إعادة التصعيد الأمريكي في البحر الأحمر

أصدر الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية بيانا أعلن فيه وجود أكثر من 3000 عنصر من عناصر مشاة البحرية في البحر الأحمر ، معلنا أن البحارة الأمريكيين ومشاة البحرية دخلوا البحر الأحمر بعد عبور قناة السويس.

Aug 22, 2023 - 15:10
إعادة التصعيد الأمريكي في البحر الأحمر
إعادة التصعيد الأمريكي في البحر الأحمر

أصدر الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية بيانا أعلن فيه وجود أكثر من 3000 عنصر من عناصر مشاة البحرية في البحر الأحمر ، معلنا أن البحارة الأمريكيين ومشاة البحرية دخلوا البحر الأحمر بعد عبور قناة السويس. وقال بيان صادر عن الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية إن الجنود وصلوا إلى البحر الأحمر على متن حاملتي الطائرات يو إس إس باتان ويو إس إس كارتر هول، مما يمنح الأسطول الخامس المزيد من القدرات البحرية والمرونة. يو إس إس باتان هي سفينة هجومية مائية يمكنها حمل الطائرات المجنحة و الهلكوبترات بالإضافة إلى قدرتها على حمل فرقاطة برمائية. كما إن يو إس إس كارتر هول هو رصيف لهبوط السفن الضخمة حيث يحمل مشاة البحرية ومعداتهم وتجهيزاتهم ويؤمن إيصالهم إلى البر.[1]

وقد رصدت القوات البحرية في صنعاء عبور هذه القوات في المياه الدولية في البحر الأحمر وأعلنت أنها مستعدة لأي معركة مع الولايات المتحدة. نشرت قوات خفر السواحل في صنعاء قوارب وسفن مراقبة بحرية على بعد ميلين من ممر الشحن الدولي لمراقبة أي اختراق أمريكي للمياه الإقليمية اليمنية. وتجري زوارق تابعة للبحرية اليمنية دوريات مكثفة في المناطق التي تسيطر عليها حركة أنصار الله ، والتي تضم 18 جزيرة في البحر الأحمر لمراقبة أي تحركات عدائية.

وفي أول تصريح رسمي له من صنعاء حول التطورات الأخيرة، أكد قائد قوة الدفاع الساحلي اللواء محمد القادري أن قواته تراقب القوات الأمريكية منذ دخولها قناة السويس، مؤكدا استعداد البلاد للرد ومنع أي اقتراب من المياه الإقليمية اليمنية. ووصف الوجود العسكري للقوات الأمريكية والصهيونية في البحر الأحمر وباب المندب بأنه استفزازي، وحذر من أن البحرية اليمنية لديها القدرات والمفاجآت لردع العدو. مشيرا إلى أننا مازلنا ضمن فترة وقف إطلاق النار وخفض التصعيد ، وأكد القادري أيضاً أننا أنشأنا وطورنا قدراتنا بطريقة غير مسبوقة.

من ناحية أخرى ، عززت القوات الأمريكية وجودها، خاصة في جزيرة الميون الاستراتيجية. حيث تقوم القوات الأمريكية بين الحين والآخر بتسيير دوريات في البحر الأحمر وباب المندب في طرق الشحن الدولية، وتبحر سفن البحرية الأمريكية أحيانا من جزيرة الميون إلى القاعدة البحرية الأمريكية في جيبوتي. تكمن أهمية الميون في حقيقة أنها تشرف على الممر الذي تسعى واشنطن للسيطرة عليه. بالمناسبة، يتركز أكبر وجود أمريكي في جزيرة الحنيش الكبرى، حيث أنشأت واشنطن مركزا لتتبع السفن بالإضافة الى غرفة عمليات بحرية.[2]

السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا في مثل هذا الوقت زاد الأمريكيون قواتهم في البحر الأحمر؟ جواباً لذلك لابد من القول أن أي طرف متورط بشكل مباشر أو غير مباشر في الحرب في اليمن ، وهي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وأنصار الله والصين وعمان وقطر والأردن وغيرهم. يبدو أنهم يريدون وضع الحرب وراءهم وقد تم وقف إطلاق النار منذ أكثر من عام، وتتسارع محادثات السلام بما في ذلك تبادل الأسرى. ومع ذلك نرى أن أمريكا ليست حريصة على إنهاء الحرب.[3]

