جزيرة الانقسامات !

اقترحت الحكومة البريطانية في الأيام الأخيرة سلسلة من التخفيضات على مدفوعات الإعاقة والعجز والتي تهدف إلى خفض تكاليف الرعاية الاجتماعية بما يزيد عن 5 مليارات جنيه إسترليني سنوياً. وتتضمن الخطة تقييد الوصول إلى مدفوعات الاستقلال الشخصي (PIP) وخفض معدل فوائد الإعاقة الجديدة ووضع حد أقصى للمدفوعات الحالية.

مايو 17, 2025 - 04:31
 66
جزيرة الانقسامات !
جزيرة الانقسامات !

اقترحت الحكومة البريطانية في الأيام الأخيرة سلسلة من التخفيضات على مدفوعات الإعاقة والعجز والتي تهدف إلى خفض تكاليف الرعاية الاجتماعية بما يزيد عن 5 مليارات جنيه إسترليني سنوياً. وتتضمن الخطة تقييد الوصول إلى مدفوعات الاستقلال الشخصي (PIP) وخفض معدل فوائد الإعاقة الجديدة ووضع حد أقصى للمدفوعات الحالية. وتشير الدراسات المستقلة إلى أن هذه التخفيضات قد تؤدي إلى زيادة كبيرة في نسبة الفقر ودفع حوالي 250 ألف شخص إلى ما دون خط الفقر. في المقابل تزعم الحكومة أن الإصلاحات سوف تساعد في تشجيع الأشخاص الذين يعانون من حالات طبية معينة على دخول سوق العمل، ولكن الخبراء الاقتصاديين والتحليلات التي أجرتها منظمات مثل NEF ألقت الشكوك على هذا الادعاء. وبشكل عام فإن تنفيذ هذه الخطط لا ينطوي على أبعاد مالية هائلة فحسب، بل إنه سيفرض أيضاً عبئاً اجتماعياً ونفسياً ثقيلاً على الأسر المحتاجة والأفراد ذوي الإعاقة وهو ما قد يؤدي إلى أزمة رعاية اجتماعية واسعة النطاق في المملكة المتحدة.

تهدف حكومة المملكة المتحدة إلى توفير ما بين 5 إلى 7 مليارات جنيه إسترليني سنويًا من خلال إصلاحات مدفوعات الاستقلال الشخصي (PIP) وتتضمن هذه الخطة التشديد على المتطلبات الأهلية وتقليص خطوات التقييم وتحديد النقاط المطلوبة. إن التغيير الرئيسي في النظام الجديد هو ضرورة الحصول على أربع نقاط على الأقل في "نشاط واحد من أنشطة الحياة اليومية" لتلقي عنصر الحياة اليومية من برنامج الحماية الشخصية حتى لو حصل المتقدم على إجمالي ثماني نقاط أو أكثر. يؤدي هذا التغيير إلى تحويل تركيز التقييم من الاحتياجات المتعددة والجماعية إلى حاجة مهيمنة وقد يؤدي إلى استبعاد العديد من الأشخاص من تلقي هذه الفائدة وخاصة المصابين بأمراض مختلفة وحتى أولئك الذين لديهم احتياجات ضرورية.

وقد أثارت الإصلاحات التي من المقرر تطبيقها على المتقدمين الجدد اعتبارًا من نوفمبر 2026 وعلى المتقدمين الحاليين بعد إعادة التقييم مخاوف عميقة بين المدافعين عن الأشخاص ذوي الإعاقة. وتتوقع وزارة العمل أن تؤدي هذه التغييرات إلى تقليص النمو في حالات الحماية من الإصابات الشخصية لكن الجمعيات الخيرية تزعم أن هذا الإجراء لن يؤدي إلى زيادة الإنتاجية فحسب بل سيؤدي أيضاً إلى زيادة التكاليف الاجتماعية المخفية. 

كما أن خفض فوائد برنامج الحماية الشخصية سيكون له تأثير مباشر على دخل الأسر التي لديها شخص معاق، وكثير منهم يعيشون بالفعل في ظروف مالية صعبة. ويمكن أن يؤثر هذا الانخفاض في الدخل على قدرة الأشخاص ذوي الإعاقة على تلبية نفقات المعيشة، بما في ذلك الادخار للتقاعد أو استكمال دخلهم التقاعدي. يعتمد الأشخاص غير القادرين على العمل بدوام كامل أو غير القادرين على كسب ما يكفي للتقاعد بسبب الإعاقة بشكل كبير على المزايا مثل PIP  وتقليص هذه المزايا قد يعرض مستقبلهم المالي للخطر ويزيد من اعتمادهم على الدعم الحكومي أو الخيري أثناء التقاعد. وحذرت التقارير من أن هذه الإصلاحات قد تؤدي إلى زيادة التشرد وزيادة الضغط على خدمات الدعم المحلية، وخاصة في المناطق ذات معدلات الفقر البنيوي المرتفعة. 

