دراما سقف الديون

دراما سقف الديون

يونيو 8, 2023 - 12:36
دراما سقف الديون
دراما سقف الديون

على مدى السنوات الستين الماضية رفع الكونغرس الأمريكي سقف الديون 78 مرة. بالنسبة لمعظم هذه الفترة لم يكن رفع سقف الديون حدثاً، ولكن على مدار العقد الماضي، وفي كلّ مرة تصل فيها الحكومة الأمريكية إلى سقف ديونها، كانت تتكشّف دراما ذات أبعاد عالمية. يلوم الجمهوريون والديمقراطيون بعضهم البعض على إغلاق الحكومة الذي يلوح في الأفق، حيث يُصدر النقاد تحذيرات صارمة من الانهيار المالي الناتج عن التخلّف عن السداد، كما تتأرجح أسواق الأسهم بين الأمل والخوف.

عندما يكون أكبر اقتصاد، وحامل للعملة الاحتياطية الدولية على شفا التخلف عن السداد، لا يمكن لأي دولة أن تظلّ غير مبالية. يعرف الكونغرس الأمريكي والإدارة جيداً أن تقليص العجز يتطلّب زيادة الإيرادات الحكومية من خلال الضرائب، إلى جانب التخفيضات الكبيرة في الإنفاق. لكن كلا الخيارين لعنة سياسية، لذلك فإن الحلّ الوحيد هو رمي العلبة على الطريق، ومواصلة التمثيلية بأن الجمهوريين والديمقراطيين يهتمون حقاً بالديون المتضخمة.

يحبّ الجمهوريون تقديم أنفسهم على أنهم “محافظون ماليون”، لكن مرشحهم الرئاسي البارز لعام 2024 دونالد ترامب الذي نصب نفسه “ملك الدين”، أضاف المزيد من تريليونات الديون إلى الدين القومي في فترة ولاية واحدة أكثر مما أضافه الرؤساء الآخرون في فترتين. ومع ذلك فإن الديمقراطيين ليسوا أفضل من ذلك، حيث يتمسكون بفلسفة اقتصادية مشكوك فيها تُعرف باسم “النظرية النقدية الحديثة” التي تنصّ على أن “العجز لا يهمّ”، وهذا هو السبب في أن دراما سقف الديون تنتهي دائماً بالطريقة نفسها، أي بعد أسابيع من سياسة حافة الهاوية، والمشاحنات الحزبية يتمّ التوصل إلى اتفاق في اللحظة الأخيرة لرفع سقف الديون، مما يسمح للإدارة بإعادة الانغماس في الإنفاق الزائد لمدة عامين إضافيين.

الولايات المتحدة مدمنة على الديون مع استمرار عجزها الفيدرالي فوق تريليون دولار سنوياً، حيث ينمو الدين الأمريكي بسرعة فائقة ليقترب من 32 تريليون دولار. قبل عشر سنوات عندما تجادل الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما مع الجمهوريين لرفع سقف الديون، كان الدين عند 16 تريليون دولار. بعبارة أخرى، تضاعف في غضون 10 سنوات فقط. ووفقاً لمكتب الميزانية في الكونغرس، من المتوقع أن يتجاوز الدين بمعدل الإنفاق الحالي 46 تريليون دولار بحلول عام 2033، وهو ما يقرب من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي اليوم.

وللإشارة، قال المؤرّخ الاقتصادي نيال فيرغسون: “إذا كنت تريد حقاً أن ترى متى تصبح إمبراطورية ما ضعيفة، فإن الهبة الكبيرة هي عندما تتجاوز تكاليف خدمة الدين تكلفة ميزانية الدفاع”.

يتوقع مكتب الميزانية في الكونغرس أن يتجاوز سعر الفائدة على ديون الولايات المتحدة 1.4 تريليون دولار، وهو حجم العجز الفيدرالي، وتقريباً ضعف الإنفاق الدفاعي اليوم. ولو كانت أي دولة أخرى متهورة للغاية، لكان تصنيفها الائتماني قد انخفض، ولكن ليس الولايات المتحدة، لأن وكالات التصنيف الائتماني الثلاث الكبرى -موديز وستاندرد وبورز وفيتش- التي تهيمن مجتمعة على أكثر من 80 في المائة من السوق العالمية هي وكالات أمريكية. بغضّ النظر عن مستوى الدين الأمريكي، فإن هذه الوكالات تواصل تصنيف سندات الحكومة الأمريكية على أنها “درجة رئيسية”. يمكن إكراه وكالات التصنيف هذه بسهولة إذا خرجت عن الخط، وخفّضت مرتبة الحكومة نفسها التي تنظمها، لكن هذا التصنيف المنحاز يضلل البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم، وكذلك صناديق التقاعد، وصناديق التحوط، والمستثمرين المؤسّسيين الآخرين في شراء المزيد من الديون الأمريكية. ومع تحول مفهوم إزالة “الدولرة” إلى الاتجاه السائد، أصبح محافظو البنوك المركزية متردّدين بشكل متزايد في الإفراط في تعريض أنفسهم للديون المقومة بالدولار. في عام 2022 انخفض إجمالي ملكية سندات الخزانة التي بحوزة الدول الأجنبية بمقدار ربع تريليون دولار، وبلغ العجز الفيدرالي للعام نفسه 1.38 تريليون دولار.

تحتاج الإدارة الأمريكية إلى اقتراض المزيد والمزيد من الأموال، لكن الشهيّة العالمية لسندات الخزانة الأمريكية تضعف، ولهذا السبب يتعيّن على الإدارة الأمريكية الاعتماد بشكل متزايد على شعبها لتمويل العجز. ولكن لجذب الكثير من الأموال المحلية، سيتعيّن على الحكومة تقديم أسعار فائدة أعلى، والتي بدورها يمكن أن تدفع الاقتصاد إلى الركود.

لقد طال انتظار الإصلاح المالي العالمي، وهذا الأمر متروك لجنوب الكرة الأرضية لرسم الخط وتوجيه انتباه العالم إلى أن كلّ مصائد الديون هي نتيجة ممارسات مجموعة السبع.

للأسف، إذا كان التاريخ هو الدليل، فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن للقوى الكبرى أن تتعامل بها مع مستويات الديون غير المستدامة هي الشروع في سياسة خارجية عدوانية والعسكرة والاستفزاز والتحريض على الحرب ضد واحد أو أكثر من مقرضيهم الرئيسيين، أو تحريضهم ضد بعضهم البعض على أمل أن تؤدي مفاوضات ما بعد الحرب إلى إلغاء الديون أو إعادة الهيكلة أو مصادرة الأصول أو التعويضات.

المصدر: البعث