إسبانيا والتحديات التي لا نهاية لها؟

أظهرت الانتخابات الإسبانية الأخيرة التي أجريت في يوليو/تموز الماضي انقسامات واضحة في المجتمع الإسباني. حيث تمكن التياران اليمينيان المتطرفان بقيادة نونيز فيجو والاشتراكيون بقيادة بيدرو سانشيز من الفوز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان.

ديسامبر 2, 2023 - 14:59
إسبانيا والتحديات التي لا نهاية لها؟
إسبانيا والتحديات التي لا نهاية لها؟

أظهرت الانتخابات الإسبانية الأخيرة التي أجريت في يوليو/تموز الماضي انقسامات واضحة في المجتمع الإسباني. حيث تمكن التياران اليمينيان المتطرفان بقيادة نونيز فيجو والاشتراكيون بقيادة بيدرو سانشيز من الفوز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان. وينبغي على هذين الحزبين أن يتحدا مع الأحزاب الأخرى لتشكيل الحكومة، على اعتبار أنهما لم يحصلا على أغلبية برلمانية مهمة، في هذا السياق، ومع الأخذ بالاعتبار رغبة بيدرو سانشيز في التعاون مع الأحزاب الساعية للاستقلال في الباسك والكتالونية، ستكون فرصته في تشكيل حكومة أعلى بكثير. [1]وطرأ شيء ما في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني على الرغم من المعارضة الواسعة من اليمين وحتى المظاهرات الحاشدة في الشوارع ضد سياسات سانشيز، فقد تمكن من الحصول على 179 صوتا لتشكيل حكومة وتمديد فترة ولايته كرئيس للوزراء.

ماذا حدث في البرلمان؟

بعد الاحتجاجات الكبيرة للأهالي في مدريد والتي كانت تحديداً حول قانون العفو عن القادة الانفصاليين الذي وعدهم به سانشيز في حال التحالف لتشكيل الحكومة، كانت الأجواء في برلمان هذا البلد متوترة للغاية وكثيرون كانوا ينتظرون خطابات وأعذار السيد سانشيز. وكانت هذه الاحتجاجات، التي نظمت في مدريد لمدة يومين بناء على طلب حزب فوكس اليميني المتطرف، لزيادة الضغط على سانشيز. في الواقع كانت التيارات اليمينية تحاول أن تلقي بظلالها على جلسة البرلمان بهذه المظاهرة في الشوارع وأن يكون لها وسيلة ضغط فعالة ضد رئيس الوزراء.

إلى جانب ذلك، كان اليمين المتطرف ينتظر خطأ من السيد سانشيز، والذي يمكن أن يستخدمه لتعزيز الاحتجاجات. كما أن موقف رئيس الوزراء في حال كان قاسياً أو ضد المتظاهرين قد يؤدي إلى تفاقم الوضع. ويعتقد المتظاهرون أن هذا القانون من شأنه أن يقوض الأمن القومي في إسبانيا ويزيد من تفتيت البلاد، وهي القضية التي رفضها بيدرو سانشيز، ويعتقد أن قانون العفو يصب في صالح الديمقراطية في إسبانيا.

كانت هناك قضيتان مهمتان للغاية في اجتماع البرلمان. الأول كان التوضيح الذي طال انتظاره من المرشح الرئاسي بيدرو سانشيز بشأن قانون العفو الذي تم التفاوض عليه مع حركة الاستقلال الكاتالونية. ثانياً، أجواء عدم الثقة بالمؤسسات التي تعيشها إسبانيا هذه الأيام، وهذا الحدث تقوده حركة اليمين وسيبدو وكأنه رافعة ضغط أخرى بجانب مظاهرات الشوارع للحكومة الجديدة[2].

وفي الجلسة البرلمانية، بدأ المرشح الاشتراكي كلمته بالاحترام لأولئك الذين احتجوا سلمياً على خططه ومعاهداته في الأيام الأخيرة، لكن الأمر استغرق ساعة و25 دقيقة لاستخدام كلمة العفو. وقام شانشيز بتقديم عرضه لشرح سبب تبرير الصفقات الصعبة للغاية التي تمكن من التوسط فيها - بما في ذلك إجراءات العفو التي رفضها قبل أشهر فقط - للحفاظ على التحالف التقدمي في الحكومة. ولم يعتبر أن أسباباً عدة، من بينها منع تطور اليمين المتطرف، غير مؤثرة في هذا القرار. في الواقع، حاول سانشيز إدارة الأجواء المتوترة وتجنب تأجيج النزاعات.

إلى جانب ذلك، رسم سانشيز سيناريو عالمي يتسم بتحديات مثل الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط و حالة الطوارئ المناخية و عدم المساواة بين الرجال والنساء أو عدم المساواة الاقتصادية والعمالية التي تفاقمت بسبب تطور الذكاء الاصطناعي. وأكد أنه إذا لم تستجب الديمقراطية لانعدام الأمن، فإن انعدام الأمن سيتحول إلى غضب حتى يتم تقويض الديمقراطية نفسها. وأضاف أن الغضب هو من يقود اليمين المتطرف. وقدم سياسات حكومته في السنوات الخمس الماضية والسياسات المستقبلية التي يعدها كحصن ضد سلسلة من الإجراءات "الرجعية" التي يدفع بها الآن تحالف PP-Vox (يمين الوسط واليمين المتطرف) على المستوى المحلي والإقليمي. وقال إن هذه الإجراءات ستؤثر بشكل كبير على المخاوف الكبيرة للمحافظين المتطرفين وتقلل منها، مثل تحديات المناخ، وإجراءات المساواة بين الجنسين وموضوع الهجرة، وهي الاهتمامات الرئيسية لهم، حيث ستعمل على تغطيها وتحاول حلها.

وفي خطابه، كان سانشيز ينوي شرح قراره الأكثر إثارة للجدل بالمبررات وحث المندوبين على التصويت على قانون العفو. لكن لم يكن هناك تفسير منطقي لتفسير تغير رأي النواب في خطاب سانشيز، ولم يتمكن حتى من ذكر سبب تغيير موقفه بوضوح[3]. وظهر ذلك في تصويت النواب ولم يصوت له معارضوه.

البرامج الحكومية

ستكون المهمة الأولى لحكومته هي إقرار الميزانية الوطنية للعام المقبل والموافقة عليها، حيث يتعين عليه الجمع بين هذا الاقتراح الاجتماعي الواسع والانضباط المالي الذي فرضته عودة القواعد التي علقتها بروكسل منذ الوباء العالمي. ويضاف إلى ذلك التحدي الكبير المتمثل في العفو عن زعماء كتالونيا، وهي القضية التي انتقدها القضاء الإسباني ويحقق فيها الاتحاد الأوروبي.

ويبدو أن بيدرو سانشيز يحاول إصلاح الانقسام والقطبية الذي نشأ في المجتمع كما ذكر في خطابه، لكن يبقى أن نرى ما إذا كان خصومه لن يعيقوا طريق تحقيق هذه الأهداف، خاصة أن حكومته لديها توجهات معارضة لإسرائيل وهذا يمكن أن يكون سبباً لتحدي حكومته. علاوة على ذلك، هل سيكون لديه الوقت الكافي للقيام بذلك، أو ستتعمق هذه الفجوات مع إعادة انتخابه.

امین مهدوی

 

 [1] iuvmpress.co

[2] reuters.com

[3] english.elpais.com