الصف الشيعي-السني في لبنان يترفع عن الخلافات
خلطت معركة "طوفان الأقصى" الأوراق على الساحتين الإقليمية والدولية، مما حول ما كان يعد مستحيلاً إلى واقع ممكن، خاصة فيما يتعلق بتوحيد الرؤى والتوجهات وظهور تحالفات جديدة تفرضها ضرورات المرحلة لمواجهة العدو الصهيوني والمشاركة الفعالة في تشكيل المعادلات الجديدة.
خلطت معركة "طوفان الأقصى" الأوراق على الساحتين الإقليمية والدولية، مما حول ما كان يعد مستحيلاً إلى واقع ممكن، خاصة فيما يتعلق بتوحيد الرؤى والتوجهات وظهور تحالفات جديدة تفرضها ضرورات المرحلة لمواجهة العدو الصهيوني والمشاركة الفعالة في تشكيل المعادلات الجديدة.
في لبنان، كان من غير المتوقع أن تتوافق الجماعات السنية مع حزب الله كمكون شيعي، لكن مواجهة العدو الإسرائيلي دفعت قوات الفجر السنية إلى إيجاد نقطة التقاء مع الحزب، حيث أصبح الرد على الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان والعدوان على غزة هو الأساس الذي يجمعهم.
ومع انخراط حزب الله في دعم غزة من جنوب لبنان، أعلنت قوى وفصائل سنية، مثل "قوات الفجر"، مشاركتها في الحرب الحالية من الجبهة اللبنانية، مما يعكس جهود التقارب بين الطرفين. فقد شهدت العلاقة بين الجماعة الإسلامية وحزب الله حالة من القطيعة السياسية بعد الحرب في سوريا، لكنها عادت إلى طبيعتها في السنوات الأخيرة بفضل دور حركة حماس في جمع قيادات الجماعة والحزب على طاولة واحدة منذ عامين بهدف تشكيل تحالف سياسي يتشارك مشروع "وحدة الساحات".
عززت الحرب الدائرة في قطاع غزة منذ عدة أشهر من وتيرة العلاقة والتنسيق بين الحزب والجماعة، خاصة بعد إعلان أمين عام الجماعة الإسلامية أن جماعته تتشابه مع حزب الله في الشكل والمضمون، مما أثار تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين الجانبين، وما إذا كانت ستتحول إلى تحالف استراتيجي دائم أو ستظل علاقة مرحلية مرتبطة بسياقات الحرب بين حماس وإسرائيل.
لا يمكن تجاهل انحياز المكون السني اللبناني للقضية الفلسطينية من منظور قومي وديني، إلا أن السنة في لبنان ينقسمون حول مقاربة مشاركة قوات الفجر والجماعة الإسلامية في المعركة التي أطلقها حزب الله من جنوب لبنان في 8 تشرين الأول الماضي. إذ يرى البعض أن الواقع الإقليمي وتطور الحرب في غزة يبرر المشاركة، بينما يعتبر آخرون أن هذا الانخراط يهدد استقرار الدولة ويسبب أزمة في الشارع اللبناني.
المآلات المحتملة
مع دخول لبنان مرحلة جديدة من النقاش السياسي حول آليات الهدنة والتسوية بين المقاومة وإسرائيل برعاية أميركية وعربية، يظل مصير الفصائل المسلحة المشاركة في المعركة مرهوناً بنتائج هذه التسوية الإقليمية وشكلها.
تُعتبر قوات الفجر من أبرز القوى اللبنانية التي أعلنت مشاركتها في الحرب ضد إسرائيل في الجبهة اللبنانية، حيث تمثل الجناح العسكري لتنظيم الجماعة الإسلامية (الإخوان المسلمين). وقد بدأت هذه القوات منذ 18 تشرين الأول/أكتوبر الماضي بإطلاق صواريخ نحو شمال إسرائيل.
