عالمٌ يتجه لليمين!
على الرغم من أن فوز اليمين في الانتخابات الألمانية كان متوقعًا لكن يبدو أن هذا النصر وهذه الأحداث يمكن أن تترك آثارًا عميقة على مستقبل أوروبا و النظام الدولي العالمي.

لقد أثار الترحيب الحار من قبل ترامب بفوز الحزب اليميني مخاوف بشأن ضعف العلاقات عبر الأطلسي وتغير في ديناميات القوى العالمية. إذ يعتبر ترامب الذي لطالما دعم الأيديولوجيات الوطنية والشعبوية، هذه التطورات في ألمانيا تأكيدًا ضمنيًا على سياسات الحزب اليميني، ونوعًا من التوافق مع سياساته الكبرى. وهذا الأمر أثار قلق القادة الأوروبيين حيث حذروا من تصريحات ترامب غير المتوقعة حول السياسة الخارجية وتجاهله للتحالفات التقليدية كما يخشون من فقدان مكانتهم الحالية في هيكلية النظام الدولي.
إلى جانب ذلك تعتبر الرغبة في الاستقلال والسيادة الوطنية أحد العوامل الرئيسية خلف فوز الحزب اليميني في ألمانيا. فقد شعر الكثير من الألمان بالإحباط من تدخلات الاتحاد الأوروبي في الشؤون الداخلية للبلاد وانخفاض مستويات الاستقلالية الوطنية؛ وبالتالي تم الترحيب بتركيز الحزب اليميني على استعادة استقلال ألمانيا من قبل الناخبين. إن شعار "أمريكا أولًا"، الذي يذكره ترامب قد وجد صدىً في إطار الأيديولوجية الخاصة بالحزب اليميني الألماني، وهذه التوافقات في وجهات النظر ستوفر فرصة للتعاون الوثيق في المجالات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
ومع ذلك يجب أن نلاحظ أن التوافق الأيديولوجي بين البلدين سيبقى محدودًا. ففي حين أن الجناح اليميني في ألمانيا يميل إلى الوطنية، ولكنه في مقارنة مع الأسلوب العدواني لترامب يتمتع عادةً بنهج معتدل وأكثر توازنًا. تركز هذه الجهة على الثبات المؤسسي والرفاه الاجتماعي والتخطيط الاقتصادي طويل الأجل؛ في حين أن سياسات ترامب تركز بشكل أكبر على الرؤية القصيرة الأجل والتجارية.
عامل رئيسي آخر هو قرب – أو عدم قرب – وجهات نظر سياسية واقتصادية بين القيادة الجديدة في ألمانيا والحكومة الأمريكية. بينما قد يرغب كل من الطرفين في استعادة السيادة الوطنية وانتقاد سياسات العولمة، فإن فلسفاتهما الاقتصادية تختلف بشكل كبير. ويعتنق صانعو السياسات الألمان نموذج الاقتصاد الاجتماعي ونظم الضمان الاجتماعي القوية والدعم الواسع للعمال، بينما تُميز سياسات ترامب الاقتصادية بتقليص القوانين وتخفيض الضرائب على الشركات والتركيز على النمو القصير الأجل. يمكن أن تؤدي هذه الاختلافات إلى ظهور خلافات في مجالات مثل التجارة والضرائب والتنظيمات البيئية مما قد يضغط على الروابط الاقتصادية التاريخية القوية بين البلدين.
علاوة على ذلك قد يؤدي توجّه ألمانيا نحو السياسة الخارجية تحت إشراف حكومة يمينية إلى تغيير رؤيتها في قضايا هامة مثل النفقات الدفاعية والأمن الأوروبي. ومن المحتمل أن تسعى الجهة اليمنى إلى تبني سياسة دفاعية مستقلة وقد تقلل من الاعتماد على الضمانات الأمنية الأمريكية؛ مما قد يؤدي إلى إعادة تعريف الديناميكيات الاستراتيجية لحلف الناتو، حيث ستحاول ألمانيا وشركاؤها الأوروبيون زيادة الاعتماد على الذات في القضايا الدفاعية والسعي لتحديد أمنهم بعيداً عن الولايات المتحدة وقد تكون هذه المسألة هي السبب في حدوث خلافات بين ألمانيا وأمريكا.
في النهاية سوف يؤدي فوز الأحزاب اليمينية في ألمانيا إلى إعادة تعريف المشهد السياسي في البلاد وبالتالي علاقاتها مع الولايات المتحدة. بينما قد تشير استجابة ترامب لهذا التغيير إلى نوع من التوافق المؤقت في النقد للسياسات الاجتماعية الكونية، فإن الفروقات الجوهرية في الفلسفات السياسية والاقتصادية لا تزال قائمة. إن تأكيد الحكومة الجديدة في ألمانيا على استقلالها ونموذجها الاقتصادي الاجتماعي يتعارض مع النهج الفردي وتقليص القوانين خلال فترة ترامب. يمكن أن تؤدي هذه الاختلافات إلى نشوء توترات في العلاقات عبر الأطلسي، خصوصاً في مجالات التجارة والدفاع والتنظيم.
في نهاية المطاف على الرغم من إمكانية تواصل الطرفين بشكل مؤقت في النقد للأيديولوجيات السائدة في العالم، فإن التداعيات طويلة الأمد لهذه التحولات ستعكس علاقات أقل تناغماً وإعادة تعريف العلاقات بين ألمانيا والولايات المتحدة، وهذا يعكس سعي ألمانيا لتحقيق سياسة خارجية مستقلة ومتوازنة. لذلك لا ينبغي الافتراض بأن ألمانيا الجديدة متوافقة تماماً مع الولايات المتحدة، ويبدو أن أولويتها الأولى هي إنقاذ ألمانيا والسعي لتنميتها في إطار قيمها الوطنية.
أمين مهدوي
1- euronews
3- apnews