إمبراطورية أردوغان
رجب طيب أردوغان يعتبر من أكثر الشخصيات السياسية تأثيراً في تاريخ تركيا، حيث بدأ فترته بجهود كبيرة لإعادة النظر في الهيكل الدستوري لهذا البلد. وكانت محاولته لتركيز السلطة وإعادة تعريف المشهد السياسي في تركيا واحدة من الموضوعات المستمرة في استراتيجيته السياسية.
رجب طيب أردوغان يعتبر من أكثر الشخصيات السياسية تأثيراً في تاريخ تركيا، حيث بدأ فترته بجهود كبيرة لإعادة النظر في الهيكل الدستوري لهذا البلد. وكانت محاولته لتركيز السلطة وإعادة تعريف المشهد السياسي في تركيا واحدة من الموضوعات المستمرة في استراتيجيته السياسية. وأبرز مثال على هذه الجهود كان التحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي في عام 2017 الذي أفضى إلى تغيير جذري في توازن القوة في تركيا وتركز السلطة في يد الرئيس. (1)
في أحدث مساعيه يبدو أنه يسعى إلى إصلاح الدستور ويجمع هذا العمل بين الطموح الشخصي والبراغماتية السياسية ورؤيته للأمة التركية التي يدعي أنها مبنية على الاستقرار والقوة، لكن النقاد يعتقدون أن هذه الجهود تضعف المبادئ الديمقراطية والأمن الإقليمي.
تلعب جالية الأكراد في تركيا دورًا مهمًا في سياسات أردوغان. فقد حاول أن يجذب دعم الأكراد له في السنوات الأولى من حكمه من خلال وعود بالحقوق الثقافية ومبادرات للسلام بما في ذلك عملية السلام من 2013 إلى 2015 لحل النزاع مع حزب العمال الكردستاني، ولكن مع فشل هذه العملية استؤنفت النزاعات وتبنت حكومة أردوغان نهجًا صارمًا ضد الأكراد. على الرغم من ذلك لا يزال الأكراد قوة سياسية كبيرة لا يمكن تجاهلها في المعادلات السياسية.(2)
ومع ذلك يدرك أردوغان أهمية التأثير الانتخابي للأكراد. وفي سعيه للحصول على الأغلبية البرلمانية اللازمة للتغييرات الدستورية يمكن أن تكون أصوات الأكراد حاسمة، وتخلق هذه الحالة تناقضًا؛ حيث أن سياسات أردوغان غالبًا ما استبعدت المجتمعات الكردية، لكن بقائه السياسي وطموحاته قد يعتمد على دعمهم. وقد أدى هذا الانتماء إلى تغييرات تكتيكية، بما في ذلك إدخال مرشحين مؤيدين للأكراد في الانتخابات المحلية واستغلال القيم الدينية والمحافظة التي تلقى صدى لدى أجزاء من الناخبين الأكراد. ومع ذلك تُعتبر هذه الإجراءات من قبل العديد من الأكراد فرص سياسية مؤقتة وليست خطوات حقيقية.
تعتمد قدرة أردوغان على التنقل في المشهد السياسي المعقد في تركيا أيضًا على إدارته لأزمة اللاجئين السوريين. إذ تحتوي تركيا على أكبر عدد من اللاجئين السوريين في العالم، وهو واقع أثر على السياسة الداخلية لهذا البلد. في الانتخابات السابقة قدم أردوغان سياسته القاضية بفتح الأبواب كعمل إنساني يتماشى مع المسؤوليات التاريخية والدينية لتركيا. وفي الوقت نفسه استغل وجود اللاجئين لإثارة المشاعر القومية مقدماً نفسه كزعيم يحمي تركيا من التهديدات الخارجية بينما يساعد في الوقت ذاته المحتاجين.
