العلاقات بين روسيا والصين ؛ اتفاق غير مكتوب

فبرایر 26, 2023 - 07:27
العلاقات بين روسيا والصين ؛ اتفاق غير مكتوب

     في صباح يوم الخميس 24 فبراير 2022م أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمرًا  بشن عملية عسكرية خاصة وهجوم شامل على أوكرانيا. فيما يتعلق بالأسباب الداخلية والإقليمية والدولية لهذا التصعيد والتطورات التي حدثت في العام الماضي تم تقديم تحليلات مختلفة، ولكن أحد النتائج المؤكدة لهذه التطورات هو التغيير في النظام أحادي القطب العالمي وتقارب بين أطراف العالم المخالفين للقطب الواحد بقيادة أمريكا، ويعتقد المحللون السياسيون أن حرب روسيا في أوكرانيا تعني خطوة عملية لبدء مرحلة جديدة من التغيير في النظام العالمي الجديد، حيث سيقود هذا التغيير إلى تقارب كبير بين روسيا والصين. فيما يتعلق بهذه العلاقة الوثيقة بين روسيا والصين، صرح وليام بيرنز رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) أن : رئيس الصين هو الشريك الصامت لبوتين في حرب أوكرانيا، حيث أوجدت هذه الدولة أكبر تحدي أمام الولايات المتحدة.[1]

ولكن لماذا وكيف اتخذت العلاقة بين روسيا والصين والتي تتزايد بطريقة تفاعلية ومتنامية لسنوات شكلاً استراتيجيًا مع الصراع في أوكرانيا وأدت إلى تقارب هاتين القوتين العالميتين أكثر فأكثر؟

في البداية تجدر الإشارة إلى أن المواقف السياسية المحايدة للصين تجاه النزاع العسكري بين روسيا وأوكرانيا لم تتغير، ومنذ بداية هذه النزاعات العسكرية تحدث مسؤولو بكين عن امتناع الصين عن التدخل المباشر. ولكن من الناحية العملية بسبب التقارب بين أهداف فلاديمير بوتين الرئيس الروسي وشي جين بينغ رئيس الصين فقد أقاما تحالفًا وشراكة غير معلنة مما أدى إلى توثيق العلاقة بينهما. وفي هذا السياق فقد شكر فلاديمير بوتين في أول لقاء له منذ ذلك الحين في بداية الحرب في أوزبكستان الزعيم الصيني بسبب موقفه "المتوازن" فيما يخص الهجوم على أوكرانيا، وكذلك وصف شي جين بينغ بوتين بأنه "صديق قديم".[2]

الموضوع التالي هو المواقف السياسية المشتركة للبلدين في العديد من القضايا المهمة في السياسة الدولية والإقليمية خلال السنوات الأخيرة والتي كانت متوائمة تمامًا أو قريبة من بعضها البعض حيث اتخذت موسكو وبكين نفس المواقف في مواجهة الليبرالية الأمريكية والنظام العالمي أحادي القطب، وفي هذا الصدد صرح خبيران صينيان بارزان هما تيان ويجي ولي مينغ جيان من جامعة نانيانغ التكنولوجية في مقال في صحيفة (ساوث تشاينا مورنينغ بوست): "ما هو مؤكد أن الصين كانت مهتمة للغاية بتعزيز العلاقات مع روسيا على مدى السنوات الماضية ولم ولن تنوي بأي حال من الأحوال تقليص علاقاتها مع روسيا، فقد كانت بكين تنظ لموسكو لسنوات بأنها شريك مفيد لمقاومة الضغوط الاستراتيجية والسياسية للولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك أصبحت روسيا مصدرًا مهمًا للطاقة لجمهورية الصين الشعبية في الوقت نفسه وبصرف النظر عن جميع الحالات المذكورة أعلاه، ستكون روسيا حاجزًا قويًا أمام نفوذ الناتو في الشرق وكان هذا أحد الأهداف الرئيسية لدعم بكين الاستراتيجي لموسكو"[3]

تظهرُ نظرة سريعة على مسار العلاقات الصينية الروسية خلال العقدين الماضيين النمو المتكامل لهذه العلاقات في أبعادها المختلفة. بعد اتفاق البلدين على رفع مستوى العلاقات إلى "الشراكة الاستراتيجية للتنسيق" في عام 1996 كان توقيع معاهدة "حسن الجوار والتعاون الودي" في عام 2001 أحد نقاط التحول في العلاقات بين البلدين في بداية القرن الجديد.[4] خلال العقدين الماضيين وعندما وصل بوتين إلى السلطة تشاور البلدان بانتظام على أعلى المستويات وأظهروا مستوى عالٍ من التفاهم فيما يتعلق بالقضايا السياسية الثنائية والدولية. كما يعتقد الخبراء فإن العلاقات بين البلدين على مستوى أعلى من التحالف،[5] فقد كان التنسيق العسكري والأمني ​​أحد مجالات التعاون الأخرى بين الصين وروسيا في السنوات الأخيرة، وكانت تجارة الأسلحة أهم مؤشر على تطور العلاقات بين البلدين. ومع ذلك على عكس العلاقات بين الصين وروسيا والتي نمت بشكل متجانس في مجالات مختلفة، فإن علاقات هذين البلدين مع شركائهم الأوروبيين والولايات المتحدة لم التناسب المطلوب في مختلف القطاعات الأخرى وكانت في بعض الأحيان عرضة للتوترات والتحديات. من ناحية أخرى فإن أحد الاهتمامات المشتركة للبلدين هو تدخل الغرب في شؤونهما الداخلية مما زاد من التقارب بينهما.

