البحرين وإسرائيل.. تطبيع ومواقف مضطربة وتحالف بحري شكلي

دأبت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على تكثيف جهودها لإنهاء المقاطعة العربية لكيان الاحتلال الإسرائيلي دون إيجاد حل للقضية الفلسطينية، إذ عُقد في يونيو 2019، مؤتمر البحرين للسلام الاقتصادي حول فلسطين، وعرضت إدارة ترمب الجزء الاقتصادي من صفقة القرن، وقد سمحت البحرين بحضور صحفي إسرائيلي في هذا المؤتمر.

ديسامبر 25, 2023 - 07:15
البحرين وإسرائيل.. تطبيع ومواقف مضطربة وتحالف بحري شكلي
البحرين وإسرائيل.. تطبيع ومواقف مضطربة وتحالف بحري شكلي

دأبت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على تكثيف جهودها لإنهاء المقاطعة العربية لكيان الاحتلال الإسرائيلي دون إيجاد حل للقضية الفلسطينية، إذ عُقد في يونيو 2019، مؤتمر البحرين للسلام الاقتصادي حول فلسطين، وعرضت إدارة ترمب الجزء الاقتصادي من صفقة القرن، وقد سمحت البحرين بحضور صحفي إسرائيلي في هذا المؤتمر.

العلاقات بين البحرين والكيان الإسرائيلي

لم تكن رغبة البحرين بإقامة علاقات مع الكيان الإسرائيلي سرية، ففي لقاء له مع السفير الأمريكي في المنامة في فبراير/شباط 2005 أكد الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، وجود اتصالات بين البحرين والموساد، ملمحاً إلى استعداد البحرين لتعزيز علاقاتها مع الكيان في مجالات أخرى، وأنه "سيكون من الصعب على البحرين أن تكون الأولى في هذا الأمر"، وفي عام 2017، عارض الملك المقاطعة العربية للكيان، وأراد أن يتمكن البحرينيون من السفر إلى فلسطين المحتلة، على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية.

وقد نجحت الولايات المتحدة بإلحاق البحرين بركب الدول المطبعة مع الكيان الإسرائيلي، في اتفاق أعلن بين كيان الاحتلال والبحرين في 11 سبتمبر/أيلول 2020،  لتصبح البحرين رابع دولة عربية، بعد مصر والأردن والإمارات توقع اتفاقية سلام مع كيان الاحتلال، بمباركة أمريكية.

إذ أعلن الرئيس الأمريكي ترامب اتفاق التطبيع فقال: "الدولتان الصديقتان العظيمتان إسرائيل ومملكة البحرين تصلان إلى اتفاق سلام"، فانضم البحرين لاتفاقيات إبراهام التي ترتكز على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، والتعاون المشترك في عدة مجالات مع الكيان الإسرائيلي.

أما البحرينيون فيعارضون التطبيع بشكل كبير، إذ رفض العديد من النخب البحرينية وعلماء الدين والجمعيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني بشكل قاطع فكرة التطبيع، ونزل البحرينيون إلى الشوارع للاحتجاج السلمي بعد الكشف عن اتفاق إبراهام، مظهرين تضامنهم مع الفلسطينيين ومعارضة الاحتلال الإسرائيلي، وأدانوا "خيانة" الحكومة البحرينية للقضية الفلسطينية، واستمرت الاحتجاجات، ولا سيما عندما زار وزير خارجية الكيان الإسرائيلي يائير لابيد البحرين في سبتمبر/أيلول الماضي لافتتاح أول سفارة للكيان في المنامة.

إن بنية السلطة الحاكمة، والوضع الجيوسياسي للبحرين لا تؤهله لأن يكون كيانا مستقلاً صاحب توجه خاصٍ لرسم السياسة الخارجية للبلاد، لذا كان مسايراً لتوجهات دول أكثر مركزية ونفوذا استراتيجيا منه، ولا سيما السعودية والإمارات، اللتان كان يميل إلى التوافق مع سياساتهما، ويأتي التطبيع مع الكيان الإسرائيلي وفق هذا التوجه، رغم أن كيان الاحتلال هو المستفيد الأكبر من اتفاقيات أبراهام، فقد أصبح لديه أسواق جديدة غنية بالنفط في دول الخليج الفارسي، ويعمل الجيش الإسرائيلي على تعميق تعاونه مع جيشي البحرين والإمارات برعاية أمريكية، إذ أجرت الدول الأربع أول تدريب من نوعه يعلن عنه في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 في البحر الأحمر.

البحرين وكيان الاحتلال بعد 7 أكتوبر

لم تزدهر العلاقات البحرينية الإسرائيلية بالشكل الذي يأمله كيان الاحتلال، فثمة تقارير صادرة عن مراكز بحثية في الكيان ترجح دخول العلاقة في مرحلة جمود، وقد عزا تقرير صادر عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، ذلك  الجمود إلى سياسة الاحتلال في فلسطين، وإلى ضغوط داخلية على العائلة المالكة في البحرين، ومن جهة أخرى إلى أن الإدارة الأميركية لم تتعهد للبحرين بتعويض محدد لدى انضمامها إلى "اتفاقيات أبراهام"، مثلما تعهدت للإمارات والمغرب، ومن الأسباب المباشرة أيضا وجود البرلمان البحريني والفعاليات المجتمعية، وهو ما يشكل تحديا أمام حكام الدولة بشكل دائم.

ويذكر التقرير أن السبب الحقيقي لإلغاء زيارة لوزير خارجية الكيان، إيلي كوهين، إلى المنامة أن السبب هو اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، للمسجد الأقصى قبل يوم واحد من الإعلان عن إلغاء هذه الزيارة، في حين ادعت البحرين أن الأسباب "تقنية".

