دول الخليج الفارسي وآسيا الوسطى؛ ولادة اقتصاد عالمي جديد … تحرر من الهيمنة السابقة

مما لا شك فيه أن قمة جدة التي عُقدت العام الماضي بين دول الخليج الفارسي ودول آسيا الوسطى شكلت حجر الأساس لتفعيل وتطوير العلاقات في مختلف النواحي ولاسيما في ظل التطورات العالمية الراهنة وبالتالي الحاجة إلى شراكات أوسع وأعمق جيو سياسياً وجيو اقتصادياً، ولا يختلف عاقلان أنه خلال السنوات الأخيرة نشأت علاقات عميقة بين دول آسيا الوسطى ودول الخليج من قاعدة اقتصادية يمكن التأسيس عليها لشراكة استراتيجية شاملة مع الأخذ بعين الاعتبار حجم المصالح والمنافع المشتركة والانطلاق إلى دور عالمي وإقليمي يبحث عنه الجميع ويحاول أن يحجز دور في ظل كل الاشتباكات والتشابكات الحاصلة.

حيث يعد التعاون الاقتصادي أحد المداخل المهمة التي تؤدي دور القاسم المشترك في العلاقات بين دول الخليج الفارسي ودول آسيا الوسطى، سواء خلال الأزمات، أو لدعم برامج التنمية.

في هذا السياق، يبدو أن هناك توجهًا منذ عام 2014 من دول الخليج الفارسي لدعم التعاون الاقتصادي على أساس ثنائي مع دول آسيا الوسطى، بما يحقق مصالح كل الدول المعنية، حيث عقدت اللجنة السعوديةـ الكازاخستانية المشتركة اجتماعات الدورة الرابعة على المستوى الوزاري في الرياض في (تشرين الثاني) 2014،

وجرى خلال الاجتماعات الاتفاق على زيادة التبادل التجاري والاستثمار في قطاعات الصناعة والتعدين والزراعة والبيئة، وتوسيع وحماية التكنولوجيات والتنمية المستدامة والاتصالات السلكية واللاسلكية وتكنولوجيا المعلومات، والسياحة والإسكان والبنية التحتية، وتبادل المعلومات التفصيلية عن الفرص الاستثمارية والمشروعات القائمة من خلال وكالة كازاخستان الوطنية للتصدير والاستثمار، والهيئة العامة للاستثمار بالمملكة، وتنظيم فعاليات تهدف إلى تعزيز التجارة والاستثمار، وتبادل الخبرات في التجارة والاستثمار، واستكمال المفاوضات بشأن اتفاقية تشجيع الاستثمارات بين حكومة المملكة وحكومة كازاخستان وحمايتها.

كما أن الدور المهم الذي تلعبه دول آسيا الوسطى في النظام الجيوسياسي والاقتصادي الحالي وامتلاكها الثروات يجعلها قبلة للجميع عدا عن كونها محط أطماع الغرب والولايات المتحدة وتدخل في سياق التنافس والصراع على النفوذ.. وإذا حصرنا الحديث بالعلاقة بين دول آسيا الوسطى والخليج الفارسي يُمكن القول إنها تدخل في سياق التحالفات الجديدة المُتشكلة في المنطقة عدا عن أنها علاقة نفعية تبادلية ضرورية لكلا الطرفين ومن المعروف كما تشير المعلومات أن الطرفين يتقاسمان العديد من التحديات والفرص على الساحة العالمية لذلك بات تطوير العلاقات وتفعليها ووضعها في سياق الشراكة ضرورة مُلحة.

وتشير التقارير أن العلاقات بين الطرفين تكتسب أبعاداً مغايرة عن السابق خاصة بعد أن تغيرت نظرة دول آسيا الوسطى التقليدية- تدريجيًّا- إلى دول الخليج الفارسي، وربطها بالجماعات الإسلامية المتشددة، في المقابل، تطمح دول الخليج الفارسي إلى الاستفادة من الموقع الاستراتيجي لمنطقة آسيا الوسطى، كما أنه وفي سعيها لإعادة هيكلة سياساتها الخارجية بتنويع اقتصاداتها، رأت دول الخليج الفارسي في آسيا الوسطى البيئة المناسبة للانطلاق، 

