تداعيات قانون صهيوني عنصري بحق الأسرى
صادق الكنيست الإسرائيلي، بصورة نهائية، على قانون عنصري جديد يقضي بسحب الجنسية والإقامة من الأسرى الفلسطينيين، منفّذي العمليات البطولية ضد "جيش" الاحتلال ومستوطنيه، ممن يقطنون في الأراضي الفلسطينية العام 1948 والقدس المحتلة.
ينص القانون على إبعاد هؤلاء الأسرى عن مسقط رأسهم فور انتهاء فترة محكوميتهم إلى المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، وصوّت لمصلحة قانون سحب الجنسية والإقامة 94 عضواً في الكنيست من الائتلاف الحاكم بزعامة نتنياهو، وأعضاء من المعارضة الإسرائيلية، فيما عارضه عشرة نواب محسوبين على القائمة العربية.
الملاحظ في التصويت على هذا القانون أنه جاء بإجماع إسرائيلي واسع من أعضاء الائتلاف الحكومي والمعارضة الإسرائيلية في آن واحد، في مؤشر خطير على أبعاد هذا القانون على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وكذلك الموقف الإسرائيلي الموحد في استهداف الفلسطيني وهويته وأرضه، إذ إن نص القانون لا يُخفي أنه كتب ضد الفلسطينيين دون غيرهم من أجل انتهاك مزيد من حقوقهم وسحب جنسيتهم وتهجيرهم من أرضهم ومنازلهم، ويمكن قراءة خطورة هذا القانون وتداعياته وفق الآتي:
– خطورة توقيت إقرار القانون أنه جاء في بيئة سياسية إسرائيلية تشهد خلافات وتصاعداً لحالة التجاذبات السياسية والصراعات والانقسامات الحقيقية، وهو ما يقرأ أن الاحتلال الإسرائيلي إذا ما تعلق الأمر بالفلسطينيين فإنهم يتحدون فوراً، في خطوة انتقامية واضحة جاءت من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين الإسرائيلي، وهذا يدلل أن الأطياف السياسية داخل “إسرائيل” تجنح كلها نحو العنصرية والفاشية أياً كان لونها، وتتوافق فوراً ضد الحقوق الفلسطينية.
– استهداف هذا القانون هو أبعد من مسألة استهداف الأسرى منفذي العمليات ضد “جيش” الاحتلال ومستوطنيه، بل يعد بداية لشرعنة سافرة وواسعة عنوانها التهجير القسري والطرد الجماعي للفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويمهد تطبيق هذا القانون لسحب الجنسية والإقامة؛ لتنفيذ مشاريع تهجير وتطهير عرقي بحق الفلسطينيين، وخاصة بحق سكان منطقة وادي عارة، وهي قرية فلسطينية محتلة منذ العام 1948، وتحيّن الظرف المناسب لتمرير هذا المشروع المبيّت منذ عقود طويلة.
– يشكّل قانون سحب الجنسية والإقامة من الأسرى الفلسطينيين منفذي العمليات البطولية غطاءً وأداة قانونية إسرائيلية لتفريغ مدينة القدس من سكانها الفلسطينيين الأصليين، وطردهم لمصلحة تعزيز استيطانها وتهويدها، ومقدمة تمهيداً لتكريس واقع الاحتلال وتغيير الأوضاع داخل المسجد الأقصى ومدينة القدس.
– الخطورة في القانون أنه يضرب بعرض الحائط القانون الدولي والإنساني، والإيذان ببدء تطبيقه يعني أنه سيسري بأثر رجعي ضد الفلسطينيين الذين اعتقلوا في السجون الإسرائيلية سابقاً ويتلقون رواتب من هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين كأسرى محررين باعتبارها جريمة، وستسحب مواطنتهم وسيتم تهجيرهم عن منازلهم بشكل قسري.
– يرسخ القانون سياسة الاحتلال العنصرية الفاشية بحق الفلسطينيين القائمة على الفصل العنصري، إذ إنه قانون يوصم الفلسطينيين الذين ينفذون عمليات بطولية بتهمة الإرهاب، ويتيح توفير الحماية القانونية للمستوطنين الذين قاموا بجرائم حرب ضد الفلسطينيين.
