عقب العصيان المدني.. إلى أين تسير الأوضاع في القدس
قامت قوات الاحتلال باقتحام عدة أحياء بينها العيساوية وسلوان، وأزالت بعض المتاريس في محاولة منها لفتح الطرق، كما اندلعت مواجهات عدّة في أكثر من منطقة بين الشبان وقوات الاحتلال التي ألقت وابلاً من قنابل الغاز المسيلة للدموع تجاه المواطنين.
يوم أمس، دخل العصيان المدني في أحياء العاصمة الفلسطينية المحتلة حيز التنفيذ رداً على التصعيد الإسرائيليّ الشديد بحق المقدسيين، فيما تحدثت المعلومات عن إقدام شبان على إغلاق العديد من الطرق الرئيسية في مخيم شعفاط وبلدة عناتا وجبل المكبر والرام والعيساوية في القدس، ووضعوا المتاريس والحجارة وغيرها في الطرق لإغلاقها وتعطيل حركة المركبات والأفراد بشكل تام، وذلك لتعطيل أي محاولات لقوات الاحتلال لاقتحام المخيم والبلدة، في الوقت الذي لم يترك فيه العدو العنصريّ نوعاً من أنواع “جرائم الحرب” إلا واستخدمها ضد هذا الشعب، بدءاً من تعذيب الأسرى أو إساءة معاملتهم أو إعدامهم، ومروراً بالجرائم الموجهة ضد المدنيين والتعدي على ممتلكاتهم الشخصية وتهجيرهم قسريّاً، وليس انتهاءً عند القتل والاقتحام والحصار والإبادة الجماعيّة.
عصيانٌ مدنيّ مُبرر
عقب العصيان المدنيّ الذي فرضه الفلسطينيون نتيجة الإجرام الإسرائيليّ، قامت قوات الاحتلال باقتحام عدة أحياء بينها العيساوية وسلوان، وأزالت بعض المتاريس في محاولة منها لفتح الطرق، كما اندلعت مواجهات عدّة في أكثر من منطقة بين الشبان وقوات الاحتلال التي ألقت وابلاً من قنابل الغاز المسيلة للدموع تجاه المواطنين، وقد شهدت الساحة الفلسطينية هذا التصعيد نتيجة قرارات وزير الأمن القومي الصهيوني إيتمار بن غفير وحكومته التي توصف بـ “الفاشية”، وخاصة الإجراءات الأخيرة المجحفة التي اتخذت بحق أهالي العاصمة الفلسطينيّة بغرض خنقهم والتضييق عليهم.
وإنّ توقيت العصيان المدني يتزامن بشدّة مع قرارات وإجراءات حكومة الاحتلال الغاصب بتصعيد عمليات الهدم والتضييق على المقدسيين وحركتهم على الحواجز، وشرعنة قوانين متطرفة منها طرد الأسرى المحررين المقدسيين وما يسمى سحب الجنسية وغيرها من الانتهاكات الشنيعة بحق أصحاب هذه الأرض، وإنّ الدعوة لهذا العصيان جاءت مؤخراً لأهالي القدس، وتمت دعوتهم من قبل مجموعات المقاومة الشبابية الجديدة وأبرزها “عرين الأسود” لإغلاق الشوارع وتحطيم كاميرات المراقبة في جميع مناطق القدس؛ للتعبير عن الغضب، ليتسنى لهم الرد على العمليات الإبادية المتجسدة في هدم المنازل في القدس بأوامر أمن الاحتلال لخدمة مستوطنيه في كل أنحاءِ فلسطين وبالأخص العاصمة التاريخية لفلسطين.
وفي الوقت الذي يُطالب المقاومون الفلسطينيون المقدسيين بإشعال الإطارات المطاطية في جميع أحياء وحارات القدس، وزعزعة أمن الصهاينة في مخافرهم وأماكن وجودهم، ومحاصرتهم وضربهم وإرباك جنود استعمارهم العسكريّ، وعدم السماح لهم بالاستفراد بأبناء القدس وشبانها، أشار مدير مركز القدس للحقوق القانونية والاجتماعية زياد الحموري، إلى أن العاصمة القدس مشتعلة منذ ما يزيد على 5 سنوات على وقع استمرار عمليات الاحتلال بالهدم والاعتداءات والتنكيل المستمر بحق أبنائها، موضحاً أنّ ما يجري بمثابة “تصعيد خطير وكبير” ضد أهل القدس في محاولة لتخفيف الوجود الفلسطينيّ ضمن المعركة الجغرافيّة التي يشنها الاحتلال الصهيونيّ ضد المدينة، ولا سيما بعد أن قطعت عمليات التهويد شوطاً كبيراً للغاية.
