سياسيون وأكاديميون يدعون للكفاح ضد الكيان الصهيوني.. هل من حل آخر؟
يعلم العالم أنه بين عاميّ 1947-1948، طُرد 700,000 فلسطينيّ من منازلهم أو فروا منها على أيدي العصابات الصهيونيّة أثناء إنشاء كيان "إسرائيل" على أنقاض فلسطين، وتم إخلاء مئات البلدات والقرى الفلسطينية من سكانها وتدميرها، ويعرف الفلسطينيون هذه المأساة بـ "النكبة"، ومنذ ذلك اليوم وحتى اللحظة يعيش هذا الشعب عقوداً من التهجير والصراع والاضطهاد والعنصريّة، وفي الآونة الأخيرة عادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة بعد التصعيد الإسرائيليّ الخطير بدءا من انتهاكات الإسرائيليين ضد المقدسات وبالأخص المسجد الأقصى في شهر رمضان المبارك، وما أعقب ذلك من إطلاق الصواريخ التي بثت الرعب في قلوب الإسرائيليين، وأدخلتهم الملاجىء، و لم ينته الأمر عند هذا الأمر بل تواصلت العمليات الاستشهاديّة تعبيرا عن الغضب العام نتيجة الظلم الذي اشتد بشكل كبير بما يشبه شرارة الانتفاضة التي ربما في أي لحظة تقلب الطاولة على رؤوس صناع القرار في حكومة العدو.
اشتعال روح المقاومة
في الوقت الذي لا تزال النكبة حاضرة عند عائلات اللاجئين الفلسطينيين التي نزحت منذ أكثر من 73 عامًا، والذي يعيش العديد منهم في مخيمات اللاجئين في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك الأراضي الفلسطينية المحتلة، تعود من جديد مطالب الكفاح، والنضال، والقوة المسلحة، حيث دعا كثيرون إلى دعم النضال الفلسطينيّ، وهذا ما أشار إليه المؤرخ الفلسطيني الشهير عبد القادر ياسين الذي يرى أن ما يحدث يؤكد من جديد أن الشعب الفلسطينيّ واحد، والقضية واحدة، والعدو واحد، وأن من السذاجة أن نقسّم هذا أو ذاك، لافتا إلى أن ما جرى يؤكد أن العدو يخاف ولا يستحي، وأنه لا يعرف إلا لغة القوة، وفقاً لمواقع إخباريّة.
"الولايات المتحدة الأمريكية هي عدونا الرئيس، وما الصهيونيّة وكيانها إلا عدونا المباشر"، هذا ما شدّد عليه ياسين للذين يعولون على التدخل الأمريكي لوقف الغطرسة الصهيونية، مؤكّداً أنّ القضية الفلسطينية في أمس الحاجة إلى كل أشكال الكفاح، مضيفاً: "إن الذي حدث أن البعض بدأ بالدعوة لتحرير كل فلسطين بالكفاح المسلح، واستبعد هذا البعض بقية أشكال الكفاح التي وهبها لنا الله"، وذلك نتيجة السياسة الأمريكيّة المعهودة المتعلقة بدعم الكيان الصهيونيّ الإرهابيّ والدفاع عن مصالحه في المنطقة بشكل لا متناهٍ وتسليحه الكبير، على حساب الحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطينيّ، بما يخدم أهداف واشنطن ويفصل شرق الوطن العربيّ عن مغربه، فيما تتخذ الولايات المتّحدة موقفاً قذراً في التغاضي عن جرائم الكيان الصهيونيّ وعنصريّته المقيتة في الأراضي الفلسطينيّة بل ما زالت تدعمه بكل ما أوتيت من قوة.
