ما دور الإمارات في توترات السودان؟
تجهّزت دول عدة بعد ثورة عام 2019، في السودان، والإطاحة بالبشير، للدخول إلى السودان من بوابات متعددة لتحقيق مصالحها الخاصة هناك، فهي ثالث أكبر دول إفريقية وتقع استراتيجيا على نهر النيل والبحر الأحمر، حيث تتمتع بثروة معدنية هائلة وإمكانات زراعية، وقد خرجت مؤخرا من عقوبات وعزلة دولية استمرت عقوداً.
تجهّزت دول عدة بعد ثورة عام 2019، في السودان، والإطاحة بالبشير، للدخول إلى السودان من بوابات متعددة لتحقيق مصالحها الخاصة هناك، فهي ثالث أكبر دول إفريقية وتقع استراتيجيا على نهر النيل والبحر الأحمر، حيث تتمتع بثروة معدنية هائلة وإمكانات زراعية، وقد خرجت مؤخرا من عقوبات وعزلة دولية استمرت عقوداً.
كانت الإمارات من الدول التي أولت السودان عناية خاصةً لأسباب عديدة، وهي دائما ما تدعو أطراف النزاع كافة في السودان إلى التهدئة وضبط النفس وخفض التصعيد والعمل على إنهاء هذه الأزمة بالحوار، وتؤكد باستمرار أنها تتابع بقلق بالغ الأحداث الجارية فيه، وأن موقفها ثابت ومتمثل في ضرورة العمل على إيجاد حل سلمي للأزمة بين الأطراف المعنية، وضرورة دعم الجهود الرامية إلى دعم العملية السياسية وتحقيق التوافق الوطني نحو تشكيل الحكومة.
مضى أكثر من مئتي يوم على حرب السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بحصيلة قتلى وسط المدنيين قاربت ثلاثة آلاف قتيل، وملايين النازحين داخل وخارج السودان، وتضررت عشرات المرافق الحكوميّة والمصانع ومراكز البحوث والجامعات والمستشفيات، فمع طول أمد هذا الصراع دون وجود أفق للحل، ظهرت هناك خشية من تكرار "السيناريو الليبي" في السودان، في إشارة إلى التنازع على السلطة من قبل حكومتين، إحداهما في طرابلس والثانية في الشرق بقيادة الجنرال خليفة حفتر.
أطلق خبراء وباحثون منذ وقت بعيد تحذيرات من خطورة السياسات الغربية التي تهدف إلى تقسيم السودان إلى أربع دول: جنوب السودان، ودارفور الكبرى، ودولة البجا في الشرق، وأخيرًا دولة شمال السودان، فالتطورات الميدانية وخصوصا في دارفور تؤكد وجود مؤشرات تغذي مشروع التقسيم، منها انسحاب الجيش السوداني من الحاميات الغربية في الجنينة ونيالا والضعين، وترك دارفور للدعم السريع، فقط تبقت الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور، والتي تتحصن فيها الحركات المسلحة التي وقعت اتفاقية سلام جوبا.
فقد سيطرت قوات الدعم السريع على مناطق في الخرطوم، وحققت تقدما كبيرا في إقليم دارفور، بينما تحصن أعضاء الحكومة وقادة الجيش في مدينة بورتسودان المطلة على البحر الأحمر شرق البلاد، التي بقيت في منأى عن المعارك، وسط غياب الرغبة لدى الأطراف في تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات، ولا سيما أنه لم يحقق أي طرف تقدما حاسما على الأرض، إذ لم تفلح جولات التفاوض المتعددة سوى في إبرام وقف مؤقت للمعارك التي كانت سرعان ما تستأنف بمجرد انتهاء المهل.
ففشل تلك الوساطات الدولية المتعددة ينبئ بصحة المخاوف من تقسيم السودان إذا استمر الوضع على حاله لفترة طويلة.
ماذا تريد الإمارات من السودان
ازداد الاهتمام الإماراتي بالشؤون الإفريقية، وأصبحت القارة الإفريقية وجهة للإماراتيين لتحقيق مصالح معينة، إذ وقع الإماراتيون عقوداً تجارية بمليارات الدولارات لتطوير مناجم في جمهورية الكونغو الديمقراطية وأرصدة الكربون في ليبيريا وتطوير موانئ في الصومال والسودان وتنزانيا، ومدّوا الجنرال حفتر في شرق ليبيا بالسلاح في خرق لحظر تصدير السلاح الذي فرضته الأمم المتحدة، كما قدموا المسيّرات القتالية لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في مرحلة حرجة من حربه مع ثوار “التيغراي”، عام 2020، ما أمالَ ميزان الحرب لصالحه.
أما السودان فقد بدأ اهتمام الإمارات به منذ أكثر من عقد، لكنها اختلفت مع البشير بعد أن رفض دعمهما عندما نشب خلاف بينها وبين قطر، وبمجرد الإطاحة بالبشير، أعلنت الإمارات والسعودية عن مساعدات واستثمارات بقيمة 3 مليارات دولار لمساعدة السودان على الوقوف على قدميه.