صراعٌ مُحتدم مع الصهاينة
“التحدي اليوم على الساحة الفلسطينية يكمن في القدرة على البقاء والوجود السكاني في ظل معركة واسعة للتضييق على المقدسيين لتهويد المدينة والقوانين كالإبعاد وسحب الإقامة والجنسية و كل ما يحدث هو معادلات تراكمية ترافقت مع التصعيد الأخير والاعتداءات ومشاهد الإهانة التي أثارت العالم بأكمله”، هذا ما يتحدث عنه الفلسطينيون اليوم، حيث إن ما يقوم به الاحتلال في القدس سيدفع باتجاه احتدام الصراع مع الصهاينة بشكل كبير، حيث إنّ التصعيد الإسرائيليّ المكثف يمكن ببساطة أن يجر الساحة الفلسطينيّة إلى حرب شعواء، وفي حال ساهمت القرارات الإسرائيليّة أكثر بتسخين الأحداثما يعني موافقة رسمية صريحة على تصعيد الأوضاع في القدس، بيد أنّ فصائل المقاومة الفلسطينيّة تؤكّد بشكل مستمر على عدم وجود وقف لإطلاق النار مع الكيان الصهيوني المحتل وتشدّد على أن المقاومة مستعدة لخوض الحرب للدفاع عن الفلسطينيين ومقدساتهم إذا اشتدت جرائم العصابات الصهيونيّة.
وبما أنّ الاقتحامات الإسرائيليّة المكثفة تبرز بوضوح أنّ “إسرائيل” ترغب بفتح أبواب جهنم على كيانها من خلال منهج تصعيد الأوضاع ورفع مستوى الإجرام، يبين محللون أن الضغط الاسرائيلي يولد انفجارا في فلسطين، وما العصيان المدني الذي يحدث حاليا إلا غيض من فيض ما سيحدث مستقبلاّ، باعتباره نتيجة طبيعية جدا لما يجري، ويضع تل أبيب أمام ضغط شعبي غير مسبوق لدفعها إلى التراجع عن جرائمها وانتهاكاتها بحق الفلسطينيين.
وعلى هذا الأساس، فإن أهالي مدينة القدس بدؤوا العصيان وفي حال استمرت عصابات الاحتلال في إجراءاتها ستمتد وتنتشر في كل المناطق الفلسطينية التي تتحرك على غرار ما جرى في معركة “سيف القدس” الأخيرة، والتي رسمت مشهدا موحدا للفلسطينيين؛ وتركت العدو في صدمة من نتائجها على مختلف المستويات بعد الرد الحازم للفصائل الفلسطينيّة، لذا قد يكون القادم أشمل وأوسع، وخاصة أن رسائل المقاومة الفلسطينيّة التحذيريّة لم تنقطع في هذا الإطار، وقد جرب العدو أنّ عدوانه المتمثل في القتل والاقتحام وانتهاك المقدسات والحصار وغيرها، لا يمكن أن يمر دون رد، وهذا ما يجب على الإسرائيليين فهمه، لأن محاولة العدو القاتل فرض عنصريته على هذا الشعب ستدفع الشعب المضغوط بشكل كبير ومجموعات وفصائل المقاومة التي تملك أوراقاً قويّة كثيرة إلى إطلاق العنان لعملياتها وبالأخص الصواريخ التي تهز أركان العدو.
وفي هذا الشأن، عزى نائب مدير عام الأوقاف الإسلامية في القدس ورئيس أكاديمية الأقصى للعلوم والتراث، ناجح بكيرات، ما حدث، إلى ثلاثة نقاط تسببت في اشتعال القدس وأحيائها، بداية من سياسة بن غفير وحكومة نتنياهو الجديدة، وهي معاناة أهالي القدس التي ما زالوا يكابدونها، إضافة إلى إعلان حكومة اليمين المتطرفة حربها ضد المدينة من خلال تصعيد وتيرة عمليات هدم المباني الى جانب الاعتداءات والاقتحامات بحق المسجد الأقصى وتدنيسه وتجاوز الخطوط الحمراء فيه، ساهم في اشتعال الأوضاع، ناهيك عن تضييق الخناق وملاحقة المقدسيين وقرار ما يسمى سحب الجنسية والطرد وغيرها.
في النهاية، يسعى العدو الباغي بكل ما أوتي من قوّة لتغيير الهوية الديموغرافيّة للدولة الفلسطينية، واغتصاب ما تبقى من أراضيها، ما يُظهر لكل العالم الحقيقة الدامغة والوجه الدمويّ للاحتلال الصهيوني العنصريّ، في ظل التعدي الصهيونيّ على الحاضر والمستقبل بل على التاريخ والتراث والحضارة والماضي، من خلال استهداف فلسطين وهويتها الحقيقيّة وأهلها، لأنّ الاحتلال الصهيونيّ الوحشيّ يؤمن بأنّه يسيطر على بقعة واسعة من الأراضي الفلسطينيّة وله اليد الطّولى للقيام بأيّ شيء فيها، ويحاول بشكل جديّ ومتصاعد حسم المعركة التاريخيّة لمصلحته عبر قتل وتدمير وتشويه كل ما هو فلسطينيّ، لإبادة هذا الشعب ونهب أرضه وطمس الهوية الثقافيّة والحضاريّة الفلسطينية وإخفاء معالمها بشكل كامل.
وإنّ منهج الاحتلال لا يمكن أن يتغير، وكل إجراءاته الاستعماريّة العسكريّة تندرج تحت محاولات تحقيق المشروع الصهيونيّ الذي فشل بشكل ذريع في إنشاء الدولة العبريّة المزعومة على تراب فلسطين عبر عمليات تطهير عرقيّ كاملة وتهجير قسريّ جماعيّ للسكان الأصليين، وإن استطعنا تناسي جرائم اليوم فهل يمكننا أن ننسى مذابح الكيان الصهيوني وجرائمه في حق الشعب الفلسطينيّ والتي نُقشت في ذاكرة العالم.