إدارة بايدن تتحمل مسؤولية الإرهاب الإسرائيلي ضد الفلسطينيين
في تحليل نشرته صحيفة “هآرتس” مؤخراً، اعتبر الدبلوماسي الإسرائيلي السابق، ألون بينكاس، أن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية كبيرة تجاه السياسات التي تنتهجها حكومة نتنياهو بحق الفلسطينيين، وذلك بسبب دعمها غير المشروط لـ “إسرائيل”، بغض النظر عن جرائمها وانتهاكاتها للقانون الدولي والأمريكي، متسائلاً: “متى ستتوقف الولايات المتحدة عن التظاهر بأن الأمور طبيعية في إسرائيل نتنياهو؟”.
وعلى الرغم من إن سؤاله بلاغي، لكنه مع ذلك بالغ الأهمية، حيث أحرجت الولايات المتحدة نفسها مرة أخرى من خلال الترويج “لإتفاق” زائف تماماً تم التوصل إليه في العقبة بالأردن، بين الحكومة “الإسرائيلية” المتطرفة والسلطة الفلسطينية بينما كان المستوطنون الإسرائيليون يحرقون بلدة حوارة، لكن بينكاس يعالج هذا المسألة في النهاية، بمحاولة فارغة قائلاً: “الأصدقاء لا يسمحون للأصدقاء بإلغاء الديمقراطية”.
تمثل وجهة نظر بينكاس هذه وجهات نظر العديد ممن ينتقدون “إسرائيل” حالياً، إما لأول مرة علناً أو بأسلوب أقسى من ذي قبل، وبخاصة على ضوء تقويض الحكومة لما يُسمى بـ “الديمقراطية الإسرائيلية” تجاه مواطنيها، لكنهم يتجاهلون وجهة نظر أوسع وأكثر ثباتاً للمسار الذي تنتهجه “إسرائيل” منذ ولادة الحركة الصهيونية، وكيف أن نهج الحكومة الحالية تجاه الفلسطينيين ليس بجديد، فمن الواضح أن هذه الرؤية المضللة متأصلة في كل حركة احتجاج في “إسرائيل”.
من المؤكد أن “إسرائيل” مسؤولة عن السلوكيات والسياسات التي تنتهجها، لكن فكرة أن الولايات المتحدة لا تتحمل أي مسؤولية ولا أي واجب أخلاقي لتغيير السلوك الإسرائيلي هي فكرة مضللة تماماً، حيث أن الولايات المتحدة تتحمل بسبب دعمها غير المشروط لـ “إسرائيل” مسؤولية كبيرة عن نهج الأخيرة. إضافة إلى قيام الولايات المتحدة بتعاون كامل من “إسرائيل”، وذلك بتنصيب نفسها على أنها “الوسيط” الوحيد المقبول بين إسرائيل والفلسطينيين، وعلى هذا النحو، فهي الهيئة الوحيدة في العالم التي تتمتع بما يكفي من النفوذ والقوة والضغط لجعل “اسرائيل” تغير نهجها وسياساتها الاستبدادية.
في الواقع، تستمر الولايات المتحدة منذ احتلال فلسطين، بدعم “إسرائيل” مالياً، ودبلوماسياً في المحافل الدولية، فضلاً عن إصدراها شيكاً مفتوحاً لـ “إسرائيل” وخلق “علاقة خاصة” سرطانية و “رابطة غير قابلة للكسر”، وهو الأمر الذي يمنح “إسرائيل” القدرة على ارتكاب الجرائم مع الإفلات من العقاب بكل سهولة. كما أنه بمثابة حافز كبير “لإسرائيل” ليس فقط للحفاظ على سياساتها القمعية وغير القانونية، ولكن لتغليف معاملتها الوحشية للفلسطينيين. لذا فإن هذه الهبة المتمثلة في المساعدة على الإفلات من العقاب، هي التي تثبت ذنب الولايات المتحدة، ولا تخلق فقط المسؤولية الأخلاقية التي أنكرها بينكاس على الولايات المتحدة.
من المؤكد أن رعاية الولايات المتحدة “لإسرائيل” ليست بجديدة، فقد كان هذا هو الحال منذ ما قبل حرب 1967، ويمكن القول حتى قبل قيام ما تُسمى “دولة إسرائيل” من خلال تدمير المجتمع الفلسطيني، وهذه واحدة من مشاكل تفكير بينكاس.
من خلال السؤال عن موعد اعتراف الولايات المتحدة بالحكومة الحالية على أنها “غير طبيعية”، يشير بينكاس إلى أن حكومة نتنياهو الجديدة فريدة من نوعها.