وبالإضافة إلى ذلك تشير الدراسات إلى أن تقليل المزايا من شأنه أن يزيد من القلق والاكتئاب والضغوط النفسية لدى الأشخاص ذوي الإعاقة وأسرهم. وبحسب تقرير سكوب فإن 52% من الأشخاص ذوي الإعاقة قالوا إن ارتفاع تكاليف المعيشة كان له تأثير سلبي على صحتهم العقلية، كما شهد 46% تأثيراً مماثلاً على أفراد أسرهم (1) ويعتقد العمال أن الضغوط المالية الجديدة قد تؤدي إلى زيادة الحاجة إلى خدمات الرعاية الاجتماعية وتأجيج أزمة الرعاية الاجتماعية. كما أن ارتفاع تكاليف الطاقة والإسكان والرعاية الصحية يؤدي إلى تفاقم الفقر الهيكلي في الأسر ويزيد من احتمالات التوترات والصراعات الأسرية. من المرجح أن تشتد الاحتجاجات في الشوارع والدعم الاجتماعي ضد خفض المزايا في جميع أنحاء المملكة المتحدة؛ وفي هذه الأثناء أقيمت مظاهرات شارك فيها مئات الأشخاص أمام مكاتب وزارة الرعاية الاجتماعية والبرلمان.

وفي رسالة مشتركة، وصف أكثر من 40 نائبا من حزب العمال الخطة بأنها "غير قابلة للدعم" ودعوا إلى وقفها. وانتقدت منظمات المجتمع المدني مثل Trust for London وCarers UK الحكومة بشدة، مؤكدة أن هذه القرارات من شأنها أن تؤدي إلى زيادة الفقر وانخفاض مستوى المشاركة الاجتماعية لهؤلاء الأشخاص. وترسم وسائل الإعلام الرئيسية أيضًا صورة موحدة للأزمة المتفاقمة والتي أدت إلى إضعاف المصداقية السياسية للحكومة وزيادة التوترات الاجتماعية.(2) 
 
وبالإضافة إلى ذلك، يظهر التحليل الاقتصادي الذي أجرته مؤسسة التمويل الوطني NEF  أن المدخرات المعلنة (حوالي 4.8 مليار جنيه إسترليني) وهي أقل من القيمة المعلن عنها خلال التطبيق العملي لها، وفي أفضل الأحوال قد تخلق عبئا ماليا إضافيا قدره 2 مليار جنيه إسترليني على نظام الرعاية الاجتماعية. وخلصت تقارير الخبراء المختلفة إلى أن القيمة الاقتصادية لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة تتجاوز التكاليف المترتبة على ذلك وأن تقليص هذا الدعم قد يكون ضاراً بإنتاجية وصحة الاقتصاد ونظام الصحة العامة بشكل عام.

وتشير التقارير الحكومية إلى أنه حتى مع الإصلاحات فإن النمو في عدد المستفيدين من هذه المدفوعات سيظل عند حوالي 750 ألف شخص بحلول عام 2029-2030، وهو ما لن يقلل من التكاليف الإدارية والاجتماعية على المدى الطويل. والسؤال الأساسي هنا هو ما إذا كانت أزمة الرعاية الاجتماعية التي فرضتها الحكومات على نفسها سوف تؤدي بالفعل إلى تسريع تعافي سوق العمل أم أنها سوف تؤدي فقط إلى زيادة التكاليف الخفية. 

وبشكل عام فرضت سياسات التقشف التي تنتهجها الحكومة البريطانية ضغوطاً كبيرة على الفئات ذات الدخل المنخفض والأسر المعرضة للخطر من خلال فرض تخفيضات واسعة النطاق في الميزات. ولم تؤد هذه التدابير إلى تفاقم الفقر الهيكلي والضغوط النفسية فحسب، بل أدت أيضاً إلى ردود فعل سياسية واجتماعية واسعة ونحن نشهد ركوداً في فعاليتها الاقتصادية. وبدلاً من الحد من التفاوت فإن هذا النهج التقشفي يعمل على توسيع الانقسامات الطبقية وتعميق أزمة الرعاية الاجتماعية في المجتمع، وهو ما قد يشكل تحديات كبرى لاستمرار النظام الملكي البريطاني وشرعية الحكومة في الأمد البعيد.

أمين مهدوي


1-  https://www.scope.org.uk/campaigns/research-policy/cost-of-living-report
2-  https://neweconomics.org/2025/03/the-true-scale-and-impact-of-benefit-cuts-for-ill-and-disabled-people