أوروبا تسعى إلى لعب دور محوري في آسيا الوسطى

في عام 2019، اعتمد الاتحاد الأوروبي استراتيجية جديدة بشأن آسيا الوسطى (كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان)، والتي تؤكد على الأهمية الاستراتيجية المتزايدة لهذه المنطقة بالنسبة لمصالح الاتحاد الأوروبي.

نوفمبر 2, 2023 - 07:14
أوروبا تسعى إلى لعب دور محوري في آسيا الوسطى
أوروبا تسعى إلى لعب دور محوري في آسيا الوسطى

في عام 2019، اعتمد الاتحاد الأوروبي استراتيجية جديدة بشأن آسيا الوسطى (كازاخستان، وقيرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان)، والتي تؤكد على الأهمية الاستراتيجية المتزايدة لهذه المنطقة بالنسبة لمصالح الاتحاد الأوروبي. للاتحاد الأوروبي نظرة خاصة إلى آسيا الوسطى، نظراً لموقعها الجغرافي الاستراتيجي والدور المركزي للمنطقة في حلقة الوصل بين أوروبا وآسيا، ومواردها الضخمة من الطاقة (كازاخستان هي المورد الرابع للنفط الخام إلى الاتحاد الأوروبي). ، إمكانات سوقية كبيرة (76 مليون شخص، 35٪ منهم تحت سن 15 عامًا).[1]إن اهتمام أوروبا بالأمن الإقليمي والهجرة، خاصة بالنظر إلى الحرب في أوكرانيا والوضع الفوضوي في أفغانستان، زاد بشكل كبير من أهمية هذه المنطقة بالنسبة لأوروبا.

وفي هذا الصدد، انعقد في لوكسمبورغ الاجتماع المشترك التاسع عشر لوزراء خارجية دول آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي، وهو ما يوضح جهود الطرفين لدفع الخطط والأهداف المشتركة نحو الأمام. وتم في هذا اللقاء التأكيد على التعاون الواسع النطاق والتعبير عن العلاقة الجيدة بين الأطراف الاستراتيجية. وأهم القضايا التي أثارها المشاركون في هذا الاجتماع هي: التزام الأطراف بالتعاون مع بعضهم البعض من أجل السلام والأمن والتنمية المستدامة، مع الاحترام الكامل للقانون الدولي، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة. ويؤيد الاتحاد الأوروبي بقوة الجهود الرامية إلى استعادة المساواة في السيادة بين جميع الدول الأعضاء، بما في ذلك بلدان آسيا الوسطى التي هي عضو في الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويقدر الاتحاد الأوروبي الجهود التي تبذلها بلدان آسيا الوسطى لخلق مناخ جديد من حسن الجوار والتفاهم والثقة المتبادلة في المنطقة. وأكد المشاركون على أهمية الاستراتيجية الجديدة للاتحاد الأوروبي مع آسيا الوسطى(2019) التي تعطي الأولوية للمرونة والازدهار والتعاون الإقليمي من أجل التنمية المستقبلية للمنطقة. . وأكد المشاركون على أهمية اتفاقيات الشراكة والتعاون المتقدمة لتعزيز العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه ودول آسيا الوسطى.[2]

ومن النقاط الهامة الأخرى التي أثيرت في هذا الاجتماع، تجدر الإشارة إلى رسم خارطة طريق عملية، والتي وافق عليها المشاركون. وتحدد خارطة الطريق إطاراً شاملاً وطموحاً لتعزيز التعاون الذي يعزز شراكة أقوى وأكثر ديناميكية من أجل الرخاء والاستدامة. ويغطي مجالات رئيسية مختلفة، بما في ذلك الحوار والتعاون السياسي الأقاليمي، وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية، والمشاركة في الطاقة والاقتصاد وعلاقتهما بالمناخ، ومعالجة التحديات الأمنية المشتركة، وتعزيز الاتصالات والمشاركة الشعبية.[3] وتقترح خارطة الطريق إجراءات محددة في هذه المجالات لتكون بمثابة خريطة استراتيجية، مما يمهد الطريق لمشاركة أعمق وحوار أوثق وتقدم مستمر في معالجة التحديات المشتركة والاستفادة من الفرص الجديدة لصالح الاتحاد الأوروبي ودول آسيا الوسطى.

