الاستقلال الدفاعي لأوروبا لن يكون سهلاً
بعد أن بدأت الحرب في أوكرانيا، فكر الاتحاد الأوروبي أكثر في تعزيز قاعدته الدفاعية وزيادة قوته العسكرية. وبطبيعة الحال، فإن لهذه الحادثة أيضا سياقٌ أقدم وهو الخوف من خسارة الدعم العسكري للولايات المتحدة الأمريكية وهو الحدث الذي ذكره السيد ترامب عدة مرات عندما كان الرئيس السابق للولايات المتحدة.
بعد أن بدأت الحرب في أوكرانيا، فكر الاتحاد الأوروبي أكثر في تعزيز قاعدته الدفاعية وزيادة قوته العسكرية. وبطبيعة الحال، فإن لهذه الحادثة أيضا سياقٌ أقدم وهو الخوف من خسارة الدعم العسكري للولايات المتحدة الأمريكية وهو الحدث الذي ذكره السيد ترامب عدة مرات عندما كان الرئيس السابق للولايات المتحدة. وفي هذا الشأن، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسا فان دير لاين في خطابها السنوي يوم 13 سبتمبر/أيلول في البرلمان الأوروبي أن الاتحاد سيزيد ميزانيته العسكرية والدفاعية في العام الجديد رغم التحديات والصعوبات الحالية، وفي كلمتها عن وضع الاتحاد، وصفت الخلافات والمناقشات التي دارت خلال السنوات القليلة الماضية حول الاستثمار في الصناعة الدفاعية لهذه الكتلة ببداية ظهور "الاتحاد الدفاعي الأوروبي" كما أسمته[1].
استراتيجية الصناعات الدفاعية الأوروبية هي خطة جديدة تسعى إلى تعزيز إنتاج المعدات الحيوية والرئيسية وتسعى إلى الاستقلال الدفاعي الأوروبي الكامل في جميع مراحله، من التصميم إلى الخدمات اللوجستية وسلسلة التوريد والتصنيع والإنتاج، وتشبه هذه الخطة استراتيجية الدفاع الأوروبية قانون الإنتاج: وهو من مسؤولية اللجنة التنفيذية للاتحاد الأوروبي. كما أنها قريبة من فكرة الاستثمار الدفاعي الأوروبي، وهي الخطة التي تم تأجيلها بسبب قضايا ضريبية وحزم الحوافز بسبب افتقارها إلى الشفافية. ولدى فان دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية رؤية طموحة لهذه الاستراتيجية، وتعتقد أنها لا ينبغي أن تقتصر على قضايا الدفاع أو إنتاج الذخيرة العسكرية فحسب، بل يجب أن تدخل أيضًا في مجالات أكثر تحديًا مثل الفضاء والأمن السيبراني، وإيجاد استراتيجية خاصة لهذه المجالات أيضاً.
وهناك نقطة أخرى حول هذه الاستراتيجية، وهي أنه وفقا لرئيس المفوضية الأوروبية، يجب على جميع الدول الأعضاء في الاتحاد العمل على زيادة قدرتها الصناعية، ويجب أن يتم ذلك حتى في مجال البحث والتطوير العسكري. وعليه تسعى المفوضية الأوروبية إلى العمل على تحديد الأولويات الرئيسية والمشتركة والمفضلة لدى الأعضاء من أجل التوصل إلى برنامج مشترك ومتماسك، بحيث يكون مقبولاً لدى كافة أعضاء الاتحاد. هناك فهم بأن تجميع الموارد، والاستثمار في البحوث، وتوفير أفضل التقنيات بأكثر الطرق فعالية من حيث التكلفة ومن ثم تقاسم فوائد هذه البحوث الدفاعية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هي الطريقة الأكثر منطقية والممكنة ويمكن أن تؤدي إلى زيادة في الأمن لأوروبا.