في الانتخابات السابقة استطاع أردوغان من خلال استخدام أزمة اللاجئين جذب دعم مجموعات مختلفة ولكن الضغوط الاقتصادية والتوترات الاجتماعية جعلت هذه الاستراتيجية موضع جدل. وقد اتهمه المعارضون بتفضيل اللاجئين على المواطنين الأتراك واستغلال الوضع سياسيًا. ومع ذلك لا يزال أردوغان يستخدم هذا الموضوع في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي وفي السياسة الداخلية والآن مع التغيرات في سوريا قدم وعدًا بعودة اللاجئين إلى وطنهم.
بالإضافة إلى ذلك تضيف رؤية أردوغان العثمانية الجديدة بُعدًا آخر من التعقيد إلى المشهد السياسي في تركيا. حيث تسعى هذه الإيديولوجية إلى إحياء نفوذ تركيا في الأراضي العثمانية السابقة، والتي كان لها دور أساسي في رسم سياساته الداخلية والخارجية. وفي داخل البلاد تتجلى هذه الرؤية من خلال الجهود الرامية إلى تعزيز القيم الإسلامية المحافظة وتصوير تركيا كقوة عظمى تستعيد دورها التاريخي. وعلى الصعيد الدولي تتحول هذه الرؤية إلى سياسات جريئة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وشرقي البحر الأبيض المتوسط.
بينما تعتبر هذه الرؤية جذابة لقاعدة مؤيدي أردوغان الشعبية، فإنها تحمل أيضًا مخاطر كبيرة. إن السعي لتحقيق الطموحات العثمانية الجديدة قد أدى إلى توتر العلاقات بين تركيا وجيرانها الإقليميين والقوى العالمية. كانت التدخلات في سوريا وليبيا والعراق إلى جانب النزاعات المتعلقة بمصادر الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط قد زادت من التوترات وأثقلت تركيا بتحديات دبلوماسية كبيرة. علاوة على ذلك أدى خطاب أردوغان وأفعاله إلى تفاقم الانقسامات الوطنية والطائفية مما أضعف الاستقرار الإقليمي.
تُعد العواقب المترتبة على سياسات أردوغان بالنسبة لمستقبل تركيا عميقة. إن جهوده لتعديل الدستور وتركيز السلطة تحمل خطر إضعاف المؤسسات الديمقراطية وتعزيز الاستبداد. لقد أضعف تهميش الأصوات المعارضة وتقييد حرية الإعلام وتسييس النظام القضائي النسيج الديمقراطي لتركيا. إذا ما نجح أردوغان في طموحاته الدستورية فإن تركيز السلطة قد يكتم التنوع السياسي ويزيد من الفجوات الاجتماعية.
بالإضافة إلى ذلك فإن النهج المعقد الذي يتبعه أردوغان تجاه الأكراد ومشكلة اللاجئين يشكل تحديًا جادًا لاستقرار هذا البلد على المدى الطويل والمصالح السياسية اللحظية. يمكن أن يؤدي هذا النهج إلى انقسام في المجتمع التركي.
على الصعيد الإقليمي تعمل طموحات أردوغان للعثمانية الجديدة كسيف ذي حدين. بينما تقدم هذه الطموحات تركيا كقوة إقليمية فإنها أيضًا تثير مقاومة وقوة رد فعل لدى دول الجوار. يمكن أن يؤدي هذا النهج إلى تصاعد الصراعات ويجعل أمن تركيا والمنطقة في خطر.
نتيجة لذلك، فإن الأفعال السياسية لأردوغان تعكس طموحاته وواقعيته وإيديولوجيته. وتركيزه على تعديل الدستور وجذب تأييد الأكراد وإدارة أزمة اللاجئين يؤكد على مركزية السلطة، ولكن تكاليفه كانت باهظة جداً. لقد أضعفت هذه السياسات المؤسسات الديمقراطية في تركيا وهددت التماسك الاجتماعي وزادت من عدم الاستقرار الإقليمي. إن حلمه للعثمانية الجديدة رغم جذابيته لدى البعض، يحمل خطر تعزيز الاستبداد وزيادة التوترات الإقليمية وستكون للاختيارات الحالية لتركيا عواقب عميقة على المستقبل واستقرار المنطقة.
1. bbc
2. irdiplomacy