شرخٌ بسعة المحيط الأطلسي!
تتجه العلاقات بين الحكومة الجديدة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسرعة نحو التفكك، مما يحمل في طياتها عواقب واسعة على مستقبلهما.

إلى جانب ذلك يتعارض تأكيد الاتحاد الأوروبي على حقوق الإنسان والديمقراطية وحكم القانون مع النهج الأكثر براغماتية وتفاوضًا الذي تتبعه الحكومة الأمريكية في سياستها الخارجية. ومن المحتمل أن تؤدي هذه الاختلافات إلى زيادة التوترات والصراعات بين الطرفين، خاصة في مجالات التجارة والأمن والسياسة والقضايا البيئية. علاوة على ذلك قد تُعتبر جهود الاتحاد الأوروبي لتعزيز الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي وتقوية قدراته الدفاعية تحديًا لقيادة الولايات المتحدة مما قد يؤدي إلى زيادة التنافس في علاقاتهما.(1)
من الناحية الاقتصادية تبنت الحكومة الجديدة في الولايات المتحدة سياسات ترتكز على تقليل التنظيم والإصلاحات الضريبية والإجراءات الحمائية بهدف تعزيز الصناعات المحلية. بالمقابل يدعم الاتحاد الأوروبي نموذج الاقتصاد الاجتماعي الذي يركز على الرقابة والمعايير البيئية والرفاه الاجتماعي. ينعكس هذا التفكك أيضًا في استراتيجيات السياسات التجارية حيث أقدمت الولايات المتحدة مؤخرًا على تطبيق تعريفات وإجراءات تجارية أخرى لحماية الصناعات الأمريكية مما يؤدي أحيانًا إلى توترات تجارية مع الشركاء الأوروبيين.
من ناحية أخرى يسعى الاتحاد الأوروبي إلى التجارة الحرة والتعاون الاقتصادي شريطة الحفاظ على حماية السوق الداخلية ومعايير العمل. يمكن أن تؤدي هذه الفروق الاقتصادية إلى صراعات تتعلق بالسياسات التجارية وتدفقات الاستثمارات وحتى السياسات النقدية.(2) قد يتعارض تركيز الولايات المتحدة على النمو قصير الأمد وتعظيم الأرباح مع تأكيد الاتحاد الأوروبي على الاستقرار طويل الأمد وتوزيع الثروة بشكل عادل. إذا لم تُدار هذه الاختلافات الاقتصادية بعناية فقد تضع ضغوطًا على العلاقات الاقتصادية عبر الأطلسي وتؤدي إلى تغييرات في الاتفاقيات التجارية واستراتيجيات الاستثمار التي قد تعود بالنفع على طرف وتضر الآخر.
تتسع هذه الفروق لتشمل السياسات الاجتماعية أيضًا حيث يتعارض النهج الأكثر محافظة في الولايات المتحدة تجاه القضايا مثل الرعاية الصحية وحقوق العمال والضمان الاجتماعي مع نموذج الرفاه الاجتماعي القوي لدى الاتحاد الأوروبي. كما يظهر الاختلاف في كيفية التعامل مع الهجرة حيث تدعو الولايات المتحدة إلى السيطرة الصارمة على الحدود وتقليل تدفقات الهجرة بينما يتبنى الاتحاد الأوروبي رغم الصعوبات الداخلية نهجًا أكثر مرونة تجاه سياسات الهجرة واللجوء. (3)
تعكس هذه النماذج الاجتماعية المتعارضة ليس فقط مسارات تاريخية مختلفة بل تشكل أيضًا نهج كل طرف حيال القضايا الاجتماعية المهمة. قد يؤدي تأكيد الولايات المتحدة على الفردية والحلول المستندة إلى السوق إلى سياسات أقل تركيزًا على الرفاه الجماعي.
يمكن أن يواجه هذا الموضوع تحديات في بعض قطاعات المجتمع الأوروبي التي تعطي الأولوية للتضامن الاجتماعي، حيث إن كلا المنطقتين تكافحان من أجل مواجهة التحديات مثل التغيرات الديمغرافية والحاجة إلى الانسجام الاجتماعي و قد تؤدي سياساتهما الاجتماعية المختلفة إلى احتكاك في مجالات مثل حركة العمال والتنظيمات الاجتماعية. أدت هذه الفروق الأساسية في المقاربات إلى زيادة التوتر في العلاقات عبر الأطلسي، وأثرت على التعاون في القضايا الحيوية بدءًا من نفقات الدفاع حتى النظم الرقمية ومن تغير المناخ إلى سياسة الصين. إن زيادة انتقاد الحكومة الأمريكية بين الحين والآخر للمؤسسات الأوروبية ودعم القوى المناهضة للاتحاد الأوروبي داخل أوروبا قد زاد من توتر العلاقات وخلق أجواء من عدم الثقة المتبادلة، مما قلل من فعالية قنوات الدبلوماسية التقليدية.
في النهاية من المحتمل أن تؤدي هذه الاختلافات إلى عواقب عميقة على مسار العلاقات عبر الأطلسي. التأثير الفوري سيكون في تقليص التعاون في مواجهة التحديات العالمية وضعف انسجام حلف الناتو وزيادة التنافس الاقتصادي بين الكتلتين. كما أن السعي لتحقيق الاستقلال الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي إلى حد ما استجابةً لعدم اليقين من النهج الأمريكي و يمثل إعادة تشكيل محتملة وطويلة الأمد للاتحاد عبر الأطلسي. قد يؤدي هذا التغيير إلى قدرات دفاعية أكثر استقلالية في أوروبا وتنوع في الشراكات الاقتصادية وتقليل الاعتماد على الضمانات الأمنية الأمريكية. تواجه العلاقات الاقتصادية ضغوطًا معينة مع اتباع كلا الطرفين لأطر تنظيمية متزايدة الاختلاف. من الممكن أن تؤدي الفروق في السياسة الاجتماعية إلى تقليل التبادلات الثقافية والتعليمية، وانخفاض التعاون العلمي وتراجع المبادرات المشتركة في مواجهة التحديات الاجتماعية العالمية.
إن التأثير التراكمي لهذه التغيرات يشير إلى مستقبل قد تصبح فيه العلاقات عبر الأطلسي أكثر براغماتية بدلاً من أن تكون مبنية على القيم والأهداف المشتركة. يمكن أن يكون لهذا التحول عواقب ملحوظة على الحوكمة العالمية، حيث إن التحالف التقليدي الغربي الذي شكل النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية قد يصبح أقل وحدة وفاعلية. وقد يسرع ظهور مراكز القوة المنافسة خاصة الصين من هذا الاتجاه مما قد يؤدي بشكل محتمل إلى نظام دولي أكثر تفرقة، حيث لا تسعى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فحسب إلى تحقيق أهداف مختلفة بل يتنافسان أحيانًا بشكل فعال من خلال تلبية مصالح بعضهما البعض.
أمين مهدوي
1- reuters
2- politico
3- euronews