إذ تتمتع دول آسيا الوسطى بتنوع اقتصادي كبير بعد حزمة ضخمة من الإصلاحات الاقتصادية والاستثمارية والاجتماعية التي جعلت من هذه المنطقة أكثر قوة واستقراراً، كما تنظر دول الخليج الفارسي لوسط آسيا على أنه مستقبل الاقتصاد العالمي لما تملكه من ركائز وقدرات بمنطقة أوراسيا، وما تتمتع به من وفرة الموارد خصوصاً في بحر قزوين، حيث الاحتياطات الهائلة من الطاقة والمعادن وإمدادات الغاز والطرق الاستراتيجية تجاه الصين وكذلك البحر الأسود والبحر المتوسط، وأيضا باتجاه الخليج الفارسي والمحيط الهندي، في المقابل تشكل دول الخليج لدول وسط آسيا مصدراً آمناً للاستثمار والانفتاح الإيجابي في المجال الاقتصادي.

يبدو واضحا أن العلاقات الخليجية المطّردة مع دول آسيا الوسطى في طريقها للتطور بشكل أكثر فاعلية، بما يحقق مصالح مختلف الأطراف، عبر بعض الآليات التي تسهم في مزيد من الفهم المتبادل، من خلال إجراء مأسسة الحوار الاستراتيجي بين منطقتي الخليج الفارسي ووسط آسيا؛ للبحث عن أفضل الطرق لتعميق العلاقات بين المنطقتين، من خلال التحرك تحت مظلة مجلس التعاون لدول الخليج الفارسي فضلًا عن أن هناك اعتبارات تستوجب علاقات قوية وشراكات استراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجي وجمهوريات آسيا الوسطى التي ترتبط بروابط تاريخية قديمة منذ بداية الفتوحات الإسلامية، وبدء الهجرة والهجرة المعاكسة من شبه الجزيرة العربية وإليها منذ القرن الهجري الأول، وما ترتب على ذلك من تقارب ثقافي، وانصهار بين القبائل والجماعات في المنطقتين.

و يحظى الجانب الاقتصادي بأهمية كبرى في سلم أولويات العلاقات بين دول الخليج الفارسي ودول آسيا الوسطى، ويأتي في مقدمة القطاعات الاقتصادية المهمة، قطاع النفط والغاز الذي تنتج منه دول آسيا الوسطى كميات ضخمة، خصوصاً كازاخستان وتركمانستان، في الوقت ذاته وحسب التقديرات الرسمية، وصل حجم التبادل التجاري بين دول الخليج الفارسي ودول آسيا الوسطى إلى 3.1 مليار دولار في عام 2021، وجرى خلال الفترة الأخيرة توقيع العديد من الاتفاقيات والاستثمارات بين الدول الخليجية ودول آسيا الوسطى، منها الاستثمارات التي تلقتها كازاخستان من صندوق الاستثمارات العامة في السعودية، وحصلت أوزبكستان على اتفاقيات استثمار بقيمة 14 مليار دولار من السعودية، بالإضافة إلى استثمارات من الإمارات في قطاع الطاقة بقيمة تجاوزت 3 مليارات دولار.

وتعد دول آسيا الوسطى منطقة جغرافية مغلقة تقع في قلب قارة آسيا أو قلب العالم، وهي تضم كلاً من أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان، وهي لا تطل على أيٍّ من البحار المفتوحة لكن موقعها الجغرافي يجعلها ذات أهمية كبرى، وتمتد من غرب الصين شرقاً حتى بحر قزوين وإيران غرباً، بعدد سكان يصل إلى 73 مليون نسمة، وناتج محلي إجمالي يصل إلى نحو 368 مليار دولار للدول الخمس، ولدى هذه الدول احتياطيات ضخمة من المعادن والنفط والغاز الطبيعي والفحم، والمياه، وتقدَّر احتياطيات الغاز في دول آسيا الوسطى والقوقاز بأربعة وثلاثين في المائة من الإجمالي الدولي، ما يؤهلها للقيام بدور مؤثر في أمن الطاقة العالمي.

 مجد عيسى

المصادر:

1- https://cuts.top/GnFS

2- https://cuts.top/GnGb

3- https://cuts.top/Isum

4- https://cuts.top/GnGV