ويبدو أن الموافقة على ميزانية الدفاع للاتحاد الأوروبي، رغم القيود المالية والأزمة النقدية، تحظى بإجماع أعضاء البرلمان الأوروبي، ومن المرجح أن تشهد هذه الميزانية زيادة تزيد على 600 مليون يورو، [2]، وهذا يعني أن أوروبا متخلفة إلى حد ما عن تنفيذ خطط البنية التحتية الرئيسية، لأنه وفقا لتقديرات البرلمان الأوروبي في عام 2020، كان ينبغي تخفيض ميزانية الدفاع بين عامي 2021 و 2027 وضخها في البنية التحتية للاتحاد، وهو ما لم يحدث حتى الآن . وكان أحد الأسباب الرئيسية لهذه الزيادة هو عدم كفاية ميزانيتها في عام 2023، مما جعل توريد الأسلحة خاصة لأوكرانيا يشكل تحديا لدرجة أن الاتحاد الأوروبي اضطر إلى الإنفاق من أماكن أخرى لتعويض هذا العجز في الميزانية.[3]
ومن المسائل المهمة الأخرى حول استراتيجية الدفاع الأوروبية الجديدة هي الخطة طويلة المدى لتنفيذ وتحقيق الأهداف، ففي السابق كانت الخطط والميزانيات الدفاعية محدودة بالوقت المناسب وكلها تقريبًا ستنتهي بحلول نهاية عام 2027، هذه الفكرة الجديدة التي قد صرحت عنها السيدة فان ديرلين رئيسة المفوضية الأوروبية بأن الاتحاد يسعى إلى سد هذه الفجوة حتى تتمكن أوروبا من أن تصبح قوة عسكرية مستقلة وتكتسب المزيد من القوة التفاوضية والفعلية في النظام الدولي.
لكن على الرغم من حديث السيدة فان ديرلين وتوضيحاتها، يبدو أنها لم تتمكن من شرح هذه الخطة والبرنامج بشكل جيد لكل من الأعضاء والمستثمرين الرئيسيين مثل شركات الدفاع، وأشارت إلى أن بعض هذه الأعمال والقضايا ينبغي أن تكون بالتعاون مع حلف شمال الأطلسي، لكنها لم تذكر كيف ومن الممكن أن تتحول هذه القضية إلى نقطة نقاش وتحدي في البنية البيروقراطية للاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني عدم قدرة المفوضية والبرلمان على التوصل إلى نتيجة مشتركة. بالإضافة إلى ذلك، وبالنظر إلى فكرة توسيع الاتحاد الأوروبي، فإن السيدة فان ديرلين متفائلة للغاية بأنه سيتم الموافقة على هذه الخطة وتنفيذها خلال فترة 5 سنوات تقريبًا. في الواقع يمكن القول أن هذه الفكرة طموحة إلى حد ما، خاصة وأن لديها هي وزملاؤها في الاتحاد الأوروبي معارضون جادون وأقوياء يعتقدون أنه لا ينبغي إنفاق الميزانية الدفاعية والعسكرية من أجل أوكرانيا وسيتم فرض ضغوط اقتصادية بسببها، وبدلاً من ذلك، يعتقد شعوب أوروبا أنه من خلال الميزانية الخاصة في الاتحاد، سيكون من المنطق تحقيق الاستقلال الدفاعي وتوسيع مشاريع البنية التحتية معاً. في الواقع، هذا الاتجاه، الذي أصبح أكثر شعبية في أوروبا يوما بعد يوم، يمكن أن يواجه تحدياً من أفكار وآراء الأعضاء الحاليين. من الممكن أن تمثل الانتخابات البرلمانية الأوروبية آراء شعوب هذه القارة، وما يقررونه بشأن مستقبلهم وإلى أين يريدون الذهاب. ومن الضروري أن نراقب ونرى ما سيحدث لميزانية دفاعه نظراً لأهمية قضية الدفاع بالنسبة لأوروبا اليوم، وهل يستطيع هذا الاتحاد التغلب على هذا التحدي والوصول إلى حل شامل أم لا، وهل شعوب هذه القارة قادرة على ذلك؟ و هل تتفق إرادتهم مع إرادة المسؤولين السياسيين أم لا؟
[1] euractiv.com
[2] euronews.com
[3] reuters.com