في الحقيقة، من ناحية السياسة الداخلية الإسرائيلية، هذا صحيح، إذ من المؤكد أن الاعتداء على القضاء الإسرائيلي جديد، حتى لو كان نتنياهو يقوم بذلك خوفاً من ملاحقته قضائياً بسبب فساده الهائل منذ سنوات، فالهجمات الخطابية على النظام القانوني “الإسرائيلي” قديمة، لكن التغييرات الهيكلية الفعلية التي تهدف إلى تجريد القضاء من سلطته بالنسبة لبقية الحكومة الجديدة، والنتيجة هي الاحتجاجات في جميع أنحاء “إسرائيل”.
لكن في حين أن شركاء بنيامين نتنياهو الجدد، إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش، صعَدوا من حجم ونطاق الهجمات الروتينية على الفلسطينيين، فإن ذلك ليس بجديد، كما أن توغلات جيش الاحتلال والمستوطنين تعتبر ممارسات اعتيادية، كانت تتصاعد حدتها قبل فترة طويلة من وصول هذه الحكومة إلى السلطة.
من الجدير بالذكر، أن عام 2022 شهد أكبر عدد من الشهداء الفلسطينيين على يد “إسرائيل” منذ 2005، ولم يكن ذلك في عهد نتنياهو وسموتريتش وبن غفير، بل في عهد حكومات نفتالي بينيت، ويائير لابيد.
وبالمثل، بينما كان نتنياهو يحاول تسريع ضم الضفة الغربية في عام 2020، فإن عملية الضم التدريجي للأراضي المحتلة جارية منذ عام 1968، وبوضع الضفة الغربية تحت سلطة بتسلئيل سموتريتش المدنية، تم تجاوز الحد الفاصل، وكما قال المحامي والناشط السياسي المتخصص في القانون الدولي لحقوق الإنسان مايكل سفارد، إن الأمر يرقى إلى مستوى “الضم الشرعي للضفة الغربية”.
في مواجهة كل هذا، فإن الولايات المتحدة تلتزم الصمت، ويتحدث بينكاس عن بعض كلمات التوبيخ من واشنطن، لكن هذا التوبيخ اللطيف كان موجهاً بصورة مباشرة للهجوم الإسرائيلي على نظامها القضائي، ولم يكن هناك توبيخ لجيش الاحتلال الإسرائيلي لممارسته الروتينية المتمثلة في حماية المستوطنين أثناء مهاجمتهم لحوارة، على سبيل المثال.
على الرغم من توجيه ثلاث رسائل إلى الرئيس جو بايدن يتم تداولها في الكونغرس، وتنتقد حكومة نتنياهو، تكمن المشكلة الأكثر خطورة في أن أياً من الرسائل لا يعبر عن أي قلق من الهجمات الوحشية على الفلسطينيين أكثر مما أظهرته إدارة بايدن، وقد كان تصريح النائبة إلهان عمر عن القلق بشأن إلحاق الأذى بالمدنيين الفلسطينيين، البيان الوحيد من هذا القبيل.
من الواضح الآن أن إدارة بايدن لا تريد مواجهة “إسرائيل”، بغض النظر عن عمق الجرائم التي ترتكبها، ولكن الضغط من داخل حزبه يتزايد، وسيبدو بايدن إذا حاول الحفاظ على صمته بشأن الانتهاكات المشينة التي تمارسها “إسرائيل”، ضعيفاً للغاية.
لا تزال فكرة إنهاء المساعدة العسكرية “لإسرائيل” مستحيلة، لكن اشتراطها بالامتثال للقانون الأمريكي، ومعايير حقوق الإنسان هي فكرة لم تعد خارج نطاق النقاش في واشنطن. ومع ذلك، سوف يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن يتم اتخاذ هذه الخطوة الواضحة، لكن هذا ليس خيار بايدن الوحيد.
إن أحد البدائل هو وقف العمل لتوسيع ما يسمى باتفاقات “أبراهام”، وهي الصفقات التي توسطت فيها الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، حتى دون أي اتفاق مع الفلسطينيين.
يمكن لبايدن أيضاً إبطاء التعاون التجاري الآخر الذي تسهله الإدارة الأمريكية، الأمر الذي سيؤدي بالتأكيد إلى إثارة المخاوف في تل أبيب التي بدأت بالفعل في الغليان بشأن إمكانات شركات التكنولوجيا الإسرائيلية، والأخصائين في هذا المجال ممن يغادرون البلاد التي تتجه نحو اليمين المتطرف.
يستمر بايدن في تعنته بعدم اتخاذ مثل هذه الخطوات، ولكن مع وجود ضغط سياسي كافٍ، قد يضطر إلى ذلك. سيكون من الأهمية بمكان، إذا تم حدوث مثل هذا الضغط، ألا يسمح للمدافعين عن حقوق الفلسطينيين بالتركيز فقط على قضايا “الديمقراطية اليهودية”، بل يجب أن تشمل وضع حد لتجاهل الولايات المتحدة للتصعيد الإسرائيلي.
المصدر: البعث