السلطة الفلسطينية تتواطأ مع الاحتلال الصهيوني للقضاء على المقاومة في جنين
السلطة الفلسطينية تتواطأ مع الاحتلال الصهيوني للقضاء على المقاومة في جنين
الوقت- تعتبر مدينة جنين أحد أهم معاقل المقاومة الفلسطينية طوال عقود الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، فمنذ البداية وحتى اليوم، رفض أبناء هذه المدينة الاستسلام لقوات الاحتلال، بل خاضوا معارك بطولية للدفاع عن أرضهم وحقهم في الحياة والحرية.
عززت جنين سمعتها كرمز للعصيان المدني والمقاومة المسلحة من خلال العديد من العمليات النوعية ضد الاحتلال، وقد استشهد الآلاف من أجل تحرير الأرض، كما تعرضت للعديد من عمليات العقاب الوحشية إلا أنها لم تستسلم، لذا فإن جنين تبقى رمزاً للصمود والثبات على الهوية الفلسطينية رغم كل التحديات والصعاب، وهي بحاجة لدعم العالم لمواجهة المخططات الإسرائيلية لاحتلالها.
في السياق نفسه يُذكر أن المنطقة التي وُلد فيها مخيم جنين هي بحد ذاتها ذات أهمية تاريخية من حيث القومية الفلسطينية وروح المقاومة ضد الاحتلال، فقد كانت منطقة جنين معقل أول مقاومة فلسطينية منظمة ضد الحكم البريطاني، بقيادة السوري المولد عز الدين القسام، الذي قُتل في معركة عام 1935 في يعبد، على بُعد 18 كيلومتراً فقط غرب جنين، كذلك كان العديد من قادة الثورة الفلسطينية عام 1936 من جنين أو مقيمين فيها، مثل فرحان السعدي ويوسف أبو درة، إلى أن أعطى إنشاء مخيم للاجئين في مكان من هذا التراث السياسي رمزية إضافية، ويخشى العدو أن تتحول جنين إلى معضلة لا يستطيع مواجهتها، ويضطر إلى التعامل معها كأمر واقع، كما هي الحال في غزة.
ولقد تَصَدَّر مخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة صور المقاومة والتحدي للعدو الإسرائيلي، وذلك عبر تنفيذ عمليتين فدائيتين داخل فلسطين المحتلة عام 1948، خلال أقل من أسبوعين، الأولى عملية "بني براك" في "تل أبيب" المحتلة، وأدت إلى مقتل خمسة مستوطنين، ونفّذها الشهيد البطل ضياء حمارشة، والثانية في شارع ديزنكوف في قلب "تل أبيب" المحتلة، وقام بها الفدائي الشهيد رعد حازم، وأسفرت عن مقتل 3 مستوطنين وإصابة العشرات.
خطة إسرائيلية للقضاء على المقاومة في جنين
تشير العديد من المصادر إلى وجود خطة أمنية خطيرة تتم صياغتها حالياً داخل غرف مغلقة بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية، تستهدف بشكل خاص القضاء على مقاومة مدينة جنين ومخيمها، تهدف الخطة إلى تفريغ المدينة والمخيم من أي أسلحة قد تعيق عمليات الجيش الإسرائيلي.
لطالما كان مخيم جنين شوكة في حلق الاحتلال بسبب دروس المقاومة وعملياتها النوعية التي أذلت الجيش الإسرائيلي وبعثرت خططه الأمنية، غير أن كل المخططات السابقة للقضاء على المقاومة هناك فشلت، ما دفع "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية للتواطؤ معاً لتحقيق هذا الهدف، حيث كشف القيادي في حركة الجهاد الإسلامي ماهر الأخرس عن خطة مشتركة بين الكيان والسلطة الفلسطينية تقوم على نشر آلاف من جنود السلطة على مداخل جنين لفرض سيطرة أمنية كاملة.
تفاصيل الخطة
قال الأخرس بتصريحات نشرت له على مواقع فلسطينية محلية، إنّ السلطة أقامت غرفة عمليات أمنية تضم كبار الشخصيات الأمنية في السلطة، واستدعت فيها الشخصيات التي وقفت على رأس خطة فكفكة “عرين الأسود”، لتطبيق خطتها في جنين.
وأوضح أنّ هذه الشخصيات ممثلة عن مجمل الأجهزة، وأضيف لها عناصر من حرس الرئاسة التي زودت المقرات الأمنية بعشرات الأشخاص، يناط بهم منع أي مظاهر للاحتفاء بالمقاومة في جنين، لافتًا إلى أن هؤلاء الأشخاص تم تزويدهم بالسلاح والمركبات المصفحة، وينتشرون في مختلف المقرات بالمدينة والمخيم، ووظيفتهم الحصرية هي ملاحقة أي مظاهرة تحتفي بأي عملية فدائية، أو محاصرة وتطويق أي مسير للمقاومين في المخيم.
وبيّن الأخرس أن هذه الغرفة هي نتاج خطة أقرّت بعد اجتماعات “العقبة وشرم الشيخ”، وفعلّت بشكل رئيسي بعد الاجتياح وعلى ضوء أداء المقاومة البطولي في دحر قوات الاحتلال عن المخيم، موضحًا أن السلطة عرضت خطة تشتمل على مجموعة نقاط لتفريغ كتيبة جنين، أولها مساومة المقاومين على تسليم الأسلحة مقابل الحصول على عفو من الاحتلال عنهم وضمان عدم ملاحقتهم.
