لا توتر ولا مواجهة!
ناقش زعيما القوتين العالميتين، الولايات المتحدة والصين، قضايا مختلفة في محادثة هاتفية استمرت أكثر من ساعتين. وجرى خلال هذا الحوار مناقشة أهم القضايا التي تهم الطرفين، من قضية تايوان إلى مختلف مجالات الذكاء الاصطناعي ومتابعة اتفاقيات اجتماع سان فرانسيسكو.
ناقش زعيما القوتين العالميتين، الولايات المتحدة والصين، قضايا مختلفة في محادثة هاتفية استمرت أكثر من ساعتين. وجرى خلال هذا الحوار مناقشة أهم القضايا التي تهم الطرفين، من قضية تايوان إلى مختلف مجالات الذكاء الاصطناعي ومتابعة اتفاقيات اجتماع سان فرانسيسكو[1].
وقيّم قادة البلدين هذا الحوار بأنه إيجابي ومثمر، واعتبروه علامة على الالتزام والتصميم الجاد من جانب الأطراف الدبلوماسية للمضي قدما في خططهم.
أهم القضايا
إن الصين والولايات المتحدة، باعتبارهما قوتين عظميين، تدركان جيداً عواقب الصراع والمواجهة المباشرة وآثارها ليس على بلديهما فحسب، بل على العالم أجمع. وفي هذا الصدد يبدو أن قادة البلدين يفضلون ضبط النفس والتعاون بدلاً من المواجهة.
وبالإضافة إلى مسألة أن التوتر والصراع ليس في مصلحة أحد، ذكر السيد شي أنه لأول مرة في عهد بايدن يتم تشكيل آثار وأحداث سلبية في العلاقات بين البلدين ويبدو أن فتور العلاقات بين البلدين والتباعد أصبح أعمق من ذي قبل، وهذا أمر مثير للقلق ويجب معالجته. ومع ذلك أعرب الجانبان في المكالمة الهاتفية عن رغبتهما في منع العوامل السلبية من التأثير على الاستقرار الشامل للعلاقات الثنائية.
بالإضافة إلى ذلك، أكد القائد الأعلى الصيني شي للمرة الأولى على المبادئ العامة الثلاثة التي ينبغي أن توجه العلاقات الصينية الأمريكية في عام 2024:
"أولا، يجب تقدير السلام. وينبغي للجانبين أن يكون لديهما أساس ثابت في عدم الاتجاه نحو الصراعات وعدم المواجهة في العلاقات بين الطرفين وتعزيز النظرة الإيجابية للعلاقات. ثانياً، ينبغي إعطاء الأولوية للاستقرار. ويجب على الطرفين الامتناع عن تجنب الحوار أو إثارة المشكلات أو التوتر أو تجاوز الخط الأحمر من أجل الحفاظ على الاستقرار العام للعلاقات. ثالثا، يجب الحفاظ على المصداقية. يجب على الجانبين الوفاء بالتزاماتهما تجاه بعضهما البعض وتحويل رؤية اجتماع سان فرانسيسكو إلى حقيقة."[2].
وتظهر هذه المبادئ أن الصين في نفس الوقت الذي تنتظر فيه إجراءات إيجابية من طرف الولايات المتحدة، فإنها تؤكد على السلام والاستقرار في العلاقات بين البلدين. "الاستقرار الشامل" هو أيضا عبارة جديدة في بيان الجانب الصيني، مما يدل على أن الصين أكثر واقعية في علاقاتها مع الولايات المتحدة وتسعى جاهدة لتحقيق السلام والاستقرار في العلاقة ككل، مع تجنب المنافسة على قضايا محددة مثل التقنيات المتقدمة أو بعض المناطق الجيوسياسية وأكد شي أيضًا أن قضية التفاهم الاستراتيجي هي دائمًا أساس العلاقات الصينية الأمريكية، تمامًا مثل الزر الأول على القميص الذي يجب تثبيته بشكل صحيح وقد استخدم شي هذه الاستعارة لأول مرة للحديث عن توصيف العلاقات الصينية الأمريكية.
وهذا يوضح كيف تفهم الصين وتحدد إطار علاقاتها مع أمريكا. وبينما تساوم الولايات المتحدة حول أي قضايا خلافية، تذهب الصين إلى مستوى أعلى وترى العلاقة من منظور منهجي وشامل. وقد أرسل هذا إشارة إلى الولايات المتحدة مفادها أن وجود فهم استراتيجي سليم للصين هو الخطوة الأولى لتحسين العلاقات الثنائية.
وخلال الاتصال الهاتفي، قال بايدن إن الولايات المتحدة ستستعين قريبا بوزيرة الخزانة جانيت يلين ووزير الخارجية أنتوني بلينكن لتعزيز الحوار والتواصل ومنع الحسابات الخاطئة وتعزيز التعاون لدفع العلاقات على مسار مستقر وسريع الاستجابة للتحديات العالمية المشتركة. سوف ترسل إلى الصين. وبحسب بيان وزارة الخارجية الصينية، فقد رحب الجانب الصيني بهذه اللقاءات واعتبرها أساسا لتشكيل تفاهم أفضل للعلاقات[3].
وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الإعلان عن ترتيبات محددة للزيارات الرسمية في محادثة شي-بايدن. ويعتقد المراقبون أن الزيارات رفيعة المستوى المقبلة قد تعزز حقيقة أنه لن تكون هناك مشاكل كبيرة في العلاقات الثنائية بين الصين والولايات المتحدة هذا العام.
وتظهر هذه النقطة العلاقات بين الصين وأمريكا بأنها الأكثر نضجاً واستقراراً بين البلدين. إن النضج والاستقرار لا يعني بالضرورة علاقات أكثر ودية، بل يعني أن الجانبين قادران على تعزيز التعاون في نفس الوقت الذي تنشأ فيه الخلافات. هذه القضية مهمة لكلا البلدين، وتعني أنه على الأقل حتى نهاية عام 2024، لن يحدث شيء يتجاوز الخطوط الحمراء للطرفين، وسيكون هذان البلدان أكثر ميلاً إلى إجراء محادثات أكثر صراحة وجدية.
وطبعا في ذات السياق يجب الإشارة أيضاً إلى أن البيان الرسمي للحكومة الأمريكية الذي حاولت فيه إظهار نفسها كدولة جادة في مواجهة الصين، ومن خلال انتقاداتها الواسعة للصين وضعتها أمام تحدٍ كبير، وبينت أنه في حال حدوث أي صراع ستكون الصين مسؤولة عن ذلك من أجل الحفاظ على موقع أمريكا كدولة مهيمنة.
في الواقع، تسعى الولايات المتحدة أثناء تعاملها مع الصين، إلى السيطرة وزيادة الضغط على هذا البلد في مختلف المجالات من أجل تحدي القوة الاقتصادية والعسكرية للصين، وإجراء مناورات مشتركة مع الفلبين في بحر الصين الجنوبي والاجتماع مع رئيس الفلبين، واللقاء مع رئيس وزراء اليابان كل ذلك يمكن أن يقع في نفس الإطار الذي ستستخدم فيه أمريكا كل أدواتها اللازمة لتحقيق ما تريد. يجب أن نرى إلى أي مدى ستصل هذه اللعبة والتفاعل بين القوتين العظميين وما إذا كانت النهاية ستكون هوليودية وسعيدة أم لا.
[1] euronews.com
[2] globaltimes.cn
[3] theguardian.com