وتحدثت وسائل إعلام عن أن الإماراتيين ساعدوا أيضا في دعم قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو الذي كان واحدا من ثلاثة رؤساء فقط التقاهم علنا الرئيس الإماراتي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ففي عام 2018، دفعوا دقلو لإرسال آلاف الجنود للقتال في اليمن، إذ ساعدته هذه الحملة على إثراء نفسه وتعزيز قوة “الدعم السريع” داخل السودان.
ورغم الأدلة المتزايدة على جرائم وانتهاكات قوات الدعم السريع، استمرت الإمارات في زيادة مساعدتها لها، وللإمارات أسبابها الموجبة وأطماعها الخاصة في السودان، ومثل بقية دول الخليج الفارسي، إذ ترى في السودان مصدراً للغذاء، فالإماراتيون يأملون أن تخفف الإمكانات الزراعية الهائلة للسودان من مخاوفهم بشأن الإمدادات الغذائية، كما تراهاً مركزاً لتعزيز المصالح الإماراتية في البحر الأحمر، حيث وقعت على اتفاقية بـ 6 مليارات دولار لبناء ميناء جديد على البحر الأحمر. إضافة إلى التنافسات الإقليمية، للعب الدور الرئيس في السودان.
وقد نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً قالت فيه إنّ الإمارات تدعو علناً لتسوية سلمية في السودان، ولكنها تقوم سراً بتغذية الحرب، فمن قاعدة بعيدة في تشاد، تقوم أبو ظبي بنقل الأسلحة، وتقدّم العناية الطبية لجانب من الصراع المتصاعد في السودان، إذ تقوم وتحت ستار إنقاذ اللاجئين الهاربين من الحرب، بإدارة عملية سرية متقنة لدعم أحد أطراف الحرب وتقديم العناية الطبية للمقاتلين الجرحى، ونقل الحالات الخطيرة جواً لواحدة من مستشفياتها.
وتدار العملية من قاعدة عسكرية ومستشفى بعيد عن الحدود السودانية في تشاد، حيث تهبط طائرات شحن تجاري من الإمارات، وبشكل شبه يومي، في القاعدة، في محاولة من الإمارات، لاستخدام ثروتها وترسانتها العسكرية للعب دور مهم، وأحياناً دور عرّاب السلطة في إفريقيا، لكن الإمارات تؤكد أنّ العملية على الحدود إنسانية بحتة، ووفق الصحيفة فقد بدأت طائرات الشحن التجاري تتدفق على أم جراس، وهي واحة صغيرة تسكنها مجموعة من الناس، ولديها مدرج طويل على غير العادة.
وقد استخدم المقاتلون التابعون لحميدتي، صواريخ كورنيت، المضادة للدبابات، والتي حصلوا عليها من الإمارات، وقاموا باستهداف قاعدة محصنة لسلاح المدرعات في العاصمة، ونفت وزارة الخارجية الإماراتية سابقاً تقديم دعم لطرف في الحرب السودانية، إذ إنها تدفع للسلام، وكعضو في الرباعية المكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية، تحاول التوصل لحل تفاوضي.
وعندما نشر موقع لمتابعة حركة الطيران “جيرجون” تقريراً عن حركة غير عادية للطيران الإماراتي في أم جراس، أعلنت الإمارات عن افتتاح مستشفى بـ 50 سريراً على حافة المدرج، وتبع ذلك إعلانات عن الجهود الإنسانية لأبو ظبي، وقد قال بعض الممرضين الأفارقة إنّ جزءاً من المستشفى خصص لمعالجة الجرحى من “الدعم السريع” الذين تم نقل المصابين منهم بإصابات خطيرة جواً للعلاج في مستشفى زايد العسكري.
كما توسعت حركة مطار أم جراس ليصبح مطاراً عسكرياً نشطاً ولا تتناسب مع احتياجات مستشفى صغير، وتم إنشاء أماكن ومواقع جديدة لوقف الطائرات وخزانات للوقود، وتم فتح مساحات جديدة بطريقة تعطي صورة إنشاء أماكن لوقف الطائرات، ومن أم جراس يتم نقل الأسلحة مسافة 150 ميلاً إلى زروق، في شمال دارفور، وهي قاعدة حميدتي، حسب مسؤولين سودانيين وتشاديين وفي الأمم المتحدة.
وتتم توسعة القاعدة الجوية في تشاد بشكل مستمر، حيث حصلت الصحيفة على صور للأقمار الاصطناعية، التقطت في أوت. وقال كاميرون هدسون، المحلل السابق في “سي آي إيه”: “لقد عمل الإماراتيون أكثر من أي طرف آخر على مساعدة الدعم السريع وإطالة أمد النزاع”، مضيفاً أنّ الدعم “يتم بدون بصمات، وهذا مقصود”
ختاماً يمكن القول إن الإمارات تبحث عن دور يحقق لها الريادة والسبق في حل المشاكل والنزاعات الإقليمية، في محاولة لتعظيم مكانتها وحجمها الدولي، فهل التدخل في النزاعات بهذا الشكل يمكن أن يحقق لها هذه الرغبة العميقة أم سيؤدي إلى تشكيل خصومة وكراهية دفينة في قلوب شعوب الدول التي تتدخل بها؟.
المصادر:
1- https://cutt.us/ZlXQQ
2- https://cutt.us/xa6SR
3- https://cutt.us/r50JX
4- https://cutt.us/4ABGF
5- https://cutt.us/uQfJq