اجتماع سان فرانسيسكو والجهود المبذولة من أجل الدبلوماسية البناءة

مرت أيام قليلة على اجتماع زعيمي القوتين العالميتين، الصين والولايات المتحدة، في سان فرانسيسكو، وتناقش هذان الرئيسان وجهاً لوجه مرة أخرى بعد مرور عام من الزمن. وبحسب الخبراء فإن هذا الاجتماع يمكن أن يمهد الطريق لمزيد من التفاعل بين هذين البلدين المهمين والفعالين على مستوى النظام الدولي.

نوفمبر 22, 2023 - 11:29
اجتماع سان فرانسيسكو والجهود المبذولة من أجل الدبلوماسية البناءة

مرت أيام قليلة على اجتماع زعيمي القوتين العالميتين، الصين والولايات المتحدة، في سان فرانسيسكو، وتناقش هذان الرئيسان وجهاً لوجه مرة أخرى بعد مرور عام من الزمن. وبحسب الخبراء فإن هذا الاجتماع يمكن أن يمهد الطريق لمزيد من التفاعل بين هذين البلدين المهمين والفعالين على مستوى النظام الدولي. وفي الواقع، يمكن أن يكون هذا الاجتماع مقدمة لحل الخلافات العميقة وسوء الفهم بين البلدين فيما يتعلق بسلوك كل منهما، ويمكن لهذين البلدين من خلال الحوار والدبلوماسية أن يفهموا جذور هذه الخلافات ومحاولة حلها والحد منها.

ويحظى اللقاء بين الرئيسين بأهمية خاصة في ظل الوضع المتوتر الحالي في العالم. والصين التي حاولت دائما أن تظهر كقوة عظمى، كان ينظر إليها كقوة عظمى في هذا الاجتماع، وقد أظهرت الطلبات التي قدمتها الولايات المتحدة هذه القضية. وفي هذا اللقاء، طلب السيد بايدن من الرئيس الصيني استخدام قدراته لاستعادة النظام والاستقرار في النظام الدولي. وتحديداً، كانت هذه الطلبات تتعلق بالسيطرة على إيران والضغط عليها، وكذلك التفاوض مع حماس، وبالطبع عدم بيع الأسلحة لروسيا والضغط على روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا [1].

بالإضافة إلى ذلك، قدم السيد شي أيضًا طلبات محددة من الولايات المتحدة، مثل إزالة العقوبات التكنولوجية والسماح للمستثمرين الأجانب بالاستثمار في الصين. علاوة على ذلك، لم يتم إحراز تقدم كبير في أكبر نقطة توتر بين القوتين العظميين، وهي تايوان. ويشعر الخبراء في الصين - وبعضهم في الولايات المتحدة - بالقلق من أن الدعم الشفهي الذي تقدمه إدارة بايدن للجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي، والتي تعتبرها الصين جزءًا من أراضيها، ينحرف عن مبدأ "الصين الواحدة" الذي تدعمه الولايات المتحدة رسميًا. وقال شي إنه يتعين على الولايات المتحدة "التوقف عن تسليح تايوان ودعم إعادة التوحيد السلمي للصين"، مضيفا أن "قضية تايوان هي القضية الأكثر أهمية وحساسية" في العلاقات الثنائية. وقال بايدن إن الولايات المتحدة ستواصل تسليح تايوان كوسيلة ردع. وبلغت مخاوف الصين بشأن الدعم الأمريكي لتايوان ذروتها العام الماضي عندما زارت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي الجزيرة. وأدى ذلك إلى رد فعل غاضب من بكين وتعليق العديد من قنوات الاتصال، بما في ذلك قنوات الاتصال الخاصة بمكافحة المخدرات والجيش. وأظهرت هذه التوترات علامات تراجع في اجتماع سان فرانسيسكو، حيث اتفق الزعيمان على استئناف المحادثات العسكرية وتوصلا أيضًا إلى اتفاق بشأن الفنتانيل (وهي مادة مخدرة).[2]

إن مدى اهتمام قادة البلدين بالمطالب الأساسية والمهمة للطرف الآخر وتنفيذها ينبغي رؤيته وتقييمه مع مرور الوقت. لكن القضية الواضحة هنا هي تغير لهجة البلدين من العداء إلى الود.