شعر الأمريكيون، الذين زعموا أنهم يحاولون إنهاء الحرب المدمرة في اليمن بعد إدارة بايدن ، وبعد الإتفاق الإيراني السعودي لاستعادة العلاقات ظنوا أن الصفقة يمكن أن تكون لها تأثير إيجابي على قضية اليمن وتساعد في إنهاء الحرب. ومنذ ذلك الحين بدأت واشنطن بخلق العراقيل، و تزامناً مع المحادثات السعودية اليمنية، قام مسؤولون أمريكيون كبار برحلات متتالية إلى الرياض، مما أدى إلى تعطيل المفاوضات. كانت الولايات المتحدة أكبر داعم للغزاة في الحرب في اليمن على مدى السنوات الثماني الماضية والسبب الرئيسي لإطالة أمدها حتى لا تخسر على الأقل مصدر الإيرادات الضخم الذي كسبته من خلال بيع الأسلحة للتحالف السعودي، حتى الإدارة الديمقراطية لجو بايدن، الذي كان يناور على سيناريو إنهاء الحرب في اليمن منذ دخوله البيت الأبيض، لم يتخذ أي خطوات جادة في هذا الصدد ورفض إغلاق قضية حرب اليمن على الرغم من الأزمة في أوكرانيا. أكد مسؤولون في صنعاء، بمن فيهم مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن ، مرارا وتكرارا أن الولايات المتحدة تمنع تقدم نتائج محادثات السلام إعلان النهاية الرسمية للحرب في اليمن، وتسعى الولايات المتحدة لتأمين مصالحها من خلال استغلال الصراع في اليمن.[4]

إلى جانب الأنشطة العسكرية ، تستمر التحركات الدبلوماسية للأمريكيين. أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن المبعوث الأمريكي الخاص لليمن، تيم لاندرينج، سيزور الخليج الفارسي كجزء من الجهود للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في اليمن و "إطلاق عملية سلام شاملة". وقال بيان وزارة الخارجية الأمريكية إن لاندراكينغ سيجتمع مع شركاء يمنيين وسعوديين وإماراتيين وعمانيين ودوليين خلال زيارته لبحث الخطوات اللازمة لضمان وقف دائم لإطلاق النار وبدء عملية سياسية شاملة ، بوساطة الأمم المتحدة، وضمان استمرار الجهود لتخفيف الأزمة والمعاناة الاقتصادية. وفي الوقت نفسه، أدلى المبعوث الأمريكي الخاص لليمن بتصريحات ساخرة حول المحادثات قبل أربعة أشهر. وقال:"لا أتوقع حلا دائما للصراع المستمر منذ ما يقرب من ثماني سنوات في اليمن بين عشية وضحاها ؛ فالعملية السياسية ستستغرق وقتا ومن المرجح أن تواجه العديد من المشاكل". [5] أظهرت التجربة أن الأمريكيين يستخدمون بطاقات مختلفة في مواجهة قضايا مختلفة ؛ فمن ناحية يجعلون الأمور أكثر توترا من خلال زيادة قواتهم العسكرية ، ومن ناحية أخرى يقومون بإيماءات سلمية وذلك من خلال إرسال دبلوماسييهم.

من بين التدخلات الأمريكية في مفاوضات اليمن، قال مصدر مطلع على الأمر إن الحكومة الأمريكية سلمت رسالة إلى حكومة الإنقاذ الوطني اليمنية عبر القنوات الدبلوماسية، قائلا إنه إذا لبت صنعاء مطالب واشنطن الثلاثة ، فإن حرب اليمن ستنتهي. قائمة هذه المطالب هي كما يلي:

