الإبادة الجماعية الصامتة

تعدُّ منطقة قطاع غزة  منطقة صغيرة وكثيفة السكان،كما إنها  تعاني منذ سنوات من تحديات جسيمة في المجالين الإنساني والصحي بسبب الحصار الاقتصادي والهجمات العسكرية المكثفة من قبل إسرائيل. وفي عام 2024، وصل الوضع الصحي في غزة إلى مستوى حرج استدعى ردود أفعال من المنظمات الإنسانية وكذلك من دول غربية مثل بريطانيا.

ينايِر 16, 2025 - 11:56
ينايِر 18, 2025 - 15:44
الإبادة الجماعية الصامتة
الإبادة الجماعية الصامتة

تعدُّ منطقة قطاع غزة  منطقة صغيرة وكثيفة السكان،كما إنها  تعاني منذ سنوات من تحديات جسيمة في المجالين الإنساني والصحي بسبب الحصار الاقتصادي والهجمات العسكرية المكثفة من قبل إسرائيل. وفي عام 2024، وصل الوضع الصحي في غزة إلى مستوى حرج استدعى ردود أفعال من المنظمات الإنسانية وكذلك من دول غربية مثل بريطانيا. يُعد الوضع الصحي المتدهور في غزة مثالاً على تعقيد الصراعات السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط ويشكل إنذارًا خطيرًا للمجتمع الدولي والقيم الإنسانية حيث يتعين ملاحظة ما إذا كانت السياسة ستتفوق على الإنسانية أم لا زال يمكننا أن نأمل في قيم إنسانية رفيعة.

لقد تعرض النظام الصحي في غزة للتآكل الشديد بفعل سنوات من الحصار الاقتصادي والهجمات المستمرة. وقد تفاقمت هذه الحالة بعد السابع من أكتوبر حيث استهدفت إسرائيل بشكل متعمد البنى التحتية الصحية والعلاجية. ونتيجة لهذه الإجراءات تواجه المستشفيات والمراكز العلاجية في غزة نقصًا حادًا في الأدوية والمعدات الطبية والموارد البشرية المتخصصة. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية فإن العديد من المستشفيات تعمل فقط بنسبة 50% من طاقتها وغالبًا ما تضطر إلى رفض المرضى بسبب نقص الأسرة أو المعدات اللازمة.

كما تقدم التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية وحقوق الإنسان صورة مروعة عن الوضع في غزة. فالازدحام الشديد للمرضى في المستشفيات ونقص الأدوية الحيوية وغياب الإمكانيات اللازمة للجراحات الطارئة وظهور أمراض مثل الكوليرا والإسهال ليست سوى جزء من هذه الحالة المأساوية. الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن هم الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع في مواجهة هذه الأزمة.

جنبًا إلى جنب تسبب تلوث المياه وغياب نظام فعال للتخلص من النفايات في زيادة الأمراض المعدية والوبائية. الأطفال الذين يشكلون أكثر من نصف سكان غزة معرضون بشكل كبير لسوء التغذية والأمراض الناجمة عن نقص المواد الغذائية والمياه الصالحة للشرب. بالإضافة إلى ذلك فإن الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي وقيود استيراد الوقود قد قلصت بشدة من قدرة المستشفيات على تقديم الخدمات الطارئة. يبدو أن الهدف من هذه الضغوط الكبيرة على المدنيين يتجاوز حركة حماس ليشمل الشعب الفلسطيني، خصوصًا الأطفال. في الواقع تسعى حكومة إسرائيل إلى تنفيذ إبادة جماعية مستهدفة تركز على الأطفال بهدف تقليل عدد السكان في غزة، ومن ثم تغيير التركيبة السكانية لصالحها على المدى الطويل. يمكن ملاحظة هذا النهج في تصريحات السياسيين الإسرائيليين حيث يتحدثون بلا مبالاة عن قتل وتدمير جميع الفلسطينيين أو النساء والأطفال دون خوف من عواقب ذلك.

الأوضاع المأساوية في غزة
أثارت الأوضاع المأساوية في غزة ردود فعل واسعة من قبل دول مختلفة في العالم بما في ذلك بعض مؤيدي إسرائيل. ومن أبرز هذه الردود تصريحات الممثل الدائم لبريطانيا في الأمم المتحدة الذي أكد في كلمته على أن الظروف الإنسانية في غزة قد بلغت حدًا من الخطورة لا يمكن قبوله. وتطرق أيضًا إلى أن بريطانيا بصفتها دولة داعمة لإسرائيل تدعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتسهيل الوصول إلى المساعدات الإنسانية ورفع القيود المفروضة على غزة في إطار القانون الدولي ودعم المدنيين. تعكس هذه المواقف قلق بريطانيا الإنساني ولكنها أيضًا تكشف التعقيدات في علاقات هذه الدولة مع إسرائيل. فقد كانت بريطانيا كداعم قديم لنظام إسرائيل تدعم العمليات العسكرية الإسرائيلية تحت مسمى "الدفاع عن النفس"، رغم انتقاداتها لوضع غزة. هذا التضارب يظهر التحديات السياسية والدبلوماسية التي تعيق تشكيل إجماع عالمي لحل أزمة غزة.

إن وضع غزة يمثل اختبارًا للمجتمع الدولي كما إن الصمت واللامبالاة إزاء هذه المأساة الإنسانية ليسا فقط غير مقبولين بل قد يؤديا إلى عواقب وخيمة أخرى. فالحصار الاقتصادي الذي يعد أداة ضغط على حماس أدى فعليًا إلى تفاقم معاناة الناس العاديين. وفي هذا السياق يجب على الأمم المتحدة والدول المؤثرة اتخاذ إجراءات أكثر جدية لإنهاء الحصار وضمان وصول سكان غزة إلى الخدمات الصحية والمياه والغذاء. من بين الخطوات الضرورية تعزيز المساعدات الإنسانية وزيادة الضغط الدبلوماسي على إسرائيل وحماس لقبول وقف إطلاق النار المستدام والتعاون في تحسين البنى التحتية الأساسية لغزة. في الواقع تعتبر الحالة الإنسانية المتدهورة حاليًا هي الأهم حيث يجب الضغط على إسرائيل للسماح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة. كما ينبغي على دول العالم من خلال المنظمات الدولية مثل الصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية توفير الإمكانيات اللازمة لإعادة بناء نظام الصحة في غزة.

في النهاية يمكن القول إن الأزمة الصحية في غزة هي مأساة إنسانية تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة ومنسقة من قبل المجتمع الدولي. تُظهر هذه الأزمة كيف أن السياسات الخاطئة وتجاهل القضايا الإنسانية يمكن أن تؤدي إلى كوارث واسعة النطاق. إن إنهاء أزمة غزة يتطلب تغييرًا في السياسات السياسية والدبلوماسية. يجب على المجتمع الدولي إعطاء الأولوية للقيم الإنسانية وحقوق الإنسان والسعي إلى منع تكرار مثل هذه الفجائع. لقد حان الوقت لكي تعيد الدول الغربية بما في ذلك بريطانيا النظر في سياساتها والتركيز على الحلول المستدامة والإنسانية بدلاً من المصالح السياسية قصيرة المدى. فقط من خلال هذا المسار يمكن أن نأمل في تحسين الأوضاع في غزة وعودة السلام الدائم.