وفي إشارة إلى حركة "فتح" أشار ياسين إلى أنّ استبعاد بعض الفصائل الفلسطينية الكفاح المسلح فترة ما بأنه "خطيئة" ولا حياد بين الوطنية والخيانة، في وقت يساهم فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بتطبيق مشاريع الكيان الغاصب التي تهدف إلى تصفيّة القضيّة الفلسطينيّة من خلال التعاون اللامحدود مع الإسرائيليين، حيث يعلم الجميع أنّ السلطة الفلسطينيّة سقطت سقوطاً مدويّاً من قلوب الفلسطينيين وباتت أداة رخيصة تستعمل ضد إرادة الشعب وتطلعاته، وعلى الرغم من أنّ حكومة رام الله لم تحصّل على أيّ فائدة من العلاقات مع العدو واستمرارها بالتنسيق الأمنيّ معه، مقابل وقوفها في وجه توحيد الصف الفلسطينيّ لمنع تحدي الاحتلال الغاصب وعرقلة مقاومة التطبيع والتهويد والضم والاستيطان المتصاعد، حيث إن انخراط السلطة في المعركة مع الفلسطينيين، هو ما شجع جنود الاحتلال والمستوطنين على العربدة والتغول في أراضي الفلسطينيين من خلال القتل الميداني ومخطّطات العدو الاستيطانيّة الرامية لإنهاء الوجود الفلسطينيّ السياسيّ والسكانيّ في الضفة الغربيّة ومدينة القدس.
ضرورة قصوى
أثر الاحتلال العسكريّ الإسرائيلي على كل جانب من جوانب الحياة اليومية للفلسطينيين، كتقييد الحركة ، وفرض السيطرة التمييزية، وتهديد المنازل وسبل العيش، ولا يزال أكثر من نصف قرن من الاحتلال العسكري الإسرائيلي يمثل عقبة رئيسية أمام توفر الرعاية الصحية وإمكانية الوصول إليها وجودتها للفلسطينيين في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية وغزة، وإن تقييد حرية التنقل بسبب نقاط التفتيش، والجدار الفاصل، ونظام التصاريح التقييدي، والحصار والإغلاق المفروض على غزة، يعني أن أبناء البلد في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة يكافحون في كثير من الأحيان للعيش والاستمرار وللحصول على العلاج والرعاية التي يحتاجون إليها.
وحسب أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية اسماعيل مقلد فإن عملية تل أبيب الأخيرة ككل العمليات التي سبقتها والتي سوف تليها، هي كلها أعمال مقاومة مشروعة ومبررة ضد ابشع وافظع احتلال استيطانيّ عنصريّ لا إنساني عرفه التاريخ، وبالفعل إنّ العيش في ظل الاحتلال يجلب مخاطر مباشرة على حياة سكان الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك الهجمات العنيفة من المستوطنين الإسرائيليين غير الشرعيين، والوفيات والإصابات في الاحتجاجات، والتدمير المتكرر للمنازل والبنية التحتية، وإن انعدام الأمن المستمر هذا، والطبيعة التي طال أمدها للأزمة، يهددان باستنزاف قدرة المجتمعات على الصمود، واقتراب انفجاره.
وعلى هذا الأساس، فإنه من حق الفلسطينيين أن يثوروا على واقعهم المزري الذي أوصلهم المحتلون الصهاينة اليه بكل وسائل القهر والبطش والتنكيل والقمع َوالاذلال، وباهدارهم لانسانيتهم ولحقهم في الحياة الحرة ككل شعوب العالم وباحتلال لمدنهم واراضيهم لا تبدو له نهاية كما يقول مقلد الذي اعتبر أنّ ما ترتكبه قوات الاحتلال الاسرائيلي الغاصبة من انتهاكات صارخة لحرمة المسجد الاقصى المبارك، هذا الرمز الاسلامي المقدس -بالنسبة لميار ونصف على الأقل- هي أعمال همجية لا اخلاقية تدينها وتجرمها وتعاقب عليها كل الشرائع والقوانين والاعراف الدولية، حيث يواجه المسجد المبارك “أخطر وأوسع عدوان منذ احتلاله” نتيجة ازدياد هجمات العصابات الصهيونيّة على الأقصى، حيث يتوقع أن تنفجر الأوضاع نتيجة التمادي الإسرائيليّ الذي وصل حدوداً خطيرة للغاية.
