نقاط على حروف عودة سوريا لمقعدها بالجامعة العربية
قرار جامعة الدول العربية باستئناف مشاركة سوريا في أنشطة الجامعة، بما يعني عودة مقعدها، هو قرار هام بسبب ما يعكسه من تغيرات وما يحمله من دلالات، بينما يعد القرار لسوريا بمثابة اعتذار أو تصحيح لخطأ جمعي ولا يعد منحة أو تنازلًا عربيًا يستدعي تنازلات مقابلة من جانب سوريا.
وقد انتشرت عبارة موفقة على ألسنة المتابعين للقرار، وهي أن الجامعة هي التي عادت لسوريا، حيث تعد سوريا قلب العروبة وهي من المؤسسين للجامعة قبل أن تنال العديد من الدول المعترضة على عودتها لاستقلالها.
وهنا لا بد من القاء الضوء على عدة دلالات:
1- قرار عودة سوريا يعني اعلانًا رسميًا عن انتهاء الرهانات على أكذوبة الربيع العربي والتي جمعت الثورات الحقيقية مع المؤامرات للإيحاء بموجة ثورية شاملة لخلط الأوراق وخداع الشعوب.
2- القرار وانتهاء الرهانات المشار إليها يعني تغير الميزان وتعديل كفّتيه، حيث لم تعد سوريا في موقف ضعف وحصار بسبب الكماشة الداخلية والخارجية عسكريًا، والحرب الدعائية سياسيًا، بل استطاعت استيعاب الهجمة وامتصاصها والقضاء على الأعمدة الرئيسية للهجوم الشامل، واستطاعت بانتمائها لمحور المقاومة وتحالفها مع روسيا، تشكيل تكتل وازن سقطت معه الرهانات وأوهام القوة في المعسكر الأمريكي وبدا معه قرار العودة قرارًا للتهدئة واعترافًا بعدم جدوى المواجهة، بل بخطورة استمرارها على المعسكر الأمريكي.
3- أثبتت سوريا أن العودة ليست منحة أو منة وليست تسوية تفاوضية مقابل تخليها عن تحالفاتها، وذلك ببرهانين واضحين ومباشرين وهما:
الأول: زيارة الرئيس الإيراني لسوريا للمرة الأولى منذ بدء العدوان والإعلان عن تأكيد التحالف الاستراتيجي وتعميقه، وهو ما يعني أن العودة الرسمية للجامعة ليست مقايضة للعلاقة مع إيران.
الثاني: أثبتت الغارات الصهيونية المستمرة أن سوريا لم تغير مواقفها مع فصائل المقاومة ولا اجراءاتها العسكرية على الأرض التي تزعج العدو الصهيوني وتشكل له قلقا ورعبا استراتيجيا، وهو ما يعني الصمود على خيار المقاومة والتحالف مع فصائلها واستمرارية الإعداد لمشروع تحريري يرصد العدو ملامح له دون امتلاك معلومات أو تصور لسقف وحدود له، وهو ما يكمن وراء العدوان المستمر.
هنا نستطيع أن نقول إن قرار العودة للجامعة هو قرار معبر عن الوضع الراهن للحالة الدولية والإقليمية وموازينها، ولا يجب تحميله أبعادًا استراتيجية أو آمالًا بتغير عربي وشيك في اتجاه دعم سوريا باتجاه الصمود والمقاومة، بينما اعلان سوريا العملي عن استمرارية الصمود وتعميق التحالف السياسي والعسكري مع معسكر المقاومة هو الإعلان الاستراتيجي الذي يجب بناء الآمال عليه في التحرير والنصر.
وبالتالي يجب أن تسقط كل الرهانات على منطق العصا والجزرة وأسلوب الترغيب والترهيب مع سوريا بغرض عزلها عن محور المقاومة، والقائم على عصا العدوان الصهيوني المتكرر بحجة احتضان المقاومة، أو جزرة احتواء سوريا واغرائها مقابل تخليها عن حلفائها.
ولعل بيان الجامعة الذي يتضمن اتباع سياسة "الخطوة خطوة" في إيحاء بأنه اختبار لسوريا أو أنها محملة بالتزامات يجب أن تفي بها، هو بالأحرى اختبار للجامعة وليس لسوريا، وربما سوريا هي التي تحتاج سياسة "الخطوة خطوة" لتختبر مصداقية الجامعة تجاهها، حيث تحمل سوريا ومحور المقاومة كله القضية العربية على عاتقها والمحور المقاوم وفي قلبه سوريا هو الذي يذود عن العرب ويدافع عنهم وليس بحاجة لشهادة تثبت عروبته وليس بحاجة لأي نوع من الاختبارات.
إيهاب شوقي