أشادت الصين باللقاء "الدافئ" بين شي جين بينغ وجو بايدن في كاليفورنيا، وذلك من خلال تحول خطابي ملحوظ. وذكر تقرير لوزارة الخارجية الصينية أن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين هي "أهم علاقة ثنائية في العالم" وأن "صين مستقرة ومتنامية أمر جيد للولايات المتحدة والعالم أجمع". وتحول الخطاب الرسمي لبكين من موقف أكثر عدوانية ضد الولايات المتحدة إلى لهجة أكثر تصالحية في الأشهر الأخيرة. وفي افتتاحية حديثة لصحيفة الشعب اليومية، الصحيفة الرسمية للحزب الشيوعي، وصفت الولايات المتحدة بأنها "صديق قديم". وأكدت هوا تشون ينغ، مساعدة وزير الخارجية الصيني والمتحدثة باسم وزارة الخارجية، على التقارب بين الولايات المتحدة والصين على المستوى الشخصي والسياسي. ونشرت صورة على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر الزعيمين وهما يبتسمان معا، ويبدو أن بايدن أظهر صورة على هاتفه للرئيس الصيني وهو شاب أمام جسر البوابة الذهبية. ونشر الرئيس الصيني شي جين هوا أيضًا صورة لطائرات النمور المقاتلة، وهي سرب من الطائرات يقودها الطيارين المقاتلين الأمريكيين الذين ساعدوا في الدفاع عن الصين ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية، وقال إن الشعبين الأمريكي والصيني لن ينسيا بعضهما البعض أبدًا. وفي الأشهر الأخيرة، أحيت بكين قصة النمور الطائرة كمثال للتعاون الإيجابي بين الولايات المتحدة والصين. ومع ذلك، أشارت الصين في اجتماع شي وبايدن إلى أنه "لا ينبغي للولايات المتحدة أن تخطط لقمع الصين واحتوائها"، وهي لغة يقول المحللون إنها تهدف إلى احتواء الحرب الباردة في الصين. وسبق أن اتهمت بكين واشنطن بإدامة "حرب باردة جديدة"، لكن يقال إن بايدن أكد مجددا في اجتماع الخميس أن هذه لم تكن نيته. وفي حفل عشاء استضافه مجلس الأعمال الأمريكي الصيني واللجنة الوطنية للعلاقات الأمريكية الصينية يوم الأربعاء، أشاد شي بالنمور الطائرة وقال إنه كان على اتصال ببعضهم عن طريق الرسائل. وقال شي "السؤال الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة والصين هو: هل نحن أعداء أم شركاء؟". و قال: " إن الصين لا تقامر أبدا ضد الولايات المتحدة، ولا تتدخل أبدا في شؤونها الداخلية. ولا تعتزم الصين تحدي الولايات المتحدة أو تقويض قوتها. وبدلاً من ذلك، سنكون سعداء برؤية الولايات المتحدة آمنة، ومنفتحة، ومتنامية، ومزدهرة. وعلى نحو مماثل، لا ينبغي للولايات المتحدة أن تقامر ضد الصين أو تتدخل في شؤون الصين الداخلية. وبدلا من ذلك، ينبغي لها أن ترحب بصين مسالمة ومستقرة ومزدهرة."[3].

الصين متفائلة؟

وراء الكلمات الدافئة المتبادلة بين شي وبايدن، لا تزال هناك عدة نقاط توتر. إحداها هو حقيقة أنه في ظل المشاكل الاقتصادية التي تواجهها الصين، قامت الولايات المتحدة بتشديد القيود على صادرات التكنولوجيا الفائقة. إن القواعد التي تؤثر على تصدير تكنولوجيا صناعة الرقائق، والتي تهدف إلى الحد من قدرة الصين على تطوير أشباه الموصلات الأكثر تقدما، سوف تدخل حيز التنفيذ قريبا، وهو الأمر الذي ستعمل الصين جاهدة على إلغاءه.

ويبدو أن القوتين توصلتا إلى نتيجة مفادها أن الحوار هو أفضل وسيلة لحل التوترات في هذا الوقت، وإذا تجاوزت التوترات والتحديات العتبة، فقد يؤدي ذلك إلى كارثة كبيرة في النظام الدولي. على أية حال، يمكن أن يصبح هذا اللقاء مقدمة قيمة لتعميق حوارات الأطراف وجهودها للحد من مختلف القضايا والتحديات على المستوى العالمي. كما أن هذا التفاعل يحتاج إلى وقت والحفاظ على المصالح المشتركة. وقد تكون هذه القضية مكلفة بعض الشيء بالنسبة لأمريكا لأنها ليست على استعداد كبير للمشاركة في إدارة هيكل النظام الدولي ويبدو أن هذا النهج هو منعطف تكتيكي ومؤقت وليس استراتيجية طويلة المدى والصين تدرك  هذه المسألة. وينبغي أن نرى ما هي التأثيرات التي ستتركها تحركات وعناصر هذه القوة على تفاعل الأطراف وبالطبع على بنية النظام العالمي في المستقبل. فهل ينتهي بنا الأمر إلى الدخول في حرب باردة جديدة أو نظام متعدد الأقطاب حيث لم تعد الولايات المتحدة هي القائدة فيه.

امین مهدوی

 

 [1] nbcnews.com

[2] apnews.com

[3] theguardian.com