لماذا تهتم أوروبا بآسيا الوسطى؟

قبل عام 2019، لم يكن الاتحاد الأوروبي مهتمًا جدًا بآسيا الوسطى وكان يعتبرها منطقة مجاورة فحسب. لكن بعد  تعرض الغرب لعدة أزمات، وخاصة الحرب في أوكرانيا، بدأ الاتحاد الأوروبي بمراجعة سياسته الخارجية، مع الأخذ بعين الاعتبار اختلافات دول المنطقة. وأدى ذلك إلى اعتماد استراتيجية آسيا الوسطى الجديدة في عام 2019، والتي غيرت السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي من القوة المعيارية المرتكزة على بروكسل إلى البراغماتية العملية والمرونة المبدئية. وفي هذه الاستراتيجية الجديدة، تتطلع أوروبا بوضوح إلى اللعب مع القوى الكبرى في هذه المنطقة، ولديها الرغبة في لعب دور مهم بالإضافة إلى روسيا والصين[4].

وهناك هدف آخر للاتحاد الأوروبي من زيادة التعاون مع آسيا الوسطى وهو السعي لتحقيق طموحاته الجغرافية الاقتصادية المتمثلة في زيادة الارتباط بين أوروبا وآسيا ــ البنية الأساسية المادية وغير المادية التي يمكن من خلالها أن تنتقل السلع والبضائع والأفراد وتبادل الأفكار والخدمات. وفي هذا الصدد، وضعت أوروبا آسيا الوسطى ضمن خطتها نحو بوابة العالم، وتخطط لمنح 750 مليون يورو كمساعدات مالية لهذه البلدان كبداية لتشجيع التعاون، وهي القضية التي أعجبت ورحب بها زعماء آسيا الوسطى. ويرجع هذا الإجراء من جانب أوروبا إلى حقيقة أنها لا تريد أن تتخلف عن منافسيها، وعليها أن تدفع من أجل تحقيق التوازن وكسب المنفعة في هذه اللعبة.

أما الهدف الثالث للاتحاد الأوروبي فهو زيادة التعاون في مجال التحديات الأمنية في دول آسيا الوسطى وأفغانستان. وهنا تجدر الإشارة إلى أن تفسير الاتحاد الأوروبي للأمن أوسع بكثير وينطوي على عدد أكبر من التهديدات ومجموعة أوسع من الجهات الفاعلة مقارنة بالتعريفات التقليدية. ومع تحول السياسة الخارجية نحو البراغماتية العملية والمرونة المبدئية، طور الاتحاد الأوروبي نهجًا عمليًا في التعامل مع قضايا الأمن العالمي الواسعة، حيث ركز على تأثير الدول المجاورة وجيرانها المباشرين على الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالأمن والإرهاب والهجرة والاقتصاد. ولهذا السبب، يعطي الاتحاد الأوروبي الأولوية للأمن الداخلي وأمن الحدود بما يتماشى مع التركيز العملي المؤقت على القوى الأجنبية القريبة من أوروبا. وفي هذا السياق، فإن تعزيز مرونة الحكومات والمجتمعات في آسيا الوسطى يصب في مصلحة استراتيجية الاتحاد الأوروبي.

وبشكل عام فإن الاستراتيجية التي تتبناها أوروبا لتعزيز دورها في هذه المنطقة تواجه أيضاً تحديات. وإلى جانب المنافسين الكبار، عليها أيضاً أن تتنافس مع القوى الإقليمية التي تلعب دوراً في هذه المنطقة، مثل إيران وتركيا والهند. لن تكون هذه المنافسة سهلة وأوروبا تعلم جيداً أن المنافسين الكبار لن يستسلموا بسهولة وهذه المنافسة مهمة لأوروبا باعتبارها جهة فاعلة مؤثرة في المنطقة. وخاصة أنها ترى منافسًا قويًا اسمه الصين بخطتها الحزام والطريق يتنافس معها. ومستقبل هذه المنافسة يمكن أن يحدد مدى نفوذ وقوة الاتحاد الأوروبي في مستقبل النظام الدولي.

امین مهدوی

 

[1] international-partnerships.ec.europa.eu

[2] consilium.europa.eu

[3] thediplomaticinsight.com

[4] thediplomat.com