– يتناقض القانون الإسرائيلي العنصري، وبشكل صارخ، مع القانون الدولي الذي يمنع طرد أي مواطن من وطنه وبلده، كما ويشكل أساساً للملاحقات السياسية، والإفراط في استخدام أنظمة الطوارئ التي ورثتها “دولة” الاحتلال الإسرائيلي عن الانتداب البريطاني، بما في ذلك تحديد الحركة والاعتقال الإداري والطرد، بناء على تقديرات أو معلومات استخبارية.
لمثل هذا القانون العنصري تبعات فلسطينية من جهة وإقليمية من جهة أخرى، إذ سيمنح تطبيقه الاحتلال الإسرائيلي أداة قانونية لتغيير الطابع الديموغرافي للقدس بالكامل، كما سيتيح سحب المواطنة جماعياً من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 48، أما عن سكان مدينة القدس فسيتعزز تطبيق هذا القانون، بشكل أوسع، خلال المرحلة المقبلة؛ لتعزيز ما بدأته ومارسته الحكومات الإسرائيلية السابقة من سحب المواطنة والجنسية عن عدد من الفلسطينيين كان أبرزهم ثلاثة نواب في المجلس التشريعي الفلسطيني، ووزير شؤون القدس في الحكومة الفلسطينية العاشرة، وطردتهم بذريعة الانتماء إلى حركة حماس.
فلسطينياً وعربياً، وأمام حالة الوحدة الإسرائيلية العنصرية ضد الفلسطينيين التي برزت في إقرار هذا القانون، فإن المطلوب إزاء الموقف العنصري للاحتلال الإسرائيلي، اتخاذ موقف فلسطيني وعربي واضح وحازم ضد القانون باعتباره قانون تطهير عرقي وفصل عنصري استعماري بامتياز.
أما على الصعيد الدبلوماسي والقانوني، فهناك فرصة كبيرة لأن يكون للجامعة العربية موقف عملي وفوري بالتواصل والتعاون مع لجنة المتابعة العليا للفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، يضمن رفع قضية قانونية أمام المحافل الدولية، ولا سيما أمام مجلس حقوق الإنسان ولجنة التحقيق الدائمة في جرائم الاحتلال الإسرائيلي، والتي أقرت في أيار/ مايو من العام 2021م، وزارت الأراضي الفلسطينية أكثر من مرة للاطلاع والتحقيق في جرائم إسرائيلية ارتكبت بحق الفلسطينيين.
تسابق “إسرائيل” الزمن أكثر من أي وقت مضى لحسم الصراع مع الفلسطينيين بالقوة والقانون على كل الصعد؛ عبر شرعنة مثل هذه القوانين العنصرية، التي تستهدف الوجود الفلسطيني بعينه، سواء بتعزيز واقع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، أو حتى داخل مدينة القدس بهدف فرض التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى، أو حتى الاستهداف الواضح والصارخ للأسرى والأسيرات في السجون الإسرائيلية، والتي تشهد حالة غليان متسارعة من جراء سياسة القمع والتنكيل وسن القوانين الخاصة بعزل الأسيرات.
تأتي كل هذه الإجراءات وحالة التغول الإسرائيلي غير المسبوقة، في وقت يزداد المشهد الفلسطيني سخونة نحو التصعيد المرتقب الذي بات أقرب مما يتصوره البعض، أو حتى الانفجار المفاجئ، في وقت باتت حكومة نتنياهو تهرب إلى الأمام في جرائمها بحق الفلسطينيين؛ للتخفيف من حدة الضغط الداخلي من جراء استمرار التظاهرات المندّدة والمنادية بإسقاط الائتلاف الحكومي بزعامة نتنياهو، تزامناً مع ما حذر منه رئيس “دولة” الاحتلال من أن الأمور في “إسرائيل” باتت على برميل من البارود، وأنها قد تذهب نحو الصدام العنيف والحرب الأهلية.