تجدر الإشارة إلى أنه خلال فترة بدء العمليات الروسية ضد أوكرانيا لم توقف السلطات الغربية أية مساعدة لزيلينسكي وحكومته، وفي المواقف الأخيرة بعد أن دعم جو بايدن زيلينسكي في خطابه الأخير في الكونجرس الأمريكي فيما يتعلق بالمساعدات اللامحدودة حسب تعبيره،[6] و أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بدوره في لقائه مع زيلينسكي أنه لا ينبغي لروسيا أن تربح هذه الحرب وأكد أن كييف ستحصل على مساعدة فرنسية طالما دعت الحاجة لذلك،[7] بالإضافة إلى تصرفات الحكومات الغربية والأوروبية في تأجيج نيران الحرب بين البلدين روسيا وأوكرانيا يجب أن نذكر أيضًا أن الصين تسعى لإنهاء هذا الوضع وهي تتشاور باستمرار مع شركائها الإقليميين والدوليين لإيجاد طريقة حل تناسب هذا الوضع  لإنهاء هذا الصراع على الرغم من أن الصين وروسيا ليس لديهما تحالف عسكري رسمي وأن جنودهما لم يخوضوا أبدًا حربًا جنبًا إلى جنب فقد ازداد تعاونهما الدفاعي بشكل كبير منذ عام 2014 ، ونتيجة لذلك ازداد التعاون العسكري والتدريبات العسكرية المشتركة بين الصين وروسيا. ويعتبر هذا التعاون سببًا آخر للتقارب بين البلدين.[8]

في النهاية لابد من الإشارة إلى أن مواجهة روسيا مع تجاوزات القوة الغربية التي تقودها أمريكا في أوكرانيا لم تبدأ هناك، بل بدأت هذه القضية في السنوات الأخيرة مع الوجود العسكري الروسي في سورية عام 2015 والتعاون مع دول محور المقاومة، في ذلك الوقت تدخلت القوات الروسية لمساعدة الجيش السوري في الحرب ضد الإرهابيين والجماعات المسلحة المتطرفة التي أرسلتها الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى هذا البلد لتدمير سورية. كان من الواضح في هذه الحرب أنها حربٌ ضد الدول التي تعارض الهيمنة على العالم ليست فقط في المجال العسكري والإعلامي، بل هي دعاية واسعة النطاق و حرب دبلوماسية وحرب اقتصادية وثقافية بالإضافة إلى الحرب الإلكترونية وهذا هو سبب ظهور الدعم المفتوح والمخفي لخصوم النظام العالمي أحادي القطب أمريكيًا، وأدى هذا الدعم والتعاون في النهاية إلى تحالفات واتفاقيات غير مكتوبة حيث زادت العلاقات الاستراتيجية بين الصين وروسيا بشكل سريع وأصبحت قوتان عالميتان أقرب من أي وقت مضى بعد حرب أوكرانيا حيث يمكن اعتباره تحالف باتفاق غير مكتوب.

 نوید دانشور


[1] https://ria.ru/20220414/geopolitika-1783604383.html

[2] https://www.theguardian.com/world/2022/sep/15/putin-thanks-xi-china-balanced-stance-on-ukraine-invasion-russia

[3] https://sc.mp/d4jy?utm_source=copy_link&utm_medium=share_widget&utm_campaign=3205096

[4] https://thediplomat.com/2022/05/how-china-supplies-russias-military/

[5] https://thediplomat.com/2022/02/ukraine-in-china-russia-relations/

[6] https://www.aa.com.tr/ru/%D0%BC%D0%B8%D1%80/%D1%81%D1%88%D0%B0-%D0%B1%D1%83%D0%B4%D1%83%D1%82-%D0%BF%D0%BE%D0%B4%D0%B4%D0%B5%D1%80%D0%B6%D0%B8%D0%B2%D0%B0%D1%82%D1%8C-%D1%83%D0%BA%D1%80%D0%B0%D0%B8%D0%BD%D1%83-%D1%81%D1%82%D0%BE%D0%BB%D1%8C%D0%BA%D0%BE-%D1%81%D0%BA%D0%BE%D0%BB%D1%8C%D0%BA%D0%BE-%D0%BD%D1%83%D0%B6%D0%BD%D0%BE/2810904

[7] https://zn.ua/UKRAINE/zelenskij-ubedil-sholtsa-i-makrona-otnositelno-raket-i-samoletov-dlja-ukrainy-bild.html

[8] https://www.cfr.org/backgrounder/china-russia-relationship-xi-putin-taiwan-ukraine