تُعزى مشاركة قوات الفجر في العمليات العسكرية إلى خلفية قيادتها السياسية التي تم انتخابها في صيف 2022، والتي لها روابط وثيقة مع حركة حماس وحزب الله. كما أن مشاركتها تتم في منطقة خاضعة لسيطرة حزب الله، وهي جنوب لبنان، حيث لا يمكن القيام بأي نشاط عسكري دون التنسيق مع غرفة العمليات المشتركة بين حزب الله وحماس.
تأسست "الجماعة الإسلامية" في لبنان في أوائل الستينات، وهي تنتمي إلى فكر الإخوان المسلمين وحسن البنا. وعلى الرغم من عدم مشاركتها في الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت من عام 1975 حتى 1990، إلا أنها أنشأت ذراعها العسكرية "قوات الفجر" عام 1982 لمقاومة الاجتياح الإسرائيلي للبنان واحتلاله للجنوب.
على الصعيد السياسي، لا تتمتع "الجماعة الإسلامية" بتمثيل قوي، حيث يمثلها نائب واحد فقط في البرلمان اللبناني هو عماد الحوت، لكنها تحظى بوجود في المناطق السنية، بما في ذلك بعض القرى الحدودية في منطقة العرقوب مثل الهبّارية.
تشير الأنشطة الأخيرة لقوات الفجر إلى وجود تنسيق ميداني بينها وبين حزب الله، وهو ما أكده رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية في لبنان، علي أبو ياسين، مما يدل على أن الحزب قد سمح وسهّل لقوات الفجر القيام بأنشطة ميدانية في الجنوب اللبناني، حيث يسيطر فعلياً على خطوط التماس مع جيش الاحتلال.
في الواقع، كان الدعم للقضية الفلسطينية هو العنصر الوحيد الذي اتفق عليه السنة والشيعة. خلال المؤتمر الإسلامي الذي عُقد في القدس عام 1931 للتعبير عن التضامن الإسلامي ضد الصهيونية، اقترح المشاركون أن تتولى مرجعية شيعية عراقية قيادة الصلاة في المسجد الأقصى. وبعد 75 عاماً، حصل حزب الله على دعم السنة والشيعة معاً بعد حربه مع إسرائيل في عام 2006، وهو ما يتكرر اليوم مع حماس في غزة. كل هذه التطورات زادت من قلق الطغاة العرب الذين شهدوا بذهول كيف أصبحت الجماعات الشيعية من لبنان إلى العراق والبحر الأحمر مصدراً للدعم للمقاومة في غزة.
من المهم أن نلاحظ أن قوة قوات المقاومة لا ترتبط بشكل أساسي بالتعبير الديني الأصولي أو الطائفي، بل تنبع من عدة عوامل، مثل مستويات الدعم المستدام، والهياكل التنظيمية المنضبطة، والأيديولوجية المتماسكة، والدعم الاجتماعي الذي تتلقاه من مجتمعاتها. ومع ذلك، فإن جذورها تتصل بتداعيات التدخلات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية، فضلاً عن سياسات الأنظمة العربية الموالية للغرب. كما ترتبط أيضاً بتعزيز وحدة حماس التدريجية باعتبارها أقوى حركة إسلامية فلسطينية مع الشيعة في المنطقة.
في الختام، يمكن القول إن الشارع السني في لبنان يتقدم اليوم بالتعاون مع جميع القوى، حيث أصبح جزءاً لا يتجزأ من المعركة من أجل فلسطين والمنطقة بشكل عام. إن الأحداث الأخيرة قد أدت إلى تعزيز التعاون والتنسيق بين مختلف قوى المقاومة، مما يعكس تحولاً في الديناميات السياسية والاجتماعية. هذا التآزر بين الجماعات السنية وحزب الله يعكس واقعاً جديداً يتسم بالوحدة في مواجهة التحديات المشتركة، مما يعزز من قدرة الأطراف المعنية على التصدي للاحتلال الصهيوني والدفاع عن الحقوق الفلسطينية.
المصادر:
1- https://2cm.es/LLkS
2- https://2cm.es/LLlY
3- https://2cm.es/LLnM
4- https://2cm.es/Jx9t
5- https://2cm.es/LLp1