نتنياهو في ورطة كبيرة!
تتعمق الأزمة الداخلية الإسرائيلية غير المسبوقة وتصبح أكثر تعقيدًا نتيجة لخطة الإصلاح القضائي للائتلاف الحاكم. اختار نتنياهو وقتا سيئا للتقدم بهذه الخطة. بعد جلوسه مرة أخرى على كرسي رئاسة الوزراء وهذا لم يكن في الحسبان أن يراه خصومه في هذا المنصب مجدداً وحاولوا لسنوات إنهاء مسيرته السياسية وفشلوا بذلك، وفور مجيئه سرعان ما اقترح إصلاحات قضائية بهدف خلق حصانة قانونية لنفسه ودفع اللوائح والقوانين التي وضعها اليمين على جدول أعمال الكنيست حسب مقتضياته، لكنه على الأرجح لم يتوقع أنه سيواجه ردود فعل مختلفة و واسعة النطاق. الآن وقد وصلت الأمور إلى هذا الحد فإن استمرار هذه العملية في ظل ظهور انقسامات في الائتلاف ابتداءاً من منصب وزير الدفاع جالانت وصولاً إلى بعض أعضاء الليكود، يمكن أن يكون مكلفًا للغاية بالنسبة له ولابد أن نرى خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة ما هي الحلول الممكنة للخروج من هذا المأزق الذي أوصله إلى طريق مسدود.
أراد نتنياهو السيطرة بطريقة ما على الوضع العام وأخذ زمام المبادرة بتعديل جزئي لخطة التغييرات القضائية، لكنه لم ينجح وما زال المعارضون يصرون على سحب كامل الخطة المطروحة من جدول الأعمال. رغم أن المعارضة أعربت عن رفضها لهذه الخطة؛ لكن من خلفها تسعى إلى هدف آخر وهو الإطاحة بحكومة نتنياهو. بيبي طالب بحوار غير مشروط وتقديم حل وسط للخروج من هذه الأزمة. لكن المعارضين جعلوا هذه المحادثات مشروطة بتعليق عملية المصادقة على الخطة القضائية وهم لا يثقون به. لكن ربما يكون من الصعب جدًا على نتنياهو أن يوقف هذه الخطة لأنه من ناحية، يمكن لهذا الإجراء أن يغضب القسم الأكثر راديكالية من الائتلاف الحاكم، ومن ناحية أخرى يقدم تنازلًا مجانيًا للمعارضة وفتح الباب عليه لتهزمه بنفس الطريقة في المستقبل. علاوة على ذلك إذا استمر في نفس النهج بصرف النظر عن الاحتجاجات المتزايدة في أمريكا وأوروبا وعواقبها على نتنياهو فسيكون له عواقب سياسية وعسكرية واجتماعية واقتصادية داخلية عديدة. وذلك بمزيد من الانقسامات في الائتلاف وزيادة احتمال خسارة الأغلبية البرلمانية وصراعات الشوارع حتى إحجام المزيد من الجنود عن الخدمة وتحذيرات من تأثير ضعف المؤسسة القضائية على التصنيف الائتماني لإسرائيل في ظل تحذير رؤساء عدة بنوك و 260 من رجال الأعمال الإسرائيليين بشأن التداعيات الاقتصادية لهذا الوضع. علاوة على ذلك، فإن استمرار هذا الوضع الداخلي يلقي بظلاله على أولويتين خارجيتين لنتنياهو وهما توسيع تطبيع العلاقات في المنطقة والمواجهة مع إيران. وغني عن التعريف أنه في خضم هذه الأزمة الداخلية، سافر إلى إنجلترا قبل أيام قليلة تماشياً مع أولوية مواجهته لإيران، لتقريب أوروبا إليه أكثر مع أجندته في هذا الصدد في ظل التوتر في علاقة بلاده مع إيران.
حاول نتنياهو وحكومته إجبار المعارضة والمتظاهرين على الإدلاء بتصريحات متطرفة وإثارة التوتر مع الفلسطينيين مستخدمين عنصر "الأمن" باعتباره العامل الأكثر تأثيراً في سياسات إسرائيل الداخلية والخارجية في العقود القليلة الماضية. لكن هذه الطريقة لم تنجح بعد، وإذا أراد الإصرار على الموافقة النهائية على الخطة وعدم سحبها فليس من المستبعد أن يسلك طريق تصعيدي أكبر في المنطقة للخروج من هذا الوضع.
على أي حال، يبدو أن نتنياهو يحاول كسب الوقت ببدء الاحتجاجات وزيادة حجمها على أمل إيجاد حل للخروج من هذا المأزق الكبير بأقل خسارة حتى لا يصبح الخاسر الأكبر في هذه الأزمة. لكن نتنياهو ليس لديه الكثير من الوقت اليوم، ويجب أن نرى ما إذا كان سيسحب الخطة بشكل استباقي قبل أن يتفاقم الوضع أم لا؟ هذا الاحتمال ليس خارج عن البال بالنظر إلى العواقب الوخيمة للإصرار على التغييرات القضائية. وغني عن التعريف أن المأزق الذي وقع فيه نتنياهو هو من ناحية نتاج توحيد السلطة في أيدي اليمين المتطرف لأول مرة، ومن ناحية أخرى نتاج النهج المناهض للمؤسسات لنتنياهو واليمين. والمفتاح لعصر الفردية مقابل المؤسساتية في إسرائيل والتي كانت خلال هذه العقود السبعة ضمانة لبقائها في النظام البيئي الأمني غير المستقر والمتوتر والهش.
صابر گل عنبری