نتنياهو ومحاولة اللجوء إلى صنع "ربيع عربي" آخر
يبدو أن قيادة الكيان الإسرائيلي بدأت تعد نفسها مرة أخرى لوضع خطط تخريبية في علاقات دول المنطقة لكي تتيح استغلال ما ينتج عنها من أجل تحقيق ما عجزت عن تحقيقه في ظروف ما سمي «الربيع العربي في المنطقة» في العقد الماضي، وربما هذا ما تشير إليه قراءة ما بين سطور بعض أبحاث مراكز الدراسات الإستراتيجية الرئيسة في تل أبيب، ففي 20 شباط الجاري نشر أحد أهم رجال الأبحاث في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي يوئيل غوجانسكي في مجلة المركز، تحليلاً تحت عنوان «عوامل الفوارق بين الأغنياء وبين الفقراء في الشرق الأوسط: إلى أين ستأخذ المنطقة؟» يوصي فيه الحكومة الإسرائيلية «بإعطاء اهتمام مكثف لبعض العوامل الإقليمية في المنطقة ومن بينها العامل المتعلق بالفجوة الكبيرة بين الأغنياء والفقراء في الشرق الأوسط والأخطار التي ستجد إسرائيل نفسها أمامها، فالظروف بعد وباء كورونا وما تلاها من الحرب في أوكرانيا ولدت وضعاً حاداً على بعض الدول العربية المجاورة لإسرائيل».
ويحدد غوجانسكي أن «مصر والأردن لا تواجهان وحدهما وضعاً سيئاً، بل إن بعض دول النفط العربية لا يعد وضعها أفضل».
وبعد أن يشير غوجانسكي إلى مظاهر الوضع الاقتصادي العام السيئ من حيث الدخل للكثيرين من العرب في المنطقة يتساءل: «هل يؤدي هذا الوضع إلى حركة احتجاج شعبية في المنطقة؟» كأنه يعبر عن دعوة إسرائيل إلى صنعها حين يجيب: «من الصعب التنبؤ بموعد انفجارها بما يشبه الربيع العربي السابق لكن الشروط التي تولد هذه النتيجة موجودة وخاصة قرب الجوار الإسرائيلي» ولا شك أن استنتاجه بهذا الشكل وعباراته تدل على توصيته بأن تعد تل أبيب نفسها لإنتاج «ربيع آخر» لدول الجوار ذاتها، مصر وسورية والأردن ولبنان، بعد أن جرى إحباط مخططها السابق في هذه الدول، وخاصة حين وجدت الآن أن طريق التضامن العربي والإقليمي الذي فتح بين دول المنطقة بعد كارثة الزلزال في سورية وتركيا هو الذي يثير قلق إسرائيل وخوفها من عودة هذا التضامن الذي سيكون على حساب أهدافها التوسعية والتقسيمية، فإسرائيل ليس من مصلحتها أن يسود أي استقرار بين دول المنطقة ولمصلحة شعوبها.
وعلى الجبهة الأخرى داخل فلسطين والمقاومة كان مركز أبحاث «هيرتسيليا للشؤون الإستراتيجية» في المنطقة قد أعاد نشر دراسة أعدها الباحث في المركز دينيس سيترينوفيتش قبل عامين لتقييم أحداث عملية «سيف القدس» في أيار عام 2021 التي أطلق عليها جيش الاحتلال اسم «حارس الأسوار» التي استهدفت القدس وقطاع غزة وبقية الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وداخل الكيان الإسرائيلي، وفي هذه الدراسة يعترف المركز بأن «ما جرى كان أول سابقة يقوم فيها أطراف محور المقاومة بشكل مشترك ومتزامن وفعال بمجابهة إسرائيل وإسناد الطرف الفلسطيني في هذا المحور» بل يطلق عليه اسم «أول حرب إقليمية محدودة».
ويضيف المركز «من المقدر أن يشكل ما حدث في أيار عام 2021 مؤشراً لسيناريو مماثل في أي معركة واسعة مقبلة مع الفلسطينيين في المستقبل».
ومنذ ذلك الوقت، أي قبل عامين، يحذر الباحث الإسرائيلي من استعادة بعض الدول العربية لعلاقاتها مع سورية وإيران وسد طريق تل أبيب لفرض العزلة عليهما في المنطقة.
وفي هذا الاتجاه بدأ رئيس حكومة كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو في 22 شباط الجاري يدشن هذه السياسة الإسرائيلية حين أعلن في «مؤتمر هارتوغ للأمن القومي» الذي عقد في تل أبيب أول من أمس حسب صحيفة «جروزليم بوست» الصادرة بالإنكليزية أن «الطريقة الوحيدة لمواجهة إيران ومنع تطور مشروعها النووي هي تهديدها بعمل عسكري جدي أو تنفيذ عمل عسكري جدي ضدها»، وأضاف: «إن العقوبات وحدها لا تكفي ولا بد من العمل العسكري».
في حقيقة الأمر فإن نتنياهو كرر منذ توليه رئاسة الحكومة عام 2009، هذه التهديدات أمام أربعة رؤساء أركان في جيش الاحتلال، وأمام ثلاثة رؤساء أميركيين من باراك أوباما إلى دونالد ترامب إلى جو بايدين، ولم يستطع توريط الولايات المتحدة بحرب أميركية مباشرة على إيران خصوصاً أن تل أبيب باعتراف جميع رؤساء أركانها، لم تجرؤ على شن حرب شاملة وحدها ضد إيران طوال تلك السنوات، فما بالك الآن بعد انشغال واشنطن وحلف الأطلسي بحرب ضد روسيا، وأخرى يعدونها ضد الصين، وفي مشهد كهذا لا تظهر الحاجة الأميركية لجبهة ثالثة مباشرة في الشرق الأوسط، بل لا يظهر أي دور فعال ومؤثر للكيان الإسرائيلي بهذا الشأن، وهذا ما يتضح من الموقف الإسرائيلي في النأي عن مشاركة أوروبا وأميركا في حربهما ضد روسيا، وتفضيل «الوقوف عند السياج» بموجب العبارة التي يستخدمها المحللون العسكريون في تل أبيب.
المصدر: الوطن