أهمية أوكرانيا بالنسبة لأوروبا
من بين الجيران الشرقيين لأوروبا تعتبر أوكرانيا ذات أهمية خاصة بالنسبة للدول الأوروبية من حيث الجغرافيا السياسية والناحية الاقتصادية. لأنها تشترك في حدود 1300 كيلومتر تقريبًا مع هذا الاتحاد وهي المصدر الرابع والعشرون الأكثر أهمية لواردات الاتحاد الأوروبي (مع 0.9٪ من الواردات) من دول خارج الاتحاد الأوروبي وتحتل المرتبة 19 في قائمة البلدان التي تتلقى صادرات من الاتحاد الأوروبي. أيضا من حيث الاحتياطيات المعدنية والتيتانيوم والمنغنيز والحديد الخام والفحم والغاز الطبيعي والزئبق وما إلى ذلك فهي واحدة من أغنى دول العالم. من حيث الزراعة فهي واحدة من أهم مصادر الإمدادات الغذائية. على سبيل المثال هي من بين الدول الخمس الأولى في العالم في إنتاج الحبوب. أيضا من حيث الصناعة ونقل الطاقة تعتبر الدولة ذات أهمية كبيرة. في الماضي كانت أوكرانيا في القطاع الصناعي الأكثر أهمية في الاتحاد السوفيتي السابق، والآن مع القدرات المذكورة أعلاه، لديها القدرة على أن تصبح دولة أوروبية مهمة وقوية. في مثل هذه الحالة تسببت العمليات العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا في دق أجراس الإنذار للدول الأوروبية لذلك تم بذل العديد من الجهود للتعامل مع الآثار السلبية لهذه الأزمة. عندما دخلت روسيا في أوكرانيا في 24 فبراير 2022 تدخل الاتحاد الأوروبي بسرعة ونفذ بالتنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة مجموعة من العقوبات ضد موسكو: حظر سفر المسؤولين الحكوميين الروس إلى الدول الأعضاء وتجميد أصول الشخصيات ضمن الدائرة المقربة من بوتين. وإغلاق التجارة الروسية من خلال فرض ضرائب الاستيراد والتصدير عليها، و ربما الأهم من ذلك هو عمل الدول الأعضاء على تحرير نفسها من الاعتماد على الفحم والنفط والغاز الروسي. احتج فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر على بعض هذه الإجراءات ؛ لكنه في كل مرة كان يتخلى عنها في النهاية. على الرغم من أن الاقتصاد الروسي لم ينهار بعد إلا أن إجراءات الاتحاد الأوروبي تستمر في تقليص دخل الحكومة الروسية.
بالإضافة إلى الأهمية الاقتصادية لأوكرانيا بالنسبة لأوروبا فإن هذا البلد مهم من حيث الاستقرار السياسي والأمني والقضايا المتعلقة بالطاقة بالنسبة للاتحاد الأوروبي بأكمله والمملكة المتحدة، لأنه من وجهة نظر الاستراتيجيين والقادة الأوروبيين سيكون لانهيار الديمقراطية في أوكرانيا تأثير سلبي للغاية على دول أوروبا. تسببَ تراجع أو تدهور أوكرانيا من قبل روسيا في قلق عميق على الشراكة الاستراتيجية والأمنية وحتى الاقتصادية للغرب مع هذا البلد ؛ لذلك لا يمكن للدول الأوروبية أن تترك أوكرانيا في أيدي روسيا (مثل شبه جزيرة القرم) ولا يمكنها تقديم دعم شامل وكامل لهذا البلد. ولهذا السبب يحاول الاتحاد الأوروبي وحتى الولايات المتحدة إظهار حكومة زيلينسكي على أنها حكومة ديمقراطية وشعبية وأنه زعيم المشاهير القوي الذي يعارض روسيا وسياساتها.
في مثل هذه الحالة وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة لأوكرانيا بالنسبة للدول الأوروبية، فإن دعم هذا البلد كالوعاء الذي يحوي خليطاً من جميع أنواع التهديدات والفرص معاً. تريد كييف تلقي مساعدات الاتحاد الأوروبي أثناء الحرب مع الحفاظ على استقلالها. يبدو أن أوكرانيا في شكلها الحالي بالنسبة للاتحاد الأوروبي مهمة فقط بسبب حجمها وقربها الجغرافي من حدود الاتحاد والقضايا السلبية والإشكالية مثل الصراع مع روسيا. لفترة طويلة كانت كييف تتمتع بإمكانيات إيجابية للاتحاد الأوروبي من حيث الغاز والطاقة والمنتجات الزراعية، لكن استغلال وادراك هذه الإمكانات خاصة من الناحية الاقتصادية والتجارية مكلف للغاية خلال الحرب بين روسيا وأوكرانيا ، ولابد للاتحاد الأوروبي مقابل ذلك أن يضحي بتعاملاته مع دول أخرى مثل التضحية بروسيا أو تركيا للحفاظ على العلاقات مع أوكرانيا.
من المرجح أن النهج الطبيعي للاتحاد الأوروبي هو انتظاره حتى يتحسن الوضع السياسي والأمني في أوكرانيا. بمرور الوقت قد ينظر الاتحاد الأوروبي في سياسة احتواء وضم كييف إليه؛ لكن هذا يجعل الاتحاد الأوروبي حالياً مجرد مراقب للتطورات في المنطقة ويتعارض مع مصالح الاتحاد الأوروبي في خلق جوار مستقر وديمقراطي بمعايير أوروبية وهو هدف لا يزال له أهمية كبيرة بالنسبة لدول الإتحاد.
مرضیه شریفی