أولا، باب المندب هو مضيق دولي وليس يمنيا: البحر الأحمر وخليج عدن يربطان المحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط، وهي منطقة ذات أهمية جيوسياسية لتدفق النفط وحركة المرور الدولية بحيث تمتلك الولايات المتحدة واحدة من أكبر قواعدها على الجانب الآخر من مضيق باب المندب وهي جيبوتي. كذلك مضيق باب المندب هو أيضا يذكرهم بحدث مرير للولايات المتحدة والنظام الصهيوني. ففي حرب أكتوبر 1973، وجهت الجيوش العربية ضربة قاتلة لإسرائيل بإغلاق مضيق باب المندب وتخشى الولايات المتحدة من أن يتم تنفيذ هذا السيناريو من قبل اليمن هذه المرة، وهو سيناريو متوقع بالإضافة إلى المصالح البحرية والتجارية لإسرائيل، ويهدد بشدة المصالح العسكرية الأمريكية.

في 15 مارس 2017 ، أبلغ جوزيف فوتيل، القائد الأعلى للولايات المتحدة في المنطقة، لجنة القوات المسلحة بالكونجرس الأمريكي ، أن "المصالح الحيوية لأمريكا على المحك".  أصبح مضيق باب المندب موقعا عسكريا ومجهزا بمجموعة متنوعة من المعدات الدفاعية، بما في ذلك الصواريخ الساحلية وأنظمة الرادار والألغام والقوارب المحملة بالمتفجرات وما إلى ذلك .. وهذا تهديد كبير لعملياتنا الأمنية.

ثانيا ، يجب على اليمن الالتزام بأن لا يكون مصدر تهديد لإسرائيل: لطالما اعتبرت حركة أنصار الله اليمنية النظام الصهيوني العدو المشترك لجميع العرب والمسلمين وأكدت على ضرورة مواجهة هذه الغدة السرطانية ودعم القضية الفلسطينية. كما حذر اليمنيون مرارا نظام الاحتلال من أن أهدافه مهددة بالصواريخ اليمنية. كما يعتقد المسؤولون العسكريون والسياسيون الإسرائيليون أنه في الحرب القادمة مع جماعات المقاومة، يعد اليمن أحد الجوانب الرئيسية للمقاومة التي يمكن أن تحاصر فلسطين المحتلة. بالإضافة إلى ذلك، بعد الكشف عن التدخل العسكري الإسرائيلي في حرب اليمن إلى جانب التحالف العدواني ، أصبح لدى اليمنيين دافع جاد لمحاربة النظام الإسرائيلي.

ثالثا، إنهاء نفوذ إيران في اليمن: يعتقد الأمريكيون أن نفوذ إيران في المنطقة واليمن مستمر في الزيادة ، وأن وجود إيران في المنطقة الاستراتيجية مثل اليمن يمكن أن يؤثر على العديد من الحالات الإقليمية. لذا فإن واشنطن تريد من حكومة الإنقاذ الوطني اليمنية قطع علاقاتها مع إيران أو على الأقل تقليصها.

كما قال المصدر، رفضت حكومة صنعاء كل هذه الطلبات الأمريكية. وأكدت صنعاء أنها لن تتخذ أي عمل عسكري يضر بطرق الملاحة البحرية أو يؤثر على أمن المنطقة. العلاقات بين طهران وصنعاء هي أيضا علاقة ودية. كما أن اليمن لا يقبل المطلب الأمريكي الثاني على الإطلاق ، لأن حماية مصالح إسرائيل هي انتهاك للهوية العربية والإسلامية لليمن.[6]

يظهر تقدير الوضع أن الأمريكيين غير راضين عن الوضع في اليمن على الإطلاق؛ فمن ناحية ، فإن القوى المعارضة لحكومة الإنقاذ الوطني اليمنية منقسمة وتقاتل من أجل منافع أكبر ، ومن ناحية أخرى ، فإن التحالف الذي يغزو اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية مع تجربة الضربات المؤلمة التي تلقوها من أنصار الله، ليسوا على استعداد لمواصلة الحرب وإنفاق المزيد من الأموال في اليمن. لهذا السبب تحاول الولايات المتحدة تسوية الأمور من خلال زيادة قواتها وبسط سيطرتها.

 محمدصالح قربانی

[1] euronews.com

[2]syaaq.com

[3] mizanonline.ir

[4] alef.ir

[5] irna.ir

[6] alef.ir