تذبذب المواقف حول أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة للسعوديين
تذبذب المواقف حول أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة للسعوديين
لسنوات طويلة كان للمملكة العربية السعودية دائماً موقف متحفظ في مختلف القضايا التي تخص منطقة غرب آسيا وخاصة القضية الفلسطينية. ويأتي هذا الموقف نتيجة التطورات الحاصلة في المنطقة و واقع السلام العربي والاعتراف بالنظام الإسرائيلي والدور الاستراتيجي في الاستراتيجية الأمريكية للشرق الأوسط التي دفعت المملكة العربية السعودية إلى التنسيق مع الحكومات العربية حول القضية الفلسطينية بعد تنفيذ حظر تصدير النفط للدول الغربية وداعمي الكيان الإسرائيلي في عام 1973 خلال حرب تشرين/أكتوبر، وتم اتخاذُ سياسة واحدة تقوم على الممارسات السياسية والدبلوماسية. [1]سنواصل مناقشة استراتيجية المملكة العربية السعودية حول القضية الفلسطينية ومواقفها التي يمكن أن تحيي في ذاكرة عقولنا المواقف السلبية والمُحافِظة والمعتدلة طيلة العقود الماضية.
في الواقع، تُظهر مراجعة سبعة عقود من مواقف المملكة العربية السعودية وسلوكها تجاه القضية الفلسطينية، والتي تتزامن مع تاريخ إنشاء النظام الملكي السعودي، نوعًا من المحافظة والاعتدال جنبًا إلى جنب مع التسلسل الزمني الدبلوماسي.
بصرف النظر عن التطورات التاريخية والسياسية التي حدثت في العقود الماضية، فإن حدوث الثورات العربية منذ عام 2011 أثر بشكل كبير على عملية دعم الفلسطينيين من قبل العرب. أدت الثورات العربية إلى تركيز الدول العربية التي تتمتع عموما ببنية سياسية استبدادية وتفتقر إلى الشرعية والديمقراطية، على الحفاظ على بقاء حكمها، وبسبب ازدياد الإستياء الداخلي وضعف القوة الاقتصادية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط وركود صناعة السياحة وتراجع المساعدات الخارجية والاستثمار، تحول انتباهها بشدة عن القضية الفلسطينية. [2]
دخل تهميشُ القضية الفسطينية من قبل العرب، وخاصة المملكة العربية السعودية مرحلة جديدة منذ عام 2011. في هذا الوقت بدأ العالم العربي يخضعُ للثورات والإنتفاضات مستقبلاً "الربيع العربي"، أو "الصحوة الإسلامية"، كما سمَّتهُ الجمهورية الإسلامية، ظاهرة قوضت أمن الحكومات العربية المحافظة ، وأصبحت جميعها قلقة من أن حكوماتها مثل مصر وتونس وليبيا و غيرهم لن تكون قادرة على مقاومة ذلك وانها سوف تسقط. أمرٌ أدى إلى زيادة النفوذ الإقليمي لإيران في المنطقة بعد ظهور داعش ومواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى جانب الدول التي تحارب داعش، بحيث تمكنت إيران من نشر الثقافة الجيولوجية للمقاومة مع وجود المجموعات الموالية لها في لبنان والعراق وسورية واليمن و... وخلقت وغيرت ميزان القوى لصالحها في المنطقة والعالم.
لذا فإن انطلاق الثورات العربية وزيادة نفوذ إيران في منطقة غرب آسيا من خلال إيجاد تموضع جغرافي للمقاومة، وصعود بن سلمان إلى السلطة في المملكة العربية السعودية وزيادة قدرة إيران الصاروخية وهزيمة داعش وخلق شرخ في مجلس التعاون الخليجي وقطع العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية كقوى إقليمية، كانت كلها عوامل سرعت عملية سحب حلفاء النظام الصهيوني الإقليميين، وخاصة الولايات المتحدة من المنطقة في عام 2015، والضغط الغربي لتطبيع العلاقات دفع بعض الدول العربية في المنطقة إلى زيادة أمنها، وفي الواقع إيجاد ثقافة ضد ثقافة المقاومة وتهميش القضية الفلسطينية تماما بين دول العرب.[3]
على الرغم من امتلاكها موارد نفطية ضخمة واحتياطيات كبيرة من النقد الأجنبي، وبسبب دخولها في حروب بالوكالة وغزوها لليمن وتنامي الخلاف مع بعض الدول العربية، فضلا عن مواجهاتها المكلفة مع إيران اتجهت نحو التطبيع مع النظام الإسرائيلي. لذلك فقدت المملكة العربية السعودية ثقة الفلسطينين أكثر من أي وقت مضى.[4]
لكن المملكة العربية السعودية، على الرغم من موقف بن سلمان من ضرورة تطبيع العلاقات والتعاون مع النظام الإسرائيلي لم تتحرك علنا نحو تطبيع العلاقات مع النظام. على الرغم من أنه اتخذ خطوات سرية في هذا الصدد ، إلا أنه لم يكن قادرا بشكل كامل وعلني على التحرك نحو تطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني.
في النهاية، أدت الانتصارات العديدة لمجموعات المقاومة والهزائم العديدة للنظام الإسرائيلي إلى قيام حلفاء النظام الإسرائيلي الغربيين كالولايات المتحدة بتعديل سياساتهم في منطقة غرب آسيا والتحرك أكثر نحو التبرير للرأي العام في مجتمعاتهم. لذلك عدلت المملكة العربية السعودية أيضا من سياساتها الإقليمية والعالمية وفقا للنظام الإقليمي والعالمي الجديد، إلى حد استئناف العلاقات مع الجماعات الفلسطينية بما في ذلك حماس بعد 15 عاما . كما توسطت بكين في العلاقات الدبلوماسية بين جمهورية إيران الإسلامية والمملكة العربية السعودية. وهذا يدل على أنه على الرغم من مواقف المملكة العربية السعودية السلبية والمحافظة والمعتدلة في بعض الأحيان حول القضية الفلسطينية على مر السنين، فمن الواضح تماما أن السعوديين كانوا دائما ينظرون إلى الرأي العام للمجتمع العربي وأهمية القضية الفلسطينية لهذا المجتمع. وعلى الرغم من أنه في بعض الأحيان كانت لديهم علاقات خاصة مع النظام الصهيوني، لكن السعوديين الآن يواجهون هذه الحقيقة؛ أنه مع نمو و ازدياد قوى المقاومة على المستوى الإقليمي، والنظام الجديد الذي يتم تشكيله في المنطقة والعالم، يجب أن يولوا اهتماما أكبر للقضية الفلسطينية أكثر من أي وقت مضى ليس فقط على مستوى الرأي العام للمجتمع العربي ولكن أيضا التأثير على الرأي العام العالمي، ويُتوقع من المملكة العربية السعودية أن تتصرف بشكل أكثر حسما ونشاطا لدعم الأمة الفلسطينية في المستقبل.
1. https://peace-ipsc.org/fa
2. https://iiwfs.com/
3. بررسی وضعیت و جایگاه مسأله فلسطین در عادیسازی روابط عربستان سعودی و رژیم اسرائیل/ فصلنامه مطالعات بینالمللی/ تابستان 1401
4. https://iiwfs.com/