اتفقت أطراف النزاع. ولهذا السبب، بعد رفع أي دعوى قضائية، تقوم المحكمة أولاً بدراسة اختصاصها الشكلي بنظر الدعوى، أو بمعنى آخر الحصول على رضا أطراف الدعوى - وتحديداً المدعى عليه - والتحقق أيضاً من اختصاصها الموضوعي من أجل أن يكون موضوع النزاع بموجب المادة 36 ويدخل في نظامها الأساسي.[1]
التصويت الأولي
في شكوى جنوب أفريقيا ضد النظام الإسرائيلي في قضية الإبادة الجماعية في غزة، كانت خطة الشكوى ترجع إلى عضوية الطرفين في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها والمادة 9 منها، التي تنص على الإحالة إلى محكمة لاهاي في حالة وجود نزاع بين أعضاء الاتفاقية. ولهذا السبب، ورغم معارضة النظام الإسرائيلي، أكدت المحكمة في قرارها الأولي الذي أُعلنت عنه الجمعة، أن هناك اختصاصاً "رسمياً"، أي موافقة الأطراف واختصاصاً وجودياً للمحكمة. ويعني استيفاء المادة 3 من الاتفاقية المتعلقة بإمكانية حدوث إبادة جماعية في غزة، حيث تتوافر للمحكمة الشروط اللازمة للتعامل مع هذه القضية.
وبالإضافة إلى هذا الإجراء، يجوز للمحكمة، في ظروف خاصة، وقبل إصدار الحكم النهائي، أن تطلب بعض الإجراءات اللازمة في حكمها المؤقت. وفي هذا الشأن، أصدرت المحكمة حكماً تاريخياً هاماً يقضي بضرورة قيام النظام الإسرائيلي باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الإبادة الجماعية في غزة على الفور وتقديم تقرير عن نتائج أفعاله إلى المحكمة في غضون شهر. وتشمل هذه الإجراءات السماح بدخول المساعدات الإنسانية، وتحسين الوضع الإنساني، ووقف تدمير غزة ويجب على إسرائيل أيضًا أن توقف كل الإجراءات المتخذة التي تمنع الزيادة في عدد ولادات الفلسطينيين[2].
ورغم أن تنفيذ قرارات المحكمة إلزامي، إلا أنه في حالة عدم قبولها وتنفيذها من قبل الطرف الآخر فإنه بذلك سيخضع لإجراءات ومعاملة "مجلس الأمن" كمرجع إلى "ضمان" قرارات المحكمة. حيث، بالطبع يمكن أن يصبح "حق النقض" تحديًا لضمان هذه الأصوات. [3]ولهذا السبب، ستتعرض الولايات المتحدة الآن لضغوط كبيرة بشأن كيفية تصرفها في هذا النظام الذي هي أحد مؤسسيه. فهل تدق الولايات المتحدة المسامير الأخيرة في نعش النظام الدولي، أم أنها مستعدة لتجاهل المواقف الأحادية الداعمة لإسرائيل للحفاظ على هذا النظام؟ إلا أن الولايات المتحدة تعتقد أن حكم المحكمة لا يتعارض مع العمليات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل في غزة، وأن النظام قادر على مواصلة أعمال العنف، لأن حكم المحكمة لم يمنعه من تنفيذ العمليات. لكن يبدو أن هذا القرار الأولي للمحكمة سيزيد الضغوط على إسرائيل ومؤيديها، الأمر الذي قد يكلفهم المزيد. لأنه حالياً ومع تزايد ضغوط الرأي العام العالمي، يسعى القانون الدولي أيضًا إلى العثور على الحقيقة والبت فيها.
الامتحان الكبير
محكمة العدل الدولية في بنية الأمم المتحدة هي رمز "العدالة" وهي مثل "الجمعية العامة" وفي مثل هذه القضايا تحظى بدعم الرأي العام العالمي. ويعد هذا التصويت بغض النظر عن القرار النهائي للمحكمة في قضية اتهام الإبادة الجماعية ضد النظام الإسرائيلي، انتصارًا قانونيًا ودبلوماسيًا مهمًا على المستوى الدولي لشعب غزة ودولة جنوب إفريقيا.
والآن علينا أن نرى ما إذا كانت المحكمة قادرة على التعبير عن آرائها بشكل مستقل وكمحكمة حقيقية أم أنها ستتأثر بجماعات الضغط والضغوط السياسية وستتضرر مصداقيتها. وهذا اختبار رئيسي للنظام الدولي الذي يقوده الغرب ربما لاستعادة مصداقيته الأخلاقية. كما أنه امتحان صعب ومهم لمحكمة العدل الدولية حتى تتمكن من الحفاظ على استقلالها تحت الضغوط والتحديات واسعة النطاق التي تواجهها، وهذا يمكن أن تزيد من مصداقية المحكمة وقدرتها.
[1] reuters.com
[2] theguardian.com
[3] hrw.org