هل انتصرت تركيا في الحرب الأوكرانية؟
خلال الاجتماع الأخير مع بوتين، أظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو الرجل السياسي المحنك، مرة أخرى السياسة المعقدة والمتعددة الأوجه التي تنتهجها الحكومة التركية، حيث أربك الخبراء والمحللين الغربيين أكثر فأكثر بشأن موقف تركيا تجاه روسيا. كما تمكن بوتين من التوصل إلى اتفاق مع تركيا يتماشى مع مصالح روسيا، وكان هذا الاجتماع نتيجة مربحة للطرفين.
خلال الاجتماع الأخير مع بوتين، أظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو الرجل السياسي المحنك، مرة أخرى السياسة المعقدة والمتعددة الأوجه التي تنتهجها الحكومة التركية، حيث أربك الخبراء والمحللين الغربيين أكثر فأكثر بشأن موقف تركيا تجاه روسيا. كما تمكن بوتين من التوصل إلى اتفاق مع تركيا يتماشى مع مصالح روسيا، وكان هذا الاجتماع نتيجة مربحة للطرفين.
قبل شهرين فقط، اعتقد الكثيرون في الغرب أن رجب طيب أردوغان يمكن أن ينأى بنفسه عما اعتبروه علاقته الوثيقة للغاية مع فلاديمير بوتين. وقد عقد أردوغان اجتماعا دافئا مع بايدن. سمحت تركيا لمجموعة من القادة الأوكرانيين البارزين المحتجزين في البلاد كجزء من صفقة تبادل الأسرى بالعودة إلى ساحة المعركة، مما أثار غضب روسيا. وتخلى أردوغان عن معارضته لانضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) وعزز جهود الحلف العسكري لعزل روسيا. لكن لم تكن هناك إشارة إلى تحول كبير في توازن أردوغان بين روسيا والغرب خلال اجتماعهما في سوتشي، حيث وقف هو وبوتين جنبًا إلى جنب وتحدثا عن توسيع الشراكة بين بلديهما. وأضافوا أنه على الرغم من الجهود التي يبذلها حلفاء أردوغان في الناتو لشل الاقتصاد الروسي والحد من وصوله إلى أسواق الطاقة العالمية، فإنهم سيزيدون التجارة بين البلدين وسيعملون معًا في قضايا الطاقة. وناقشوا أيضًا قضية جيوسياسية رئيسية - استئناف اتفاق السماح بصادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود - على الرغم من أنهم لم يعلنوا عن أي تقدم ملموس.
وحسبما يقول المحللين، أظهر اللقاء الودي بين الزعيمين أن علاقتهما مستقرة ومتينة، ومن المرجح أن يستمرا في تطوير علاقتهما في مختلف المجالات، ويرجع ذلك أساسًا إلى أن الجانبين قررا أن يستفيدا من شراكتهما لبعضهما البعض أكثر من أن يخسروا جراء المواجهة والعداوة.
وبما أن روسيا تخضع لعقوبات غربية، فقد عملت تركيا كقناة حيوية، حيث رفضت الانضمام إلى العقوبات الغربية واستمرت في إرسال البضائع اللازمة إلى روسيا. وبالنسبة للصادرات التركية، فإن تركيا التي تعاني من أزمة اقتصادية، تعتبر روسيا سوقا مناسبا لأنها يمكن أن تساعد في تحسين اقتصادها. كما أن اتفاق روسيا على تأخير دفع رسوم الغاز المستورد كان تنازلا مهما آخر قدمته روسيا لتركيا، في الشتاء الماضي عندما سمحت موسكو لأردوغان بتأخير دفع رسوم الغاز الروسي وسمحت للحكومة التركية بدفع بعض المدفوعات بعملة غير عملة الدولار وتخفيف الضغط على احتياطيات تركيا من النقد الأجنبي. بالإضافة إلى ذلك، عززت إيداع الروس في البنك المركزي التركي الوضع المالي للحكومة التركية[1].
