بحر البلطيق وسيلة للصراع العسكري أم نقطة انطلاق للسلام؟
أعلنت دول البلطيق الثلاث بشكل مشترك في 19 يناير 2024 أنها تعتزم بناء خط دفاع على طول حدودها مع روسيا وبيلاروسيا. لكن التفاصيل الأولية حول هذه الخطة محدودة ولن يشمل خط الدفاع هذا دفاعات ساحلية، إذ سيتم تجهيز سواحل البلطيق بوسائل دفاعية أخرى، مثل الصواريخ المضادة للسفن والألغام البحرية ضد الأسطول الروسي في بحر البلطيق.
أعلنت دول البلطيق الثلاث بشكل مشترك في 19 يناير 2024 أنها تعتزم بناء خط دفاع على طول حدودها مع روسيا وبيلاروسيا. لكن التفاصيل الأولية حول هذه الخطة محدودة ولن يشمل خط الدفاع هذا دفاعات ساحلية، إذ سيتم تجهيز سواحل البلطيق بوسائل دفاعية أخرى، مثل الصواريخ المضادة للسفن والألغام البحرية ضد الأسطول الروسي في بحر البلطيق. وقدرت إستونيا، التي أوضحت عن أكبر قدر من التفاصيل، أن تكلفة بناء 600 ملجأ، إلى جانب نقاط الدعم وخطوط التوزيع، ستبلغ حوالي 600 مليون يورو ابتداء من عام 2025 [1].
ما الذي تبحث عنه دول البلطيق؟
وتتطلع دول البلطيق إلى زيادة قدرتها العسكرية لزيادة ردعها ضد روسيا. وهم يفكرون في زيادة نفقات وتكاليف الحرب على روسيا حتى لا تفكر روسيا في شن هجوم عسكري في هذه المنطقة. وفي هذا السياق، هناك عدة نقاط مهمة. أولاً يتماشى خط الدفاع هذا، الذي سيتم تصميمه على طول الحدود، مع خطة واقتراح قادة الناتو في اجتماع مدريد عام 2023. وإلى جانب ذلك فإن الهدف الآخر لهذه الدول هو تحسين القوة العسكرية والدفاعية من أجل حماية حدودهم.
بالإضافة إلى ذلك، تتطلع دول البلطيق إلى خلق تكاليف إضافية على روسيا في حالة وقوع هجوم عسكري، في الواقع، من خلال تبني هذه الاستراتيجية فإنها تتطلع إلى إرسال رسالة واضحة إلى روسيا مفادها أن الهجوم على منطقة البلطيق سيكلف الكثير، ويأملون أن يتلقى الكرملين هذه الرسالة، ولا يخطئوا في فهمها. وهذه مسألة خارجة عن سيطرة هذه الدول وتعتمد بشكل مباشر على كيفية رؤية روسيا لهذا النهج الذي تتبعه دول البلطيق. ومن الممكن أن يلعب التقييم الروسي دوراً مهماً ومباشراً في زيادة أو تخفيف التوتر في بحر البلطيق ومع الدول في هذه المنطقة [2].
ومن أجل منع زيادة التوترات بين دول هذه المنطقة وروسيا، فإنها تحتاج إلى تشكيل قناة اتصال متبادلة لتجنب سوء التفاهم تجاه بعضها البعض والتوجه نحو إدارة التوترات، وإلا فإن بحر البلطيق يمكن أن يصبح ملعباً وساحة حرب كبيرة بين الغرب وروسيا لن تعجب نتائجها ونتائجها أحداً من الأطراف. وهذه القضية مهمة لأنه يبدو أن هناك حرباً عسكرية واسعة النطاق قد تشكلت في هذه المنطقة، والتي إذا لم يتم إدارتها بشكل صحيح، يمكن أن تؤدي إلى زيادة حدة هذه الحرب.
المستقبل؟
من سمات المواجهة الحديثة بين روسيا والغرب، خلافاً للحرب الباردة التي اشتداد بها التوتر مع الهدوء الاستراتيجي، الآن الأمور تتجه نحو مسار تصعيد التوتر ويبدو أن هذا الوضع سيستمر حتى انتهاء الأعمال القتالية في أوكرانيا. ولكن بعد ذلك، لا شك أن مسألة التسوية الأوسع ستطرح في ظل ظروف مناسبة.
وستكون هذه العمليات أكثر تعقيداً وفريدة من نوعها بأكثر مما حدث في مؤتمر فيينا عام 1815، أو مؤتمر باريس عام 1919، أو اجتماعات زعماء القوى العظمى الثلاث في يالطا وبوتسدام عام 1945. وبما أن المواجهة بين روسيا والغرب تجري على عدة مستويات (عالمية وإقليمية، ولكل منها ديناميكياته الخاصة واستخدام أساليب الصراع المختلفة)، لذا فإن الاتفاقية ربما تتكون من سلسلة من التفاهمات حول القضايا الحكومية الدولية. بالإضافة إلى ذلك، قد تكون منفصلة زمنيًا، وموقعة من قبل دول مختلفة، وغير مرتبطة قانونيًا ورسميًا. وهنا لا يمكن للمرء أن يختلف مع رأي ألكسندر راهر، عالم السياسة الألماني البارز، بأن تطبيع علاقات روسيا مع الدول الأوروبية والمؤسسات ذات الصلة يمكن أن يبدأ على وجه التحديد في منطقة بحر البلطيق [3].
بالطبع هذه القضية لن تحدث في المستقبل القريب، ولكن في الوقت نفسه، من الضروري النظر في هذا الجانب بأنه يتوجب على الدول الأوروبية ودول الناتو أن تولي اهتماماً خاصاً لهذه القضية والامتناع عن زيادة الضغط غير الضروري على روسيا وتخريب محادثات السلام. وفي الواقع يستطيع حلف شمال الأطلسي وروسيا البدء في إزالة سوء التفاهم بين الأطراف من منطقة بحر البلطيق، من خلال زيادة التعاون الاقتصادي والحد من الضغوط السياسية والعسكرية، يمكنهما البدء في سلام هادىء وإزالة الخلافات بسهولة وتعتمد هذه المسألة على مدى استعداد الأطراف ورغبتهم في تعزيز التعاون والسلام أو ما إذا كانوا يعتبرون أجواء التوتر والصراع العسكري خياراً أفضل. وعلى الرغم من أن السيد بوتين أرسل إشارات السلام ونهاية الحرب في مقابلته الأخيرة، إلا أنه يبقى أن نرى كيف سينظر الغرب إلى هذه القضية وكيف سيتعامل معها.
[1] euronews.com
[2] politico.eu
[3] moderndiplomacy.eu