لم تكن العلاقات البحرينية الإسرائيلية كما يأمل الطرفان على مستوى النتائج، إذ كانت نتائجها متواضعة، قياساً بالمأمول منها، إذ لم يتجاوز حجم التبادل التجاري بين البحرين والكيان الإسرائيلي 20 مليون دولار في العامين 2021 – 2022، بينما سجلت الإمارات حجم تبادل بنحو 2.5 مليار دولار، وكذلك في المجال السياحي وغيره.

إن سياسة حكومة الاحتلال ضد الفلسطينيين والاحتجاجات في البحرين ضد التطبيع ساهمت في تراجع العلاقات الأمنية والعسكرية البحرينية الإسرائيلية، فللقضية الفلسطينية أهمية كبيرة لدى الجمهور البحريني، وهو ما يشكل عامل ضغط مباشر دفع البحرين بعد نحو شهر من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر لتأكيد مغادرة السفير الإسرائيلي المملكة وسحب السفير البحريني من تل أبيب، إضافة إلى وقف العلاقات الاقتصادية مع الكيان.

وبين مجلس النواب البحريني في بيان أن قراراتهم تأتي تأكيدا لموقف البحرين التاريخي الراسخ في دعم القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الذي أعلنه الملك حمد بن عيسى آل خليفة في جميع المؤتمرات والمناسبات، وأن استمرار الحرب على قطاع غزة والتصعيد الإسرائيلي المتواصل في ظل عدم احترام القانون الإنساني الدولي، يدفعان المجلس إلى المطالبة بالمزيد من الإجراءات التي تحفظ حياة وأرواح الأبرياء والمدنيين في غزة والمناطق الفلسطينية كافة.

كما أشار مجلس النواب إلى أن موقف ملك البحرين ثابت لا حياد عنه بالقضية الفلسطينية ويدعم حق الشعب الفلسطيني بإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وفقا للقرارات الدولية، في حين قالت خارجية الكيان الإسرائيلي إنها لم تُبلّغ من قبل حكومة البحرين أو الحكومة الإسرائيلية بأي قرار بسحب السفراء.

لكن مركز الاتصال الوطني، المكتب الإعلامي للحكومة البحرينية، أن عودة السفيرين إلى بلديهما حصلت "منذ فترة" لكنه لم يذكر مسألة قطع العلاقات الاقتصادية، وإن تمّ تأكيد القطع، ستصبح البحرين أول دولة عربية من بين تلك التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل، تُقدم على خطوة من هذا النوع منذ اندلاع الحرب.

البحرين ضمن تحالف بحري لدعم كيان الاحتلال

بعد أن دخل اليمن على خط المواجهة المباشرة وغير المباشرة مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، من خلال قصف الاحتلال بالصواريخ والمسيرات، أو من خلال استثمار الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر بفرضه الحصار على الكيان من خلال منعه السفن من التوجه إليه، بوصفه ممرا حيويا للمنطقة برمتها، تعمل الولايات المتحدة على تشكيل تحالف بحري متعدد الجنسيات في البحر الأحمر لمنع اليمنيين من استثمار الممرات البحرية، وإخراج اليمن من المواجهة، لتخفيف الضغط عن الكيان الإسرائيلي، وللمساعدة في حماية حركة العبور التجارية، وتستضيف البحرين مقر قيادة القوات البحرية المشتركة.

وذكرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مؤخراً أن أكثر من 20 دولة وافقت حتى الآن على المشاركة في التحالف المعروف باسم عملية "حارس الازدهار"، إذ أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خلال جولة في الشرق الأوسط أن العمليات ستنضم لها بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا وسيشل، إضافة إلى اليونان وأستراليا اللتين انضمتا مؤخراً لهذا التحالف، مشيراً إلى أن 8 بلدان على الأقل منها رفضت الإعلان عن مشاركتها، وسترسل هذه القوة متعددة الجنسيات سفنًا مزودة بمعدات تقنية، لهدف مباشر هو حماية كيان الاحتلال.

يبدو أن البحرين متأرجح في قراراته السياسية الخارجية، فهو يبني مواقفه بناء على مصالح ضيقة تخص السلطات الحاكمة فيه، دون الاستناد إلى مبدأ يحكم النهج السياسي، فهو راغب بالعلاقة مع كيان الاحتلال، لكنه بانتظار المباركة الإقليمية التي تأخرت بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

ختاماً يمكن القول إن أمريكا تقف وحيدة في هذا التحالف. فلم تشاركها أي دولة إقليمية أو حليفة لها من العرب إلا البحرين الدولة الصغيرة والتي لا تملك جيشاً قوياً، حيث يبدو أن مشاركتها تعود لوجود الأسطول البحري الأمريكي الخامس، ولا يمكنها أن تلعب أي دور آخر. كانت البحرين قد تلقت ضربة كبيرة من اليمن خلال العدوان السعودي، ففي بداية الحرب قُتل العشرات من جنود آل خليفة، وبعدها خرجت هذه الدولة من مشهد العدوان الذي فشل فشلاً ذريعاً أمام صمود اليمنيين، وها هي تكرر الظهور الشكلي لتكرر الخروج السريع قريباً من عدوان آخر على اليمن.

 مجد عيسى

 

المصادر:

1- https://cutt.us/teR5H

2- https://cutt.us/6y4wm

3- https://cutt.us/ujuJp

4-https://cutt.us/tCaLy

5- https://cutt.us/cA0HC

6- https://cutt.us/xEpqn

7- https://cutt.us/WytMy