وتشير الأدلة إلى أن أردوغان تمكن من اتخاذ خطوات لإرضاء حلفائه في الناتو، مثل الموافقة على قبول عضوية السويد في الناتو والاجتماع مع بايدن، دون المساس بالمزايا العديدة لعلاقته مع بوتين. وفي هذا الصيف، سعى أردوغان إلى علاقات أكثر دفئًا مع حلفائه في الناتو. وتحدث أردوغان عن "اتجاه جديد" مع الولايات المتحدة خلال لقاء مع بايدن. ورحب بوجود الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في تركيا، وقال إن أوكرانيا "تستحق بالتأكيد أن تكون عضوا في حلف شمال الأطلسي"، وهو الموقف الذي لا يناسب روسيا.[2]
ويستفيد بوتين من قناته المفتوحة مع زعيم إحدى دول الناتو لأنها تمنحه وسيلة غير مباشرة لتوصيل وجهات نظره إلى بقية أعضاء الحلف، الأمر الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى إحباط أعضاء الناتو الآخرين. وهذه فرصة نادرة تحت تصرف الرئيس الروسي، والتي يمكن أن تؤخر بعض قرارات أعضاء الناتو.
وقد أدى نهج أردوغان إلى دور دبلوماسي فريد بالنسبة له، حيث سمح لتركيا بتسهيل عمليات تبادل الأسرى وصفقات الحبوب، والتي يرى هو وآخرون أنها تسهل شحنات المواد الغذائية إلى الدول الفقيرة. لكن رفضه النأي بنفسه عن بوتين خيب آمال حلفائه في حلف شمال الأطلسي ودفع بعض صناع القرار السياسي إلى إثارة التساؤل حول أي جانب يقف؟!
وناقشت تركيا وروسيا في السابق إنشاء مركز للغاز في تركيا. وتحظى هذه الفكرة بقبول أردوغان كوسيلة لتحسين وضع تركيا الضعيف في أسواق الطاقة العالمية ويمكن أن تسمح لروسيا ببيع غازها إلى دول تشتريه بطريقة غير مباشرة منها. وفي سوتشي، قال بوتين إن شركة الطاقة الروسية الحكومية العملاقة غازبروم أعطت نظيرتها التركية بوتاس "خارطة طريق" لهذا المشروع الواعد.
ومع ذلك، شكك خبراء الطاقة في التطبيق العملي لاقتراح بوتين، قائلين إنه من غير المرجح أن يوافق الاتحاد الأوروبي على مد خطوط أنابيب غاز روسية جديدة أو يسعى إلى زيادة الإمدادات إلى أوروبا. لقد بذلت أوروبا جهوداً كبيرة لتقليل اعتمادها على واردات الغاز الروسي وإيجاد مصادر بديلة مثل شحنات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة وقطر وأماكن أخرى، والآن بعد أن تغلب على صدمة تقليص الاعتماد على روسيا، فهو ليس على استعداد للعودة للوراء بهذه الخطوة.
وكان هذا الاجتماع مهماً جاء بعد اجتماعات آخرى، حيث ركزت روسيا فيه على نقل الحبوب من دولة أخرى بجوار تركيا، وهي قطر. في الواقع، أظهر بوتين اعتراضه على بعض توجهات الحكومة التركية وذكّر منتقديه المحليين بأنه ليس في موقف ضعف. لقد كان هذا الاجتماع بمثابة اتفاق مربح للجانبين، ويبدو أن الخاسر الرئيسي سيكون أوروبا وبعض الدول الأقل حظًا. ومع ذلك، لابد من الأمل في أن تؤدي العلاقات الجيدة بين الحكومتين التركية والروسية إلى إعادة صياغة اتفاقية الحبوب والمساعدة في تقليل تضخم أسعار الغذاء في العالم[3]. والمسألة الأخرى هي أن الحكومة التركية تبدو قادرة على التغلب على المشاكل الاقتصادية إلى حد كبير من خلال توسيع علاقاتها مع روسيا، وفي الوقت نفسه تؤكد يشكل مستمر على دورها كعنصر توازن بين الغرب وروسيا كلاعب رئيسي، وأنها القوة المساومة وتكون لها اليد العليا في التعاملات والتفاعلات الدولية.
[1] aljazeera.com
[2] nytimes.com
[3] theguardian.com