قال الأخرس إن الخطة أيضاً تشتمل عروضاً بوظائف وأموال على غرار ما حدث في عرين الأسود، “واستعانت بأشخاص وقفوا على فكفكة هذا الملف؛ ليطبقوا رؤيتهم وخطتهم المتعلقة بشأن المساومات المقدمة لبعض المطاردين”.
وذكر أن الخطة شملت أسلوب التهديد والترهيب من ناحية الاعتقال ورفض الإفراج حتى لو صدرت قرارات من المحاكم، وربط اعتقال المقاومين بذمة الجهات الأمنية العليا، وتهديد عوائل المطاردين بإمكانية اغتيالهم في أي لحظة، ضمن أسلوب الترهيب المستمر.
وبيّن أنّ هذه الخطة بمجملها تعبر عن رغبة لتطبيق تصريحات رئيس السلطة محمود عباس، التي قال فيها “لن نسمح أن تكون بلاطة كجنين”، في إشارة لرغبته حسم وجود المقاومة، وعدّ هذه الإجراءات مشاركة واضحة من السلطة في تصفية المقاومة وإنهاء وجودها، في وقت تتفرج فيه على جرائم المستوطنين وحربهم المفتوحة ضد أبناء شعبنا.
ودعا قيادة حركة فتح وشرفاء الحركة إلى ضرورة الوقوف تجاه هذه الإجراءات التي تستهدف جميع المقاومين على حد سواء، وتهدف لتأمين الاحتلال على حساب دماء شعبنا وأرواح أبنائه.
وفي ذات السياق توقع المحلل السياسي، حسن عبدو، أن طرق محاولات الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في فكفكة مجموعات المقاومين في الضفة، ستبوء بالفشل الحتمي، عازياً الأمر، إلى أن المقاومة هي خيار شعبي، ومستمرة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
الخطة ستفشل
تاريخ مدينة جنين يشهد ببسالة أبنائها والتزامهم بقضية المقاومة والدفاع عن الأرض مهما كلف الثمن، رغم كل المخططات والمؤامرات التي تدبرها السلطة الفلسطينية بالتنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي لقمع الروح المقاومة في جنين، إلا أن أبناء هذه الأرض الطاهرة قد أثبتوا عبر التاريخ أنهم لن يستسلموا لأي ضغط أو تهديد، فالمقاومة في جنين مدرسة تاريخية وروح لا تقهر ضد المحتل ومن تعاون معه، وسيظل أبناؤها يواصلون نضالهم بكل الوسائل حتى تحرير الأرض الفلسطينية بإذن الله، فالاحتلال وعملاؤه لن يستطيعوا كسر إرادة الشعب الفلسطيني .
لذلك يمكن القول إن جنين لها تاريخ طويل في مقاومة الاحتلال يعود إلى فترة الاحتلال البريطاني، هذه الخبرة والتقاليد المتراكمة تنتقل عبر الأجيال، وأيضاً جغرافيا مخيم جنين وبنيته التحتية تجعل من الصعب على القوات الإسرائيلية تنفيذ عملياتها دون مواجهة معارضة قوية، فالأزقة الضيقة تمنح المدافعين ميزة، وفي السياق نفسه وبعد كل هذه السنوات لقد برزت جنين كرمز للصمود الفلسطيني.
إن التخلي عن المقاومة سيقوض معنويات جميع الفلسطينيين الذين يكافحون تحت الاحتلال، فالمقاتلون متجذرون في المجتمع ويقاتلون للدفاع عن عائلاتهم ومنازلهم وأراضيهم، هذا الدافع الشخصي العميق لا يمكن إخماده بالضغط الخارجي وسيساعد الدعم من القرى والمدن المجاورة على استمرار مقاومة جنين حتى لو حاولت السلطة الفلسطينية عزلها، التضامن الشعبي من شأنه أن يقوض الخطط التعاونية وستستمر أشكال المقاومة الشعبية اللاعنفية مثل التظاهرات والإضرابات فلم تكن "إسرائيل" قادرة على سحق الانتفاضات على الرغم من القوة المميتة.
مقاومة جنين بأسسها القوية ستنجو من القمع مع صعود مناطق أخرى لهذا من الواضح أن المقاومة في جنين هي نتاج عضوي للوعي السياسي للسكان وللظروف المادية تحت الاحتلال.
في النهاية أصبح اللعب بالضفة الغربية خطراً على الکيان الإسرائيلي، فاليوم، لا تقل كمية الأسلحة في الضفة الغربية عن كمية الأسلحة في غزة، إن لم تكن أكثر، ومع ذلك فإن سكان غزة لا يتمتعون بحرية التصرف التي يتمتع بها الفلسطينيون في الضفة الغربية، وصحيح أن الضفة الغربية تتجه بسرعة نحو الصراع مع الکيان الإسرائيلي، لكن الوصفة التي ابتكرها القادة الإسرائيليون للتغلب عليها لا تنجح، إذا كان الحل هو القمع وإظهار القبضة الحديدية، فقد اختبر الکيان الإسرائيلي ذلك في عام 2002 ضد جنين، عندما لم تکن جنين مسلحةً وكان مجموع أسلحتها أقل من عدد الأصابع؛ لکن الآن تحولت الضفة الغربية إلى بركان، ولا يكاد يوجد فيها شاب لا يملك سلاحًا.
المصدر: الوقت