"إنّ العنف لا يولد إلا مثله، والمقاومة ضد الاحتلال لا تعد إرهابا كما يصورونها زوراً وبهتانا في الكيان الصهيونيّ والغرب، وإنما هي حق انسانيّ مشروع للشعوب الواقعة تحت نير الاحتلال تجيزه كل القوانين والمواثيق الدولية"، هي خلاصة ما في داخل كل فلسطينيّ، وأضاف أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية: “لا يهم أن تعترف به راعية حقوق الانسان الأولى في العالم -كما تزعم – للفلسطينيين او تنكره عليهم كما فعلت امس في مجلس الامن الدولي بتصويتها ضد ادانة استخدام العنف ضد المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة في انحياز صارخ إلى جانب الاسرائيليين وفي تنكر تام لمعايير العدالة الدولية ولحق تقرير المصير الذي كان الامريكيون انفسهم هم أول من طرحوه على العالم في ميثاق عصبة الامم وحفظه العالم لهم من وقتها كدعاة مبادئ اخلاقية وانسانية في العلاقات الدولية، وهو ما ينكرونه اليوم على الفلسطينيين الذين عانوا وتحملوا طوال ما يزيد على قرن كامل ما لم يتحمله شعب آخر في العالم"، وتابع: "عندما يغلي الشعب الفلسطيني بالغضب وبالثورة على واقعه،فلا يجب ان نلومه على غضبه او ان نطالبه بضبط النفس وبالمزيد من الصبر والتحمل وتجنب العنف ، وانما يجب ان نؤازره وندعمه ونقف الى جانبه، مؤكدا أن هذا هو أبسط حق له علينا كشعوب عربية واسلامية".
لا صلح مع محتل الأرض
باعتبار أن الواجب الوطني هو التحرك في طريق المقاومة الشعبية ضد الصهاينة من أجل تعزيز مكانة الشعب الفلسطيني، لأن الكيان الصهيوني وحكومته الفاشية لن يوقفوا سياساتهم وخططهم إلا بمقاومة شاملة، وبالفعل تُشير الوقائع على الساحة الفلسطينيّة أنّ القرارات التي تصدر عن الحكومة الفاشيّة في تل أبيب وداخل الغرف المغلقة لمسؤوليها العنصريين أنّ الأمور تسير نحو المجهول، فجميعها تؤدي إلى استنتاج واحد لا غير، يتلخص في أنّ نتنياهو يريد القتل والدمار والحرب، وذلك في ظل تسارع المخططات الاستيطانيّة الصهيونيّة في الضفة الغربيّة المحتلة والقدس من أجل محاولة وسم هوية مدينة القدس كعاصمة يهوديّة لكيان الاحتلال الغاشم وقتل أيّ مساعٍ فلسطينيّة أو دوليّة لإقامة دولة فلسطينيّة في الأراضي المحتلة عام 1967.
ولهذا، أشار السياسي المصري سيد مشرف إلى أن "القضية الفلسطينية لن تحل أبداً إلاّ بالنضال المسلح وأنه لا صلح مع ظالم"، حيث إنّ المقاومة يجب أن تؤدي إلى تحرير الأرض الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة للشعب الفلسطيني عاصمتها القدس الشريف، هو المطلب الشعبيّ الوحيد لهذا الشعب الرازح تحت نير الإرهاب الصهيونيّ، حيث إن مسلسل القتل والعربدة والاعتداءات الإسرائيلية بات مستمراً بشكل يومي، الأمر الذي بعثر الأوراق الأمنية كثيرًا، ويرسخ نظرية الاحتلال الغاصب التي تعتمد على جر قدم المقاومة وأبناء هذا الشعب لجولة تصعيد جديدة ومختلفة قد تصل لحرب شعواء، ربما لا تقف عند حدود فلسطين.
"الأعراف الدوليّة والقانون الدولي والأمم المتحدة والدنيا كلها لا تحترم إلاّ القويّ الباطش، اضربوا بقوة ولا تخافوا"، هكذا خاطب مشرف الشعب الفلسطينيّ، وإنّ الفصائل الفلسطينيّة تدعو بشكل مستمر أبناء الشعب الفلسطينيّ في الضفة والقدس والداخل المحتل، لإشعال الأرض الفلسطينيّة المحتلة تحت أقدام جنود الاحتلال رداً وثأراً لدماء شهداء فلسطين وحماية لأبناء العاصمة الفلسطينية والضفة الغربيّة المحتلة والمستهدفة، لأنّ قوات الاحتلال لا يمكن أن تكف عن قتل واستهداف وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم، وفقاً لما أثبتته الوقائع.
المصدر: الوقت